في إسبانيا عامة وكتالونيا خاصة يعتبر ميغيل مارتي ط بول شاعر كاتلونيا، الأكثر محبة، والأكثر قراءة. والأوسع انتشارا. كان حاضرا باستمرار خلال حياته ضمن لائحة جائزة نوبل للأدب. ارتبط شعره بالمغني الكبير لويس للاش، الذي تغنى بقصائده طيلة أربعين عاما من التضامن والتبادل والعطاء المشترك. يمثل ميغيل مارتي ط بول الصورة الرمزية للمقاومة الثقافية ضد عملية استئصال اللغة الكتالانية في اسبانيا، التي دامت عقودا والصورة المبدئية ضد كل محاولات نزع الطابع الانساني عن عالم العمال. رغم مرضه العضال، وحياة حتمية، فرضت عليه العيش على مقعد متحرك. يعد بموت محقق. فإن ميغيل بقي على مدار أربع وثلاثين سنة مناضلا على عدة جبهات بسخاء انساني وعطاء شعري، وتفاؤل عجيب. صوته يرتفع كطائر في كبد السماء، صوته القوي مستهوى الجماهير المنشطرة بين أفراحه وأحزانه. شاعر ملتزم بقضايا الكتالانيين، والوطن على حد سواء. التزامه نابع من إيمان راسخ بقضايا الانسان في هذه الحياة، التي تتطلب إرادة حب قوي، لمواجهة إرادة الموت. تفترض إرادة الحياة مواجهة إرادة الكراهية ومعانقة الحياة يعني معانقة الحرية. ميغيل مارتي واجه سنوات الرصاص الفرانكاوي، الذي أراد نظامه الديكتاتوري سحق الهوية الكتالانية كما واجه خلال سنوات المرض الطويلة العجز الجسدي الذي يلتهم أمله في الشعر والجمال والحياة. ولد ميغيل مارتي في 19 مارس 1929 بمدينة «رودة» وتوفي في 11 نونبر 2003 بمدينة «فيك» وهما معا إقليمان بمنطقة بارشلونة. نشأ في أسرة عمالية وانخرط في العمل منذ سن الرابعة عشرة بمصنع النسيج برودة. ومنذ السادسة عشرة بدأ كتابة الشعر بالاسبانية، لأن اللغة الكتالانية كانت ممنوعة. لكنه في عامه التاسع عشر عاد إلى لغته الأصلية، الحميمية التي ارتبط بها بشكل دائم منخرطا في ذات الوقت في جميع الحركات التي تدافع عن العدالة وتشجب الغطرسة. وفي سنة 1969 علم أنه مصاب بمرض السكليروز وأخبره الأطباء مذاك أنه لن يعيش أكثر من سنتين، لكنه بإصراره وتفاؤله سيعيش أكثر من ثلاثين عاما. سيعيشها بين كتابة الشعر، ومقاومة القمع والمرض. لا تفارقه ابتسامته الطفولية المرحة. وبين هذا وذاك ارتبط اسم ميغيل مارتي بترجماته للشعر والقصة من اللغة الفرنسية إلى اللغة الكتلانية التي أغنى لغتها وأدبها بأعمال لسانت إكسوبيري وسيمون دوبوفوار وأبولينير وفلوبير وزولا وراسين... ترجمت أعماله الشعرية إلى أكثر من خمس عشرة لغة. من بين أهم دواوينه: سبع وعشرون قصيدة: من ثلاثة أزمنة 1972 وجسر البحر الأزرق 1993 وزمن الثورة 2000. مدينة «رودة» مسقط رأسه ذات يوم، سأموت. ذات يوم، سأموت ومرة أخرى، في الزوال في طريق السلام، في الحقول الخضراء، بين الطيور وبين فرق الهواء بهدوء كصديق سأمر بين الرجال وأحبك وأنا لا أعرف. ذات يوم، سأموت ومرة أخرى، في الزوال في عيون النساء اللواتي سيقبلنني بين الموسيقى الأصيلة والكل معد بعناية، أو حتى في الشيء، الأكثر حميمية والأكثر شفافية أو ربما في أشعاري. قولوا لي أية معجزة تجعل المساء أكثر عذوبة وفي ذات الوقت أكثر كثافة، وإلى أي حقل أو أي غيمة يمكنني أن أمنح فرحي؛ لأنني أعرف كيف أحتمل كل