قال تعالى: «مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، فبأي آلاء ربكما تكذبان»، (سورة الرحمن- الآيات من 19-21). وقال سبحانه: «وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً»، (سورة الفرقان الآية: 53).البحار والمحيطات أحواض هائلة يختلف عمقها من قليل إلى سحيق، وقد غار باطن الأرض نتيجة للتحركات والتقلصات العنيفة في القشرة الأرضية خلال العصور السابقة من ملايين السنين، ثم امتلأت بالماء بذوبان الجليد وما تسقطه الأمطار الغزيرة وما تصبه فيها الأنهار وما تقذف به الرياح والأعاصير من مواد صخرية مفتتة بفعل عوامل التعرية، ترسبت على قيعانها مكونة طبقات يتلو بعضها بعضاً مع مواد أخرى، وتحولت بالضغط الواقع عليها إلى صخور رسوبية، واختلفت مناسيب القاع فمنها السهول الممتدة ومنها الجبال الناتئة والجزر التي أطلت برؤوسها. أذاب الماء كميات متباينة من الأملاح منها كلوريد الصوديوم وكلوريد الماغنسيوم و كبريتات الكالسيوم، ولذا يختلف نوع المياه من بحر لآخر تبعاً لكمية الأملاح الذائبة فيه، فتزداد درجة الملوحة في البحار المقفلة، كما يؤثر البخر من سطح الماء على درجة التركيز، وتمثل مسطحات هذه الأحواض المائية ما نسبته 72% من سطح الكرة الأرضية.يقول المهندس حسين الليثي في كتابه «الله خالق الكون الأعظم»: قدرت مشيئة الله أن يكون حجم هذه المياه وبهذه النسبة الكبيرة لصالح اتزان سطح الله وما سوف يكون عليه من بشر ودابة وحيوان ونبات يحتاج إلى المياه في حياته بصفة أساسية. فكانت الدورة المائية من ارتفاع بخار الماء بفعل البخر من حرارة الشمس على سطح البحار إلى طبقة الجو العليا، ليتكثف ويسقط مطراً من مياه عذبة مرة أخرى على سطح الأرض شراباً طهوراً، لتزدهر الحياة ويعم الخير والنماء.وقد سخر الله جلت قدرته البحار لتجري الفلك فيها بأمره حيث تدفعها الرياح لتقلها من مكان لآخر وهي طافية على سطح تلك اللجة المائية الهائلة تروح وتغدو في أمان الله وفضله، توجهها الريح إلى حيث شاءت حاملة كل شيء خف حمله أو ثقل.مخلوقات عمياءوتختلف أحوال المياه في البحار والمحيطات من مياه سطحية إلى وسطية إلى عميقة إلى سحيقة، وتعيش في كل منها مخلوقات بحرية تناسبها وتتحمل ظروفها من ضغط شديد وظلام دامس ونقص في الأكسجين وغياب للنباتات وبرودة قاسية واختفاء لأي بصيص من أشعة الشمس وضوئها وحرارتها. وهي العوامل التي تساعد على النمو لأي كائن حي، وعلى الرغم من ذلك تعيش في الأعماق مخلوقات عمياء لا عيون لها وتستخدم حاسة اللمس والاستشعار ويأتيها رزقها بفضل الله من بقايا ما يسقط من نفايات وبقايا من السطح. ولديها الخياشيم لاستخلاص الأكسجين اللازم، ولا حاجة لها للصعود للسطح، بل ولا يمكنها ذلك لأن أجسامها مكيفة لتحمل الضغط الشديد في العمق فإذا صعدت إلى الضغط الخفيف انفجرت في الحال. وهذا ما يحدث فعلاً لبعض أنواع من الأسماك التي يتم صيدها من المياه العميقة.وقد قدر أعظم عمق للمياه في المحيط الهادئ بمقدار 10750 متراً قرب جزر الفلبين، أما عن الكائنات البحرية فهي تفوق كل ما على اليابسة عدداً وحجماً وشكلاً ونوعاً بدءاً من الديدان المفلطحة الصغيرة والكائنات البحرية الدقيقة والطحالب والكائنات النباتية والشعاب المرجانية وأنواع لا حصر لها من الأسماك.البرزخ العجيبوعن البرزخ الكائن بين البحار يقول محمد كامل عبد الصمد في كتابه «الإعجاز العلمي في الإسلام»: إن اليد التي تدبر هذا الكون، مرجت البحرين، وجعلت بينهما برزخاً وحاجزاً من طبيعتهما، ومن طبيعة هذا الكون المتناسق الذي تجري مقاديره بيد الصانع الحكيم الذي مرج البحرين، الفرات العذب والمالح الأجاج يجريان ويلتقيان فلا يختلطان ولا يمتزجان، إنما يكون بينهما برزخ، فمجاري الأنهار غالباً أعلى من سطح البحر، ولا يقع العكس إلا شذوذاً حيث ثبت علمياً أن مياه الأنهار التي تصب في المحيطات كثافتها أقل من كثافة المياه الملحية فتظل سابحة فوق المياه المالحة فلا تختلط بها، وبهذا التقدير الدقيق، لا يطغى البحر وهو أضخم وأغزر على النهر.ومن عجائب قدرة الله تعالى أنه جعل ماء النهر لا يؤثر في ماء البحر فيغير ملوحته، كما لا يؤثر ماء البحر في ماء النهر. وتدل المشاهدات على أن مياه نهر الأمازون الذي يصب في المحيط الأطلنطي تندفع مسافة 200 ميل في المحيط، محافظة على عذوبتها طوال هذه المسافة. وفي الخليج العربي نجد عيوناً من الماء العذب تفيض داخل مياه الخليج المالحة.