أجواء طبيعية ساحرة تبعث في النفس الطمأنينة والراحة تقع محمية ضانا في الأردن على مساحة تتجاوز ثلاث مئة كيلو متر مربع، ما يجعلها مقصدا لعشاق الطبيعة ومراقبة أنماط الحياة البرية. في محافظة الطفيلة (180 كم جنوب العاصمة عمان) تقع المحمية، وهي الأكبر في المملكة والوحيدة بين 9 محميات تضم ثلاثة أقاليم جغرافية، من إقليم البحر المتوسط إلى إقليم النفوذ السوداني، وتمتد من جبالها الشاهقة وصولا إلى منحدراتها الغائرة في الأرض. يقول مدير المحمية عامر الرفوع، إن ضانا التي تأسست عام 1993 تتفرد بتنوعها الحيوي والبيولوجي حيث تم تسجيل 833 نوعا من النبات في المحمية، ثلاثة من هذه الأنواع النباتية تسجل لأول مرة في العالم وحملت اسم ضانا ضمن اسمها العلمي وتم تسجيل 38 نوعا من الثدييات، أي ما يقارب 50 بالمئة من الثدييات في الأردن. ويضيف الرفوع أنه تم تسجيل 215 نوعاً من الطيور، بما يعادل 50 بالمئة من الطيور في الأردن، بينها أنواع مهددة بالانقراض، مثل النسر البني، والعقاب الأسود، إلى جانب 38 نوعا من الثدييات والمهدد بعضها بالانقراض، مثل الماعز الجبلي، والضبع، والوبر، والذئب، والوشق، والثعلب. كذلك يوجد في المحمية 98 موقعا أثريا، حيث يعتبر موقع فينان الأثري ثاني أهم موقع في جنوب الأردن بعد البتراء، وأيضا يعتبر أفضل موقع في العالم يمثل حقبة تعدين النحاس في التاريخ البشري. ويقول مدير السياحة في المحمية، رائد الخلايلة، إن “ضانا هي جوهرة المحميات في الأردن، إذ تقارب مساحتها 300 كيلو متر مربع على مد بصر الناظر إلى مرتفعاتها وهضابها”. ويشير إلى أن “المحمية لم تعد مقصدا للسياح فقط، بل باتت مصدر رزق لعدد كبير من أبناء المنطقة، الذين يعملون فيها بوظائف مختلفة، كما أنها أحدثت نقلة جوهرية بالنسبة لعمل المرأة في مثل هذا النوع من المشاريع”. ويوضح أن “المحمية تشغل حاليا 3 مشاريع حرفية، هي مشروع النباتات الطبية والمربيات، ومشروع الحلى الفضية والنحاسية، إضافة إلى مشروع الجلود، الذي يضم حاليا نحو 25 فتاة وسيدة”.نزل فينان البيئي واحد من أفضل 25 نزلا بيئيا في العالم وذلك حسب مجلة ناشونال جيوغرافيك ترافيلر متجر الطبيعة في زاوية من محمية ضانا يقع متجر صغير يضم المنتجات التي أنتجتها السيدات من مختلف المحميات الطبيعية في الأردن من الحلي والأعشاب والمربيات والصابون وبيض النعام وغيرها. تقول شادية الخوالدة التي تعمل في متجر الطبيعة في محمية ضانا وتحصلت على بكالوريوس اللغة الإنكليزية، إنها تستمتع بعملها في متجر الطبيعة في المحمية، وتستقبل المواطنين والسياح الذين يرغبون في شراء المنتجات المختلفة من المحمية، مشيرة إلى أن عملها في المتجر ساهم في صقل شخصيتها وفتْح آفاق مختلفة في بيئتها الصغيرة. وتعرض الجمعية الملكية لحماية الطبيعة التي تشرف على مشاريع اقتصادية في متجر الطبيعة المنتجات المستوحاة من الطبيعة، والتي تقوم السيدات بإنتاجها في مشاغل الحرف اليدوية. وكان مشروع صناعة الحلي الفضية أول برنامج تطوره الجمعية بناءً على تصاميم نباتات وحيوانات المحمية مثل شجر الدفلة وأبو بريص والبدن والنسر. وطور هذه التصاميم المهندس عمار خماش، وفي ما بعد بدأت نساء قرية ضانا بتطوير تصاميمهن الخاصة بهن، كما أن بعض التصاميم مستوحاة من الرسومات على الصخور أو