برلين/باريس – وقف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في العاصمة الألمانية برلين على حقيقة أن لا "حل في الأفق بعد مرور 100 يوم" من عمر الأزمة مع دول عربية وخليجية وهي الحقيقة التي صدحت بها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في مؤتمر صحفي مع ضيفها الذي يقوم بأول جولة خارجية له طالبا تدخلا دوليا لمساعدة بلاده على الخروج من ورطة المقاطعة التي عزلته عن محيطه العربي والخليجي. ووصل الشيخ تميم إلى برلين ثاني محطة له في اطار جولته الخارجية بعد أن أجرى الخميس مباحثات في أنقرة مع الرئيس التركي الذي يدعم قطر في أزمتها لكنه يقف عاجزا أيضا عن مساعدتها في فك عزلتها باستثناء ما قدمه من شحنات غذاء وبيانات دعم لا تقدم ولا تؤخر في الأمر شيئا. وعلى وقع الخيبة في تركيا وجد أمير قطر نفسه في مواجهة المصير ذاته في برلين حيث اكتفت المستشارة الألمانية في المؤتمر الصحفي المشترك بدعوة جميع الأطراف الى الجلوس إلى طاولة واحدة بعيدا عن صخب الاعلام لحل الأزمة وهي دعوة كررتها أكثر من جهة حاولت التوسط إلا أنها اصطدمت بتعنت قطر ومكابرة لم تجن منها الدوحة سوى اتساع دائرة العزلة والاضرار الاقتصادية والسياسية. وقالت ميركل "نشعر بقلق حيال حقيقة أنه بعد مرور 100 يوم على بدء الأزمة لا يوجد حل في الأفق"، مضيفة "ناقشنا ضرورة أن تجلس كل الأطراف حول طاولة واحدة في أقرب وقت ممكن". وقطعت السعودية ودولة الامارات ومصر والبحرين علاقاتها مع قطر في الخامس من يونيو/حزيران وفرضت عليها عقوبات اقتصادية شملت إغلاق مجالها الجوي أمام الطيران القطري، لدعمها وتمويلها مجموعات إرهابية وتقاربها مع الخصم الاقليمي إيران المتورطة بدورها في أنشطة ارهابية استهدفت زعزعة الاستقرار في المنطقة. وشددت ميركل على دعم بلادها للوساطة الكويتية في الأزمة بين قطر والدول العربية الأربع ولوساطة أخرى أميركية، لكنها رأت أن هذه الجهود يجب أن تسير بعيدا عن الأضواء من أجل الوصول إلى تسوية "تحفظ ماء وجه الجميع". وأضافت "لن نتوصل إلى حل لهذه الأزمة بينما تعبر كل الأطراف في العالم عن آرائها بشكل علني"، داعية إلى اجراء محادثات "لا تنشر تفاصيلها يوميا في الصحف". وكرر أمير قطر الخطاب ذاته بأن جدد التأكيد على استعداد بلاده "للجلوس على الطاولة لحل هذه القضية"، ودعم بلاده لوساطة تقودها الكويت، مضيفا "سوف نظل ندعمها إلى أن نصل إلى حل يرضي جميع الأطراف". ولم يخرج خطاب الشيخ تميم من الحلقة المفرغة التي يدور فيها منذ تفجر الأزمة، حيث أن الدوحة تحاول الظهور كمن يرغب في الحوار وكأن الأطراف الأخرى هي من يرفض الحوار والحال أنها هي ذاتها من ينسف كل جهود تسوية الأزمة بالإصرار على التعنت ورفض الاستجابة للمطالب والهواجس العربية من السياسة القطرية المتعلقة بدعم وتمويل الإرهاب. وتقيم برلين علاقات جيدة مع الرياض ومع الدوحة. وتساهم قطر في كبرى المجموعات الألمانية مثل دويتشه بنك وفولسفاكن. ودعا أمير قطر الجمعة إلى معالجة "جذور الارهاب" في موازاة مكافحته أمنيا، وهي دعوة تتناقض تماما مع سياسة تتبعها الدوحة في السر والعلن وتتعلق بالترويج لخطابات الكراهية والتطرف من خلال ايوائها لشخصيات متطرفة معروفة ودعمها لجماعات متشددة في الخارج. وقال الشيخ تميم "كلنا نكافح الإرهاب من نواح أمنية، لكن أيضا يجب أن نركز على جذور الإرهاب وأسباب الإرهاب. ربما نختلف مع بعض الدول العربية في تشخيص جذور الإرهاب، لكن كلنا متفقون على أننا يجب أن نحارب الإرهاب". ويقول متابعون لمسار الأزمة إن تصريحات أمير قطر هي للاستهلاك الإعلامي لا غير وأنه لو كان جادا في محاربة الإرهاب لبدأ أولا بتطهير بلاده من رموز التطرف التي يستضيفها. وسئلت المستشارة الألمانية عن استضافة قطر لبطولة كأس العالم في كرة القدم عام 2022، فأجابت بالدعوة إلى ضمان حقوق العمال في المنشآت الرياضية التي يجري بناؤها في الإمارة، مشيرة إلى أن "مسارا اصلاحيا بدأ في قطر ونحن نريد لهذا المسار أن يستمر". وفي محاولة لتجنيب ضيفها امير قطر الحرج، لم تسهب ميركل في الحديث عن هذه القضية، إلا أنها أطلقت اشارات واضحة تتعلق بسجل آخر طالما حاولت الدوحة تلميعه دون جدوى في ظل استمرار انتهاك حقوق العمال وخاصة عمال المنشآت الرياضية. ووصل أمير قطر لاحقا إلى باريس ثالث محطة له في جولته الخارجية حيث استقبله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، قبل أن يتوجه إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقطر مستثمر رئيسي في فرنسا. وأبرز مثال على ذلك هو نادي باريس سان جرمان لكرة القدم الذي دفعته الأموال القطرية إلى المرتبة الأولى على الصعيد الأوروبي، وقد تمكن من شراء النجم البرازيلي نيمار. وتساهم الدوحة أيضا في قطاع العقارات والفنادق الفاخرة وفي الصناعات الفرنسية الرائدة مثل توتال وفيفندي وفي شركة أل.في.أم.اش (الريادة العالمية للمنتجات الفاخرة). وهي أيضا زبون كبير على صعيد السلاح. وتوظف الدوحة العقود السخية عادة لأهداف سياسية اكثر منها استثمارية للتغطية وللالتفاف على حقيقة ارتباطها بجماعات متشددة.
مشاركة :