التشكيلي العراقي مخلد المختار يتحدى المرض بحروفيات جديدة

  • 9/15/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أقامت منظمة المغتربين العراقيين (فرع النمسا) معرضا شخصيا للفنان العراقي المغترب مخلد المختار، بعنوان “جمالية الخط العربي”، مكونا من 50 لوحة تشكيلية مختلفة القياسات ومتنوعة الاستلهامات، حيث زاوج ما بين جمالية صورة الخط العربي بأنواعه، وتجربته التشكيلية الرمزية الذي عرفها المختار سابقا. وقد تضامن جميع الفنانين العراقيين داخل العراق وفي المهجر، مع الفنان العراقي المغترب بالنمسا مخلد المختار، وذلك لتحديه الكبير لمرضه المزمن، لكي يواصل إبداعه الإنساني في تجربته الجديدة التي أقامها في معرضه الجديد المعنون بـ "جمالية الخط العربي". لوحات الفنان مخلد المختار، كما عرفناها منذ بدايته، تعتمد على التصميم الهندسي المتوازن في ما بين الرموز والأشكال والألوان. وجميعها مستمدة ومنطلقة من مشاهد تاريخية ومن صور التراث الفلكلوري العراقي الأصيل، الزاخرة بالمفردات والرموز العظيمة، والمآثر الخالدة، والحنين إلى الماضي بمشاهده الزاهية، واتساع مواضيعه والتلذذ بمعاني صوره المجيدة. واستخدم المختار طوال تجربته بعض الاستعمالات والمقارنات ما بين الرؤية التشكيلية الخاصة، ووجدانية التعبير الأدبية.. مستشفيا من ذلك لنفسه خطا متميزا ونمطا متفردا في أسلوبه من خلال تقنياته الفنية التي تدعو المتلقي إلى محاولة اكتشاف أبعاد ومضامين اللوحات التي تحمل في طياتها أسرار ودلالات ورموز وألوان وإشارات لتمنحها عمقا تأريخيا عزيزا، وبريقا زاهيا لحاضرنا ومستقبلنا المشرق في توليف وتكوين رائع، فقد أستقى من ذلك ملامحه المتممة من جغرافية العراق، أرضه، هوائه، تربته، مكانه وزمانه بشكل عام، مضيفا إليها مأساة وصمود أبناء العراق، من خلال سنين الحروب المتوالية والعدوان البغيض والدمار الشامل والحصار الظالم، لتنتهي بالطائفية وسخافتها. لقد عرف عن تجربة المختار، بسطوحه الفنية ذات الطبقات اللونية المتعددة، بتقنية آلية (الرش) المتممة بالريشة في ما بعد، واستخدامه الصور الكثيفة التي تغني العمل الفني بالطرق الجمالية المتلاصقة والمتناسقة والمركبة والمتداخلة بين المفردات والألوان، قد تقترب من أسلوب النحت البارز، لتقريب نظر الأبعاد الفنية التي تحيط بالكتل، وذلك لأن المنحوتات البابلية والآكدية والسومرية لا تفارق بصره ومخيلته. سطح اللوحة عند المختار، هو مكان للبحث والتجريب والتنقيب، وقد استطاع أن ينتج سطحا يخدم عناصر لوحاته التي تتخذ من المنمنمات والرموز الإسلامية فضاء لها، معتمدا على إبراز تفاصيل دقيقة في الأشكال، ضمن أسلوب زخرفي متوازن ومتوافق مع أرضية اللوحة (البكراونت)، حيث اشتغل على مفردات أخرى كالنباتات الزاهية والحشرات الجميلة واختزالات من بعض ملامح وأطراف الإنسان، والمزاوجة ما بين هذه العناصر مع أشكال وجمالية الحرف العربي بأنواعه، ومن ضمن منظومة بصرية معاصرة من أجل تكوين وتقديم لوحة مملوءة بالمفردات والدلالات المنسجمة مع بعضها البعض. يقول المختار عن تجربته "بقدر ما بالإمكان، بحثت في الأفكار، وتأملت الأشياء وما بين العرض والطول، وجدت المساحات، وأن لكل مساحة موضوعا، أو أكثر من موضوع، يتضمن أشكالا متشابهة أو مختلفة، ومن خلال الرؤية الخاصة بي، وجدت الدافع الذي اقترنت به الأشياء، ولكل شيء لغته الخاصة، المتعلقة بحدث، أما تفسير الحدث، قد لا يأتي متفقا مع الأشكال المباشرة للأشياء، فتحدث عملية التغيير، وإخراج الأشياء في ثوب آخر، سواء أكانت الأشياء مرئية أم ملموسة، أو قد تكون مجرد خيال”. ويضيف "حين الانشغال بالمحيط الذي نبحث فيه، نجد أن ليس هناك شيء اسمه الفراغ، وعالمنا غير محدود، ينطلق من مركزية الإنسان والأرض، وعندما نريد أن نعبر عن هذا العالم، وباستقلالية شخصية، بدأت بنقطة، وأخذت أتابع خطاها ومسارها، فجاءت هذه الولادات، التي تشاهدونها، لوحات وأعمالا فنية تجاوزت زمن الحالة التي كنت أعيش في نقشها على مساحة بيضاء، بعد أن استمتعت بجوهر الأشياء، بعيدا عن الحياة التقليدية والرتابة". ويقول الفنان خالد المبارك عن مخلد المختار "تمتزج في رسومات الفنان التشكيلي مخلد المختار لغة التعبير والحساسية إلى جانب الموضوعات الإنسانية والوطنية، فقد عبر وبصدق عن نزعة تعبيرية متوازنه بين الذاتي والموضوعي لكن المختار مع ذلك منح لوحاته مناخا شرقيا لم يتوقف عند البعد الجمالي إلاّ من خلال موضوعات الحياة ذاتها، الطبيعة وبعدها الرمزي والصوفي". مكث الفنان المختار كقدماء العراقيين في سومر وآشور ملتصقا بالمركز، ولكن مع الحفاظ على كثافات المحيط، ومكث وهو لا يكف عن البحث والتقصي عن شخصياته التي يحب، وهو يدونها في أعماله. مخلد المختار فنان مبدع ومتمكن يعي اللحظة بتفاعل المبتكر ويصوغ أعماله وأيقوناته كما هو الصائغ المحترف، فبالرغم من بعده عن الوطن فهو يتحسس آلام الوطن وعذاباته ومآسيه، بل يرسمه بعين المتفاءل ويتغنى بإرثه الكبير، فهو لا يختلف عن أجداده بناة الحضارة الآشوريين، يدوّن مشاهداته اليومية لينقلنا إلى عالمه الساحر والمليء بالجمال والفتنة.

مشاركة :