تعكس العلاقات البيئية في المحمية مثل تصاميم اليرقة التي تأكل أوراق الأشجار وتعمل الجمعية على تطوير هذا المشروع من خلال تصاميم تقوم بتنفيذها مصممة المجوهرات الشهيرة ناديا الدجاني. تعتبر المحمية الوجهة المفضلة لسكان محافظة الطفيلة في الأعياد والإجازات الرسمية والعطل المدرسية، وتشهد منطقة حمامات عفراء وأماكن طبيعية أخرى تزايدا مضاعفا في أعداد الزائرين من جميع أنحاء المملكة الأردنية إلى جانب توافد الأفواج السياحية المتتالية. وارتفعت نسبة الحجوزات في المحمية إلى أكثر من 70 بالمئة خلال الموسم السياحي الحالي وعطلة عيد الأضحى الماضي حيث شهدت كافة مواقعها خصوصا مخيم الرمان إقبالا ملحوظا من قبل الزوار. وبحسب القائمين على المحمية، فإن عدد زوارها يقدر بنحو 120 ألف زائر سنويا. وتدير محمية ضانا أكبر العمليات المرتبطة بالسياحة البيئية في المملكة، وتعمل إدارة المحمية على تطوير السياحة بطريقة مستدامة، بحيث يتم تنظيم الزيارات بطريقة تقلّل من التأثير السلبي على موئل الأحياء البرية، وتقدّم أكبر قدر ممكن من المعلومات للزوار.أنشطة متنوعة وعملت المحمية على إدخال السياحة إلى منطقة المحمية وما يجاورها، من خلال إنشاء ثلاثة مواقع سياحية في المحمية. وتتم سنويا استضافة العديد من الجهات التربوية والمدارس والمؤسسات سواء لاستعمال مرافق المحمية أو تنفيذ الأنشطة البيئية المختلفة والفعاليات ودعم الأنشطة والمؤتمرات الطلابية ومخيمات الكشافة والمعارض المدرسية والمشاركة مع المؤسسات في كافة المناسبات الوطنية وكذلك المناسبات الدولية المتعلقة بحماية البيئة والطبيعة. ويستطيع زوار المحمية التمتع بثلاثة مواقع للإقامة، وهي بيت الضيافة ومخيم الرمانة ونزل فينان البيـئي بإدارة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، إلى جانب بيوت القرية القديمة، التي أصبحت منازلها تستخدم لأغراض سياحية، بعد أن حولها أصحابها الأصليون إلى فنادق شعبية صغيرة. بيت الضيافة وفق مدير السياحة في محمية ضانا فإن بيت الضيافة، الذي تم تحويله إلى فندق، كان مكانا يقصده الباحثون والمغامرون للراحة،أما الآن،وبعد توسعته التي أُنجزت في أبريل الماضي، أصبح يحتوي على 23 غرفة، إضافة إلى غرفة عامة للزوار الذين يستقبلهم على مدار العام. وكون بيت الضيافة مكانا بيئياً، فإن الإنارة -وغيرها- تعمل باستخدام الطاقة الشمسية، وتخلو غرف الزوار من أي تغطية إنترنت، أو أي أجهزة كهربائية باستثناء مراوح عادية، فيما تقدم قاعة الاستقبال خدمة الإنترنت اللاسلكي لمن يرغب فيها، إضافة إلى توفير شاشة تلفاز واحدة. أما الطعام المقدم للزائرين فيتم إعداده من قبل سيدات من المجتمع المحلي للمحمية، يقطن في قرية قريبة، إذ يعددن أطباقا شعبية تلقى إقبالا واستحسانا من الكثيرين. ومن أنشطة المحمية ركوب الدراجات الهوائية وسط التلال والمشي بين ممرات وادي غوير الضيقة وزيارة مناجم النحاس القديمة والقناة الرومانية. محمية “ضانا” تضم أيضا مخيم الرمانة، وهو يقع داخل المنطقة الرئيسية من المحمية وعلى الهضبة المقابلة لتلك التي يقبع عليها بيت الضيافة. هذا المخيم لا يمكن الوصول إليه إلا باستخدام سيارات خاصة يقودها سائقون متمرسون، وذوو خبرة بتضاريس المنطقة، وهم غالبا من سكان ضانا أو القرى المجاورة لها. ويحتوي