"سيداو".. "كلاكيت" مرة ثانية

  • 8/10/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كثير من القضايا المجتمعية تعيد نفسها وتكرر حضورها وتطفو على السطح حينما تتماس مع حاجتها لأن تحيا وتجد موقعها في السياق الواقعي، لا يمكن ببساطة أن تستسلم لإقصائها إلى أجل غير مسمى، وما ليس واقعيا لا يمكن أن يستقيم مع أي منطق بعنوان "الخضوع للأمر الواقع"، ولذلك فإن القضايا التي تندرج تحت حقوق المرأة تظل حيوية، وتكتسب مزيدا من الطاقة المنطقية التي تجعلها تستعيد تلك الحقوق لتكمل الحلقة الاجتماعية الناقصة بانتقاص ما هو حق وحقيقي بالنسبة للمرأة. استحقاقات المرأة في غالبها اجتماعي، وهي رهينة بمفاهيم اجتماعية نسبية تبعا لتطور الوعي بشكل عام، ولعل الأمر أشبه بانفراجات ذات تناسب طردي، كلما ارتقى العقل الاجتماعي في استيعاب تلك الحقوق فتح المجال للمرأة أكثر في جميع المسارات، وحين يندرج ذلك في إطار نظم وتنظيمات يصبح أمرا واقعا يشمله النظام الاجتماعي حتى وإن استنكر البعض ذلك، واستشهد بحق التجنيد للمرأة في الولايات المتحدة الأميركية الذي جاء متأخرا قياسا بالتطور الحضاري هناك، حيث لم يكن لها حق العمل في السلك العسكري، إلى أن تحقق ذلك قريبا فأصبحت ضابطة، وجندية ولذلك نظامه وتشريعاته الضابطة له. كل تطور اجتماعي يحمل في أحشائه جنينا لاستحقاق نسوي، ولأننا في مجتمع عالمي يتجه لأن يصبح قرية كونية، فإننا نستوعب نظما قد يبدو ظاهرها غير مقبول ويستحق الرفض، ولكنها قابلة لتطبيقها بما يتعامل مع ذلك الرفض ويؤسسه كأمر واقع، وذلك على نحو الاتفاقية المثيرة للجدل التي وقعتها المملكة عام 2000، وهي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والمعروفة اختصارا بـ"سيداو"، والتي توصف بأنها وثيقة حقوق دولية للنساء، وهي في تقديري تطور حقوقي وأخلاقي مهم في مسيرة المجتمعات البشرية، ولا تبدو متعارضة مع أي أعراف أو تشريعات تخترق خصوصية المجتمعات أو تسيء إلى تطبيقاتها الحقوقية والعدلية، حيث تركت هامشا مناسبا للعمل بها في الدول التي صادقت عليها، ولذلك فإن معارضيها لا يملكون في الواقع حجة وتبريرا لرفضها إلا لمسوغات تتعلق بصدورها من الآخر غير المتوافق دينيا وقيميا، وذلك ليس كافيا في السياق المنطقي للرفض. خلاصة اتفاقية سيداو تنتهي إلى التعامل التشريعي والنظامي مع أي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة، ذلك يشمل "أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس، ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر"، فهل بعد ذلك ما يشكل أي رؤية تصادم التعريف والشمول الحقوقي؟ سبق أن طرحت القضية في مقال سابق، وذهبت إلى أن الاتفاقية لا تتضاد مع مقتضيات الشرع، وهو مرجعيتنا، طالما أنها سمحت للدول باتخاذ "المناسب" من الإجراءات، وكنت أشرت إلى حالة واقعية تعيق تطور حقوق المرأة، حيث ورد تعهد بإقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى، من أي عمل تمييزي، وفي الوقت الذي أقرت فيه الدولة عمل المرأة كمحامية رفض أحد القضاة في المحكمة العامة بالرياض مؤخرا حضور إحدى المحاميات للترافع عن مواطنة مطالبا إياها بمحرم، وذلك عين ما ترفضه الاتفاقية، وتعمل على التعامل معه ومساعدة الدول في الوصول إلى حالة حقوقية تختص بالمرأة تتكافأ فيها مع الرجل في الحدود "المناسبة". حين وقعت المملكة على الاتفاقية كانت لها تحفظاتها الموضوعية حيالها، وإجرائيا فإن التحفظ يعني ويشير إلى عدم التزامها بالنصوص المتحفظ عليها، وإخضاعها للإجراءات الوطنية القانونية، وبذلك يستوي مسار الاتفاقية مع أي نظام اجتماعي يحتفظ بقواعده الاجتماعية والأخلاقية في هذا السياق، ما يضيف إلى المرأة تثبيتا لحقوقها دون إضرار أو تشويش على الثوابت والأعراف، ولذلك فإننا نظل ننادي بأهمية تفعيل الاتفاقية وتحويلها من حيز عدم الواقعية المفتعل إلى أن تكون واقعية كتوقيع المملكة عليها لما يوفره ذلك من دعم متقدم لحقوق المرأة واستحقاقاتها على كافة الصعد.

مشاركة :