يُعَدّ حقل التصميم، بشقّيه الداخلي أو الخارجي، أحد الحقول الإنسانية المستقبلية، خصوصاً مع تنامي الوعي الإنساني بأهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات في إنشاء البيئة البصرية والسمعية، ولما للتصميم من أثرٍ أساسي في الوجود السليم للكائن البشري، نفسياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً. وعلى رغم أن حضور هذا الحقل في دول الجنوب الفقير يبدو خافتاً وضئيلاً إذا ما قورن بالاهتمام فيه في الغرب ودول الشمال الصناعي، إلا أن مؤسسات البحث العلمي في العالم الثالث تبذل جهودها ليتبوأ هذا الحقل مكانته اللائقة، بالتساوق مع مبادرات فردية هنا وهناك، تنطلق من فكرة تحسين حياة الناس ومعيشتهم اعتماداً على التصميم. وفي هذا السياق، يأتي أسبوع عمّان للتصميم الذي أطلقته الملكة رانيا عام 2016، وتقام نسخته الثانية بين 6 و14 المقبل، تحت شعار «التصميم يحرك الحياة ... الحياة تحرك التصميم». وتبرز أهمية هذه المبادرة في سعيها إلى أن يكون أسبوع عمّان للتصميم منصةً محلية وإقليمية للتصميم والثقافة، وفي تركيزها على إنشاء منتدى للتعليم والتبادل والتعاون، وفي تمكين المصممين من خلال برنامج شامل يتضمن المعارض المنسّقة، وورشات العمل، وفعاليات أخرى. وتنطلق المبادرة من كون التصميم عمليةَ إنشاء وابتكار، تشارك فيه جميع عناصر البيئة، حيث يتم وضعها في تكوين معين لإعطاء مدلول جمالي ودور وظيفي من شأنه مساعدة الناس في حياتهم، وتقديم الحلول للمشكلات والتحديات التي تواجههم، مع الأخذ في الحسبان أن التكوين هو جزء من عملية التصميم الذي يتدخل فيه الفكر الإنساني والخبرات الشخصية. ويضم معرض «الهنجر»، الذي يحتلّ المساحة الأكبر في هذه التظاهرة، أعمــالاً لأكثر من مئة مصمــم عربي وأجنبي، مــن الأردن والإمــارات وفلسـطين ولبنـان والمغـرب والعـراق ومصـر والسـعودية والكويـت والهنـد وألمانيـا وفرنسـا وأميركا. وتكشف الأعمال المشاركة عن أساليب جمالية ورؤى إنسانية أخاذة، كما تسلّط الضـوء علـى عناصـر تُعرض للمـرة الأولى هـذا العـام، وتهـدف إلـى تمكيـن المصمميـن مـن إنشـاء منتـدى للتعلـم والتبـادل والتعـاون. وجاء التأكيد على هذا الجانب في المؤتمر الصحافي بحضور منظمتَي النسخة الثانية رنا بيروتي وعبير صيقلي، ومنسق معرض «الهنجر» أحمد حمّيض، والمصممة دينا حدادين. وقالت صيقلي في المؤتمر إننا نعيش اليوم «مرحلة استثنائية، تحددها حركات تغييرية حيوية لا يمكن التنبؤ بها». وأضافت: «يتسم عصرنا بالهجرات الإنسانية الكبرى، وتزايد نشاط التواصل الإلكتروني، ومن هنا يجيء التفكير التصميمي لتظاهرة أسبوع عمّان، الهادف إلى حل المشكلات الناتجة من هذه المعطيات». وأشارت رنا بيروتي إلى الحوار الذي أُطلق في النسخة الأولى حول التصميم في المدينة وأهميته في تنمية المجتمعات. بينما عدّ حميض هذا الأسبوع «تظاهرة وطنية، تعلي من التصميم كقيمة وطنية»، لافتة إلى القفزة التي حققها بالانتقال من مربع النشاط الفردي إلى فضاء ذي نظرة وطنية وإقليمية، ومؤكداً أن التصميم ليس ترفاً جمالياً، بل هو ضرورة لما يقدمه من حلول للتحديات التي تواجه المجتمعات في الراهن. وقالت مندوبة أمانة عمان الكبرى لبنى الحنيطي، إن الأمانة تقدم دعماً لوجستياً للأسبوع «ترجمةً للتوجهات الملكية»، ويشمل هذا تأمين المواقع وإجراء الصيانة اللازمة، مؤكدةً أهمية حفز الشباب للاستثمار في مثل هذه التظاهرة. ورداً على سؤال لـ «الحياة» عن ردود الفعل على مشاركة بعض فعاليات أسبوع التصميم (2016) في معارض أُقيمت في بيروت وميلانو، قالت بيروتي: «كانت الردود طيبة ومشجعة». وفي شأن التواصل مع الكليات الفنية في الجامعات، أكدت أنه سيتم إطلاق برنامج خاص، يدعو طلبة المدارس الثانوية والجامعات للمشاركة في أعمالهم من خلال برنامج إرشادي يربطهم مع مختصّين. أما عن القيمة التقديرية لموازنة الأسبوع، والذي قد يتقرّر الاستمرار به أو وقفه بناء على تقييم نتائجه بالنظر إلى الكلفة، فقد أكد المشاركون في المؤتمر عدم معرفتهم بها أو قدرتهم على تحديدها، لأن هذه التظاهرة هي «تشاركية بالأساس».
مشاركة :