(غولاغ) أحد القصص المأساوية في تاريخ العالم الحديث, ذلك المنفى الذي دشنه (لينين) ثم أصبح إحدى أيقونات القمع والتعذيب في عصر (ستالين) حيث ذهب ضحيته ملايين البشر, وأدانته جميع جمعيات حقوق الإنسان في العالم, هذا المعسكر تحدثت عنه الروائية التتارية غوزيل ياخينا في أولى رواياتها (زوليخة تفتح عينيها), التي أثارت الكثير من الجدل في الأوساط الأدبية الروسية مؤخرا, وحازت على جائزة «كتاب العام» في روسيا. تقول ياخينا أنها اعتمدت في ذلك على ذكريات جدتها التي كانت أحد اللاجئين في تلك المعسكرات, كما تذكر أنها اعتمدت على الكثير من القصص التاريخية والتي أحدها قصة (زوليخة) مع نبي الله يوسف عليه السلام. *لماذا كتبت الرواية؟بدأت في يناير من عام 1930 حملة واسعة النطاق ضد الفلاحين من ذوي الخبرة في الإتحاد السوفياتي, تمّت مصادرة ممتلكات الشعب وطردوا إلى مناطق نائية غير مأهولة في الإتحاد السوفياتي, إلى سيبيريا والشمال وكازاخستان وألطاي. روايتي كانت تتحدث عن تلك الأحداث, تطرقت إلى قضية الفلاحين, حيث تم إجلاء ثلاثة ملايين شخص, وذهب ستة ملايين آخرون إلى ما يسمى "مستوطنات العمل" (مستوطنات خاصة بالمنفيين). كانت جدتي أحد أولئك الستة ملايين. تم إجلاء والديها في يناير عام 1930م, وهي ما تزال في السابعة من العمر. لقد سيقوا طوال الطريق من القرية إلى مدينة قازان على صهوات الخيل, ومن ثم بعد رحلة طويلة امتطوا السكك الحديدية إلى (كراسنويارسك), وهكذا ساروا بمحاذاة نهر ينيسي حتى بلغوا نهر أنغارا. أمضت جدتي كل طفولتها وشبابها في المنفى السيبيري. تخرجت من الكلية التربوية هناك ولم تعد إلى قريتها الأصلية حتى العام 1946م. ذهبت لتدريس اللغة الروسية في المدرسة الابتدائية, والتقت جدّها الذي كان مدرسا للغة الألمانية ومديرا للمدرسة. حينها بدأت الحياة الثالثة لجدتي: حيث كانت الأولى في القرية قبل المنفى, والثانية في سبيريا, والثالثة حياتها الآمنة, حيث صار لديها أولاد وأحفاد وطلاب يقرون بالعرفان لها. توفيت جدتي قبل سبع سنوات. كنت مهتمة في البداية فقط بموضوع ديكتاتورية ستالين من أجل الفهم والإحساس وتخيل ما كانت تعاني منه عندما كانت في المنفى. ثم جاءت في وقت لاحق فكرة كتابة كتاب, لذا هذه القصة بالنسبة لي هي شخصية جدًا. النشأة في عالم ثنائي اللغة والثقافة .. سعادة أمر آخر هو أن الرواية ليست قصة سيرة ذاتية تماماً, فبطلتي لا تشبه جدتي كثيراً, ذهبت جدتي إلى سيبيريا كطفلة صغيرة وفي بداية الرواية كان عمر (زوليخة) ثلاثين عامًا. أخذت من حياة جدتي الفترة الزمنية (1930-194) والطريق من القرية إلى قازان إلى كراسنويارسك إلى أنغارا, حيث طرد الناس دون أي سبيل لكسب الرزق. أخذت حادثتين فقط من ذكريات جدتي,أما كل ما تبقى فقد أخذته من ذكريات اللاجئين والنازحين الذين مروا بسجن غولاغ, ومن الأطروحات والأعمال العلمية والأفلام الوثائقية وبعض المواد من متحف غولاغ في موسكو. أما الهيكل الصلب وغير المرئي للرواية يتكون من حقائق تاريخية ملموسة. وبطبيعة الحال في الرواية ثمة الخيال الإبداعي, فهو في النهاية عمل فني وليس كتاباً تاريخياً. *لماذا لم تكتبي روايتك باللغة التتارية؟إنني مثل العديد من الأطفال في تتارستان, نشأت بلغتين, أتحدث كلا من التتارية والروسية. حتى بلغت سن الثالثة, لم أكن سوى التتارية في وجهيها (الحضرية) و(الريفية), والاختلافات بينهما يسيرة ومعظمهما في طريقة نطق الكلمات. في سن الثالثة ذهبت إلى روضة الأطفال فدخلت اللغة الروسية حياتي. كما أنني درست اللغة الروسية في كل من المدرسة والمعهد. وحتى الآن استخدم اللغة الروسية أكثر من استخدامي للتتارية. *هل ازدواج الثقافة عامل إثراء للكاتب؟ -بالطبع, إن النشأة في عالم ثنائي اللغة وثنائي الثقافة سعادة عظيمة. بالنسبة لي, فإن مسقط رأسي (قازان) مثال على التعايش المتناغم بين الشعبين التتاري والروسي. لقد غزيت قازان وضمت إلى روسيا عام 1552م, وقد مر منذ ذلك الحين ما يقارب 500 سنة, وانسجم الشعبان أخيرًا. فقط تخيل أنه بالقرب من موقع الكرملين القازان ثمة مسجد وكنيسة أرثوذكسية, كما أن ثمة نسبة من الزيجات المختلطة بين التتار والروس. بالمناسبة, زوجي روسي, وزوجة أخي روسية أيضا. وبالنسبة للكاتب الذي ينشأ في ثقافتين فإنه مثل من يشرب من مصدرين. جدتي أمضت شبابها في المنفى كيف تلقّى الشعب التتاري الرواية؟ الموقف من الرواية في تتارستان مختلف جدًا, البعض اعتبرها أنشودة للمرأة التتارية, والبعض الآخر رأى فيها عدم احترام للأمة التتارية. وكان النقاش حول هذه الرواية ساخناً في تتارستان. إنني ممتنة لجميع النقاد الذين استقطعوا من وقتهم وقرأوا الرواية وتحدثوا عنها. *حدثينا عن الجهد الذي بذلته في البحث في مادة الرواية؟في روسيا, ثمة تراث ثري حول غولاغ وعصر ستالين. كتبت في الرواية عن الأشياء المعروفة: اللاجئين وغولاغ ومستوطنات العمل, لم أحصر مهمتي بإعادة رواية التاريخ, ولا بإبراز أصوات جديدة, ولا التصدي لنص تاريخي. كانت مهمتي عميقة وشخصية نوعًا ما, كنت انوي من خلال دراسة المواد التاريخية أن أؤلف كتابا لأفهم جدتي بشكل أفضل. لم يكن حتى المصدر الأول والرئيسي هو المعلومات وإنما الإلهام. بالنسبة لي, فقد أخبرتني ذكريات جدتي عن المنفى السيبيري, الكثير عن كيف استقر النازحون على ضفاف نهر أنغارا في غابات التايغا, وأمروا ببناء مستوطنة, مثل الخوف أخذ الوصفات الدوائية, لأن ثمة شائعات بأن الطواقم الطبية تلقت تعليمات لإبادة الأطفال. هذا ما أردت أن أوصله, الرعب والظلام ومصاعب الحياة. أردت بشكل خاص أن أتحدث عن روح الأخوة التي وصفتها جدتي, كلما عاش الناس في المستوطنة فترة أطول كلما اقتربوا من بعضهم. كان ذلك الرابط أوثق من رابط القرابة. وهكذا فإن قرية المنفيين في الرواية كانت بمثابة سفينة نوح بالنسبة للفلاحين والمجرمين والمثقفين والمسلمين والمسحيين والوثنيين والملحدين, المجبرين جميعاً على التلاحم معا للبقاء على قيد الحياة. هي رواية عن الناس دون أن تكون مرتبطة بجنسية معينة. كان المصدر الآخر للرواية هو مذكرات المطرودين الذين مروا بغولاغ. أعطتني تلك المذكرات فرصة للنظر في زمن معين وأحداثه التاريخية من داخله. أما وجهة النظر الخارجية فطالعتها عبر الدراسات والأطروحات العلمية التي تناولت تلك الفترة. ومن المصادر ايضاً أفلام المخرجين السوفيات حول حياة الفلاحين في روسيا, والتي تم تصويرها في ثلاثينات القرن الماضي. *لماذا اخترت اسم (زوليخة)؟تقوم الرواية على قصتين شرقيتين أسطوريتين هما: قصة طائر السيمرغ وقصة يوسف وزليخة, قصة الحب العاطفية التي جرت بين المرأة الغنية وفتاها الوسيم. أردت أن أقول هذه القصة الكلاسيكية بشكل مختلف, بطلة روايتي زوليخة أحبت ابنها "يوسف" بجنون. وفي نص الرواية هناك إشارات لتلك القصة مثل تمزيقها لقميص يوسف ونحو ذلك. *هل ستعملين على ترجمة روايتك إلى العربية؟ -ترجمت الرواية حتى الآن إلى حوالي 20 لغة. ثمة أيضاً طلب لترجمتها إلى العربية لكن المعهد الروسي للترجمة لم يوافق على ترجمتها بعد. إذا ما حدث ذلك فسأكون سعيدة.
مشاركة :