إقامة دولة كردية في ظل غياب التسوية الشاملة الدولية والإقليمية وإن حظيت بالإجماع الأحادي الكردي على استقلالها لن تبني وطنا يجعل مستقبل الأكراد أفضل.العرب هوازن خداج [نُشر في 2017/09/15، العدد: 10752، ص(9)] رغم تزايد الدعوات لتأجيل الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان المزمع إجراؤه في 25 سبتمبر 2017، بدأت حملات دعائية لحشد الجماهير الكردية وحثها على قبول الانفصال والفوز بغالبية أصوات الاستفتاء في كردستان وكركوك والمناطق الخاضعة لسيطرة البيشمركة في محافظة نينوى، والذي يعد خطوة غير محسوبة لما ستسببه من أزمات سيكون لها أثرها على الأكراد أنفسهم في كردستان وفي الشمال السوري. أثار استفتاء استقلال كردستان العديد من المخاوف حول اشتعال صراع مفتوح على عدة مستويات داخلية وخارجية. فموجات الرفض التي واجهها قرار الاستفتاء تشير إلى إحياء الخلافات العالقة والمتجذّرة بين بغداد وأربيل حول حق تقرير المصير، واعتبرته بغداد خطوة لاستثمار المكاسب الكردية على صعيد الأراضي وتعزيز نفوذ حكومة إقليم كردستان في الأراضي المتنازَع عليها ولا سيما كركوك وسهول نينوى، كما أظهر الخصومات السياسية بين الأكراد أنفسهم حول الانفصال، والتي تجلت بالخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني من جهة، وبقية التنظيمات التابعة لحزب العمال الكردستاني التي ترى في الاستفتاء قرارا خطيرا لعدم وجود الأرضية المناسبة اقتصاديا وسياسيا للاستقلال، وأن هذا الاستفتاء هو ورقة ضغط يريد من خلالها البارزاني تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من بغداد وتعزيز شعبيته في كردستان. فالاستفتاء لم يتم عن طريق المؤسسة التشريعية في كردستان حيث البرلمان معطل منذ 2015 إثر الخلاف حول تمديد ولاية البارزاني الرئاسية، ولم يكن خطوة نحو وحدة الصف الكردي وحل الخلافات بين الأطراف المتنازعة على السلطة في الإقليم وتفعيل البرلمان، بل ساهم في ارتفاع حدة الغضب من السلطة السياسية في الإقليم لعدم قيامها بواجبها تجاه المواطنين. بموازاة الخلافات الكردية الكردية، والكردية العراقية، سارعت إيران وتركيا نحو التنسيق العسكري الأمني، ورغم خلافاتهما حول المسألة السورية فقد اتفقتا على موقف موحد رافض للموضوع الكردي العابر للإقليم، من سوريا إلى تركيا فالعراق وصولاً إلى إيران، وذلك بغض النظر عن الصلات المتينة بين أنقرة ومسعود البارزاني، وعلاقة المصلحة التي جمعت إيران مع حزب العمال الكردستاني في الميدان العراقي المحيط بتلعفر. فكلا البلدين توحدهما المخاوف من قيام دولة مستقلة للأكراد وتغيير الخرائط الجيوسياسية في العراق أو سوريا، وهو ما بدا واضحاً في زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري إلى أنقرة للتنسيق حول القيام بعمليات عسكرية مشتركة في جبال قنديل وسنجار حيث تتواجد قوات تابعة لحزب العمال الكردستاني (التركي), وحدة المخاوف التركية الإيرانية تندرج ضمنها مواجهة التطلعات الكردية في الشمال السوري نحو الانفصال كمشكلة لها تداعياتها على البلدين، واستحالة حلها إلا بتوحيد الجهود وتقاسم الأدوار بينهما لزيادة الضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي سارع زعيمه، صالح مسلم، لاتخاذ المزيد من الإجراءات الهادفة إلى تحويل النظام الفيدرالي إلى أمر واقع، وتم الإعلان عن مواعيد إجراء أول انتخابات على مستوى الإدارات المحلية لمنطقة روج أفا. تحركات أكراد العراق نحو الاستقلال رغم انعدام وجود الأرضية المناسبة من الناحية المالية والاقتصادية والسياسية، أعطت دفعا لأكراد سوريا لمباشرة التوجه نحو الاستقلال، واعتبرت خطوة لتحقيق هدف قومي قديم بقيام كيان سياسي كردي يمتد بين دول إقليمية رافضة وقادرة على جعلها دولة هشة محاصرة بمحيط معاد. إن إقامة دولة كردية في ظل غياب التسوية الشاملة الدولية والإقليمية لن تبني وطنا يجعل مستقبل الأكراد أفضل. كاتبة سوريةهوازن خداج
مشاركة :