المخيم على 25 خيمة مجهزة للمبيت، ليستوعب 135 زائرا يوميا، هم 60 للمبيت و75 للزيارات النهارية، إضافة إلى خيمتين بدويتين كبيرتين ومنطقة خارجية للطعام ومرافق صحية لخدمة الزائرين، الذين يستقبلهم المخيم بين منتصف مارس ونهاية أكتوبر. بين جبال محمية ضانا وفي نهاية طريق وعرة، يتميّز النزل الذي تضيئه الشموع بموقعه بين أحضان وادي فينان الخلاب. ويُعتبر نزل فينان البيئي واحدا من أفضل 25 نزلا بيئيا في العالم وذلك حسب مجلة ناشونال جيوغرافيك ترافيلر.فنادق ومخيمات بيئية بعيدا عن ضوضاء المدينة وقد حصل النزل على العديد من الجوائز العالمية الأخرى لتقديمه الخبرات والتجارب الفريدة الصديقة للبيئة الأكثر تقدماً في الأردن، ويعود الفضل في ذلك إلى الشراكة المتميزة القائمة بين شركة الفنادق البيئية والجمعية الملكية لحماية الطبيعة؛ وهي مؤسسة أردنية غير حكومية يتركز عملها على حماية المناطق الطبيعية في الأردن. توجد في النزل 26 غرفة يقيم فيها الضيوف بكل راحة لتأكدهم من أن رحلتهم السياحية صديقة للبيئة الطبيعية والاجتماعية على حد السواء، فهنا يمكنهم أن يستمتعوا بالمناظر الصحراوية الساحرة وأن يخوضوا المغامرات ويقوموا باستكشاف المواقع الأثرية. ويقدم النزل فرصة فريدة لزواره لتعلم بعض عادات المجتمع المحلي من خلال زيارات يقوم بها الزوار لأفراد العائلات الموجودة حول النزل، كما يقدم أيضا فرصة لاستكشاف المناطق الطبيعية الخلابة داخل المحمية برفقة أدلاء من سكان المجتمع المحلي، وبإمكان الزوار أيضاً مرافقة أحد أفراد المجتمع المحلي في جولته لرعي الأغنام. وتعمل النساء البدويات في مشغلين صغيرين في النزل على صناعة فوانيس الشمع وصناديق الطبيعة بالإضافة إلى الهدايا المميزة المصنوعة من جلد الماعز. وتتجاوز قيمة هذه الهدايا مردود قيمة الإكسسوارات، حيث تخفّض من مخاطر الرعي الجائر بتقليل الثروة الحيوانية وزيادة قيمة الماعز من دون الإضرار أو التأثير على الحياة الطبيعية البدوية. مراقبة الطيور تتيح الجولة في المحمية زيارة موقع أثري حجري يأخذ شكل منحوتة تذكارية توضح كيف كانت المحمية مقصد استراحة من مشاق الرحلات الطويلة في العصر العثماني. وتتوزع أماكن لمراقبة الطيور في أرجاء مختلفة من غير تلك التي تم تخصيصها لمشاهدة الحيوانات البرية، إلى جانب مواقع مخصصة لمراقبة النجوم، ويتم تقديم وجبات عربية تقليدية يعدها أبناء المنطقة. رئيس مجلس إدارة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة خالد الإيراني صرح بأن “المحمية تقدم تنوعا ما بين كونها مكانا تاريخيا وطبيعيا وبين وجود مجتمع محلي يعيش فيها وحولها ما زال يحافظ على أصالته وبساطته”. ويوضح الإيراني قائلا إن “المحمية تعد بؤرة اقتصادية مهمة لمنطقتها، فهي تضم مشاريع أصبحت مصدر دخل للعديد من السكان، سواء بطريقة مباشرة لمن يعمل فيها بوظائف مختلفة، أو بشكل غير مباشر ممّن يقدمون خدمات للمحمية وزوارها، مثل النقل والإرشاد السياحي، إلى جانب إعداد العديد من المنتجات المعروضة والمستخدمة في المحمية”. كما تضم المحمية، بحسب الإيراني، “70 موقعا أثريا فريدا، إلى جانب تعدد أقاليمها الجغرافية والطبيعية، التي يندر وجودها في مكان واحد، ليس على مستوى الأردن فحسب بل على مستوى المنطقة العربية”.
مشاركة :