من حولي، وأعرف أن شخصا ما، في وقت لاحق سيصون ذاكرتي. كل شيء عاد من جديد الآن كل شيء صمت وانتظار الكلمات التي خبأناها في مكان آمن في يوليو كل هذه الرياح وهذا الحنين. الآن كل شيء وقد عاد من جديد: حرارة الجسد المستقرة المنصاعة بين يدين رحيمتين ضاعت بهدوء وقت الزوال في الغابة، وبين بقايا الصنوبر الهشّ، لا تأتي قيمتهما من هذا الجهد الدافئ والمحب وبيقين وحيد أن تبقى الذاكرة القاسية حاضرة في الغياب، دون التفكير بأن الزمن فراغ بلا حدود؟ يا امرأة: لا، لا أستطيع البوح باسمك، في الغياب أكتب على الحجارة والماء، في ظل الأشجار العطوفة، بجانب النهر وفي غرفة الطعام أعلم أنك تسمعين كلماتي، في كفيك أمارة زمن جديد، ولأنهما ترعرعا بين أمل أن يقبلهما شخص دون سؤال. غبطة الكلمة تدعوني إلى نضال أكثر أفكار حية، وكلمة حية، من الظاهر والباطن أنا لا أتشكى. ماذا بمقدوري أن أفعل بدونك؟ بلهبك المضطرم بلا نهاية يحل كل شيء . في الحجر الذي تنصبين أمامي. فيك ومعك أسترد كثافة كل شيء يقال، أسترد الحياة الأكثر كثافة. استضافة غريبة أنا لا أبدد الصمت يا جسدي أعرف الاتجاهات والمختصرات وأحب الشظايا والإخفاقات؛ لا أقيم فيها متعة ولكني في غنى عنها. أنا لا أبدد الصمت أو الفضاء الجسيم لجسدي ومشاريعي التي تسكنني وتثيرني بإفراط أصابعي المخدرة بلمس الذكريات جميعها أنخرط في مشاريع الفرح والأمل. عميق وواضح، الصوت الذي يكرر على مسامعي: طالب بالحياة! أنا لا أتحدث عما فقدناه أنت تعلمين أكثر مني، تلاشت تلك الديدان المتسلطة، سأكرر ذلك إن بدلت جهدا لسماعي. ولكن اقول لك أننا ربحنا: قطعة من العالم، ملموسة، ومموقعة، وموشورا من الألوان لتأملها. اغمضي عينيك وسترين ما أرى. لن أقول ما يوجد تحت كل كلمة وقد أمطرت وما تبقى من الظهيرة سيكون أكثر ودا وجلاء. لنتجنب الإسهاب ولنقل الجوهري فقط: الكلمات العظيمة، و المحبوبة والاسم الأكثر فائدة والأبسط من كل شيء. تقلص فضائي، ولكن لا تتوقعي أن أتخلى عما أحب. انظري للرياح وهي تأخذ شكل أزهارالبيغونيا، انظري كيف تنظف النوافذ والستائر تشحذ الزوايا الحادة للشفق. حجر في يدي كل ليلة يقع في بئر النوم العميق وفي الصباح، أسحبه مبللا بالحياة. لا أحتفظ بأي شيء يستدعي الذاكرة وغضب الرياح وأسماء الصمت. لقد جئت من موسم أمطار طويل على بحر سنين هادئة، ولا شيء سيدفعني للعودة. تعلمين أني لست من يحب الحياة الباذخة ولا أي ثروة، أحب الوجد والقلق والنار و السؤال. عندما تدعوني الحياة، أحيا باسطا يدي فوق هذا الغرب الرائع. يتدفق الدم بمهابة من كل شيء. الطرق الآن في كل شيء. أقسم أني سأحيا. نحن معا واحد عمود من النور، أفكر أن الضرورة الملحة تقتضي مكافحة السراب ومغادرة الشاطئ لساعات حيث تحط الشمس الحارقة فوق الرمال ماحقة إرادة إنشاء سبل وبشائر جديدة. الآن المخاطرة مغرية. لا حاجة لمشاهدين مواربين، يوافقون على الحركات كلها ومؤكدين المهارة نفسها كأن لا أحد يجوع في كل لحظة . غير مؤذية ومتهورة، سنحب الحياة التي تتحول وتكتمل، بسخاء بطيئة، ونبيلة وعنيدة. سنذهب بعيدا جدا، مكبلين بالصدفة وحدها إلى آفاق لا أحد سيغلق منافذها.
مشاركة :