كان هذا العنوان جملة نشرت على «تويتر» مع صورة لمشهد من مسرحية «العيال كبرت» فيه سعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي في المسرحية الشهيرة التي حملت عنوان «العيال كبرت» في آخر سبعينات القرن الماضي. وكانت المسرحية بدون عادل إمام الذي ظهر معهم من قبل في مسرحية «مدرسة المشاغبين» وشق طريقه الى النجومية في السينما مبكرا عنهم. الذي رأى ويرى مسرحية «مدرسة المشاغبين» يرى سعيد صالح لايقل حضورا عن أحمد زكي ويونس شلبي وعادل. لكن كيف صارت النجومية وأقصد هنا الأدوار الأولى مفتوحة لهم وظل سعيد صالح يلعب الدور الثاني في كل الأفلام والمسرحيات التي يؤديها؟ هذا سببه سعيد صالح نفسه وسوف أفسر ذلك. المدهش أن سعيد صالح تقريبا في كل ما أدى من أفلام كان لحظة ظهوره على الشاشة تنطلق السينما كلها في الضحك متوقعة الضحك العظيم من أفعاله. لقد رأيت ذلك بنفسي عند مشاهدتي لأفلام كثيرة شارك فيها سعيد صالح وطبعا لم أرَ كل أفلامه لأنه شارك في خمسمائة فيلم. طيب سؤالي لماذا لم يقم سعيد أبدا بدور البطولة في السينما رغم أن سعيد صالح كان موهوبا الى درجة مذهلة. السبب هو هذا الذي فعله. الموافقة على الاشتراك في أي فيلم. ممثل يشترك في خمسمائة فيلم يعني أنه لا يدقق في أدواره. مؤكد أن سعيد صالح لم يكن يبحث عن المال لأن طريق المال ليس هكذا بل على العكس لو سعى للبطولة ولم يترك نفسه متاحا كان قد جمع مالا أكثر مما يريد. كما أن من يعرفونه عن قرب يعرفون جيدا أنه لم يكن يسعى للمال ولا يحبه ولم يكن بخيلا ولم يترك خلفه شيئا تقريبا. سعيد صالح حالة خاصة بين الفنانين أقرب الى العبثيين أو الأناركيين الذين لا يخططون لمستقبلهم. المهم أن يبدعوا. ولقد اختلف عن رفاقه في أنه لم يمثل في أفلام سياسية فقط بل ذهب للسياسة بقدميه فتعرف على أحمد فؤاد نجم وعلى قصائده السياسية وغناها في مسرحية «كعبلون» التي كتبها المرحوم محمد شرشر وأخرجها المرحوم حسن عبد السلام، وقال في رؤساء مصر ما أدى به الى السجن. وقف على خشبة المسرح مرتجلا خارجا على النص يقول «أمي اتجوزت تلات مرات الأول وكلنا المش والتاني علمنا الغش والتالت لا بيهش ولا بينش» قاصدا رؤساء مصر عبد الناصر والسادات ومبارك. عرفنا كلنا أن هذا ما أدى به الى السجن لكن التهمة كانت تعاطي المخدرات. كان ذلك عام 1991. أنظر الى تاريخ انغماسه الفوضوي في السياسة تجده بعد أكثر من عشرين عاما من ظهوره وهذا يؤكد لك أن سعيد صالح كان شخصية لا تخطط لما تريد لكنه كان يفعل ما يريد. هذا النوع من الفنانين نادر وغالبا ينتهي عمره الفني بسرعة وعمره الحقيقي في بعض الأحيان لكن الله شاء أن يمد في عمره الفني – خمسمائة فيلم وحوالي أربعين مسرحية ناهيك عن المسلسلات الإذاعية وفي عمره أيضا. توفي في السادسة والسبعين. ومارس عبثيته في قبول أي عمل يعرض عليه. المهم أن يرضي موهبته واحتياجه الروحي للفن وممارسته كموهبة حقيقية. وفي آخر ما ظهر فيه في السينما كان فيلم «زهايمر» مع عادل إمام في مشهد واحد لا ينسى في السينما المصرية وربما كان هو أحسن مشاهد الفيلم. مشهد مريض الزهايمر الذي يقابله عادل امام الذي ادعى المرض بالزهايمر أيضا، في حديقة المستشفى وهو جالس، وأثناء الحديث يتبول سعيد صالح تبولا لا إراديا. خرج كل جمهور السينما مبهورا من المشهد والأداء وشاءت الظروف أن أكون العام الماضي ضمن لجنة من السينمائيين المحترمين للتحكيم في مهرجان الأفلام الروائية المصرية وأعطينا سعيد صالح أحسن جائزة عن الدور الثاني عن هذا المشهد العظيم. الغريب أن كثيرا من الفائزين لم يحضروا حفل الختام مما دعا الكاتب الكبير وحيد حامد رئيس لجنة التحكيم أن يوجه لهم النقد بقسوة ويقارن بين عدم حضورهم لهرجان بلدهم بينما يحضرون مهرجانات عربية لأن جوائزها أكبر. والأغرب أن سعيد صالح حضر ليتسلم الجائزة في الوقت الذي كانت فيه الأقوال منشورة أنه يعاني فعلا من الزهايمر. ضجت القاعة بالتصفيق يومها بشكل رائع ليس لأنه جاء رغم مرضه فقط لكن لأنه سعيد صالح الموهوب بقوة والعبثي الذي لم يعنيه من موهبته العظيمة إلا أن يؤديها في كل الأدوار. رحم الله الفنان العظيم الذي أسعد الملايين. سعيد صالح. ورحم رفيقيه احمد زكي ويونس شلبي اللذين اختطفهما المرض مبكرا وكانت موهبتهما أكبر مما حولهما، وأمد الله في عمر عادل إمام وهادي الجيار وحسن مصطفى وسهير البابلي الذين شاركوهم «مدرسة المشاغبين» وكريمة مختار التي شاركتهم «العيال كبريت» وكل فنانينا العظام الذين أسعدوا مصر والأمة العربية كلها.
مشاركة :