وقد روعي في نواميس هذا الكون ألا تطغى مياه المحيطات المالحة، لا على الأنهار ولا على اليابسة، حتى في حالة المد والجزر التي تحدث بسبب جاذبية القمر للماء الذي على سطح الأرض، ويرتفع بها الماء ارتفاعاً عظيماً، قد يصل إلى ستين قدماً في بعض الأماكن، بل إن قشرة الأرض تنحني مرتين نحو الخارج، مسافة عدة بوصات بسبب جاذبية القمر، ويبدو لنا كل شيء منتظماً، لدرجة أننا لا ندرك القوة الهائلة التي ترفع مساحة المحيط كلها عدة أقدام، وتنحني أمامها قشرة الأرض التي تبدو لنا صلبة للغاية.عواصف وظلماتومن الظواهر البحرية ما جاء في قوله تعالى: «أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه، موج من فوقه، سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور»، (سورة النور -الآية: 40).يقول الدكتور عبد الصمد تجمع هذه الآية أهم ظواهر عواصف البحر وأمواجه، فمن المعروف أن العاصفة تخرج منها أمواج مختلفة الارتفاع أو السعة أو الصفات عموماً، يلاحق بعضها بعضاً فيبدو الموج منطلقاً بعضه فوق بعض، فيحجب ضياء الشمس أو أية إضاءة أخرى لما تثيره هذه العواصف من سحب ركامية سميكة يخيم معها الظلام في سلسلة من عمليات الإعتام التي تصل إلى حد انعدام رؤية الأجسام.وجدير بالذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى حياته بعيداً عن البيئة البحرية، فضلاً عن أنه لم يكن قد سافر قط عبر تلك المحيطات حتى يذكر مثل هذا الوصف الدقيق، مما يثبت قطعاً أنه من وحى الخالق العظيم، الذي يتجلى فيه الإعجاز العلمي الدقيق.ونخلص من ذلك كله إلى أن هذه الآية الكريمة تشير إلى بعض الحقائق العلمية التي لم يكتشفها العلم إلا مؤخراً، وهي بذلك تضيف معجزة أخرى إلى معجزات القرآن الكريم وما أكثرها، فقال عن البحار والأمواج إنه توجد ثلاثة أنواع من الأمواج: الأولى، سطحية وتنشأ بدفع الرياح والأمواج، والثانية، أمواج المد والجزر نتيجة لجاذبية القمر، والثالثة، أمواج تحدث في الأعماق السحيقة من المحيطات، وهي أمواج عاتية وتسير بسرعة كسرعة الطائرات، وتنتج من حركات زلزالية في قاع المحيطات أو انهيار كتل من جوانب المحيط، وقد لا يحس بها راكب السفينة في عرض البحر، ولكنها تكون مدمرة قرب الساحل، وهذا ما حدث في بعض البلاد وما أثبته العلم الحديث، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم: «أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه، موج من فوقه، سحاب ظلمات بعضها فوق بعض»، (سورة النور الآية: 40).التيارات البحريةومن الأعاجيب وجود الأنهار والتيارات البحرية التي تسير في أعماق البحار حاملة المياه العذبة إلى مسافات شاسعة من دون أن يكتشفها العلم الحديث إلا مؤخراً.إن الأغرب من التيارات البحرية والأنهار هو تواجد أنهار بحرية ذات مياه أقل ملوحة وحرارة قد تصل درجة التجمد، وتتحرك هذه الأنهار في أعماق البحار وبشكل معاكس للتيارات التي تسير فوقها، وهذا ما وجد تحت «تيار الخليج»، حيث اكتشف هذا التيار وسمي فيما بعد ب تيار Cromwell باسم مكتشفه في عام 1951حينما استعملت شباك عميقة ذات حبال طويلة وصنارات لصيد أسماك القاع؛ حيث وجدت أن الحبال تتجه وتسير بتيار معاكس لتيار الخليج الذي يسير فوقه. وأغرب مثال على تواجد تيارين بحريين في مكان واحد أحدهما فوق الآخر هو ما يوجد بالقرب من منطقة جبل طارق أي عند التقاء البحر المتوسط مع المحيط الأطلنطي، ففي أيام الشتاء ونتيجة لزيادة معدل تبخر الماء من البحر المتوسط نسبة على ما يتبخر من المحيط الأطلنطي، فإن المياه البحرية ذات الملوحة العالية تغور إلى أعماق البحر وتؤلف تياراً يندفع باتجاه المحيط، ويشاهد أثر هذا النهر العميق وسط المحيط الأطلنطي في حين تتجه المياه السطحية الأقل ملوحة والأكثر حرارة من المحيط الأطلنطي باتجاه البحر المتوسط مؤلفة تياراً علوياً فوق التيار السابق ومعاكساً له في الاتجاه.أما عن الاهتداء في ظلمات البر والبحر فيقول عز وجل في كتابه العزيز: «وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر، قد فصّلنا الآيات لقوم يعلمون»، (سورة الأنعام- الآية: 97). وتشير هذه الآية إلى أن الله تعالى قد جعل لنا النجوم لنهتدي بمواقعها إلى مقاصدنا، ونحن في ظلمات الليل، بالبر والبحر.
مشاركة :