أدَّت السنوات الـ12 المتصلة من حكم أنجيلا ميركل إلى ظهور الحياة السياسية جافة بعض الشيء بالنسبة للشباب في ألمانيا. لكنَّ حزباً ساخِراً يحظى الآن بموجةٍ من الشعبية، وذلك بعدما تأسَّس بصفته مَزحةً تسخر من النظام القديم. وتُقدِّم المجموعة، التي تُسمِّي نفسها ببساطة "دي بارتاي" (بمعنى الحزب)، نفسَها باعتبارها تُروِّج لكلٍّ من "النخب والعوام" و"العمل وحكم القانون"، وأنَّها تحتل "الوسط المتطرف"، بينما يرتدي كل أعضائها بدلات رمادية مملة، في سخريةٍ من سخف السياسيين التقليديين، وفق تقرير لصحيفة البريطانية. ومع أنَّ شعار الحزب هو "نعم للسياسة. لا للسياسة"، فإنَّ الحزب قد ركَّز على النظام الراهن في ألمانيا، الذي يستعد لمنح ميركل ولايةً رابعة في منصبها مستشارةً للبلاد خلال الانتخابات الفيدرالية المقبلة، المُقرَّر إجراؤها في 24 سبتمبر/أيلول الجاري. وقد بدأ الحزب، الذي أنشأه محررو مجلة تايتانيك الساخرة، في جذب الاهتمام عام 2014 عندما انتُخِب أحد أعضائه، مارتن زونيبورن، في البرلمان الأوروبي. وقد شهد الحزب زيادةً كبيرةً في عدد أعضائه في الشهور الأخيرة الماضية، ليصل إلى أكثر من 25 ألف عضو، ويقترب بذلك من أعضاء أكثر الأحزاب اليمينية المتطرفة بروزاً وانتشاراً، حزب البديل من أجل ألمانيا، البالغ عددهم 26 ألف عضو. ومن المتوقع أن يدخل الحزب البرلمان الألماني لأول مرة هذا العام. وقال نيكو زيمسروت، في حديثٍ له مع صحيفة ، على هامش تجمع صغير نُظِّم في حي كرويتسبيرغ، وهو حي عصري في قلب برلين، يسكنه طلاب وفنانون وجالية تركية كبيرة، إنَّ الأحزاب التقليدية قد تركت فراغاً فيما يتعلق بتعبئة الشباب. وأضاف زيمسروت: "لو كان بإمكان الشباب من سن الـ16 التصويت، فسيحصل الحزب على حوالي 20%. ولدي قناعة أنَّ بإمكاننا دخول البرلمان، ربما ليس في غضون 4 سنوات، وإنما خلال 8 سنوات". وبينما صعد زيمسروت إلى المنصة مصحوباً بالهتافات من جانب مؤيديه، توقَّف بضع عشرات من المارة مدفوعين بالفضول لسماعه. وربما تمكنوا من التعرف عليه من ملصقات الحزب في برلين، التي يظهر فيها وهو يرتدي قلنصوة، والتي تذكر أنَّه "يهتم" بأزمة خيبة الأمل في السياسة الألمانية. بعد أن عانى من الاكتئاب، بدأ المرشح صاحب الـ31 عاماً في استخدام السخرية السوداء وسيلةً لجذب انتباه الناس، وأيضاً باعتبارها صمام أمان ضد حزب البديل من أجل ألمانيا. وقال زيمسروت : "لقد بُني حزب البديل من أجل ألمانيا على الكراهية، بخلاف حزبنا. إنَّ الكراهية والضحك متضادان تماماً، نحن الشعبويون الحقيقيون، الشعبيون الأخيار، إنَّني أريد أن أكون صوت الشعب الذكي اليائس. وأعتقد أنَّ معظم الأحزاب القائمة مسنة ومملة أكثر من اللازم، وليسوا قادرين على إيصال رسالة واضحة. أعني: ما مبادئهم الحقيقية التي يدعمونها؟ لستّ أدري فعلاً". وفي وسط الحشد، وصفت إحدى مؤيدات الحزب، وتُدعى أمبار دولا هورا (27 عاماً) الحزب بأنه "مرآةٌ" تعكس سخف الأحزاب الأخرى. وقالت هورا : "يمكننا فعل الكثير من خلال الفكاهة والاستفزاز. من المهم حقاً أن نكون قادرين على السخرية من أنفسنا ومن مشكلات بلادنا". وأضافت هورا أنَّ الأحزاب الأخرى قد "صنعها كبار السن من أجل كبار السن"، الأمر الذي دفع الكثير من المصوتين الشباب لدعم حزب دي بارتاي، "لأنَّهم لا يعتقدون أنَّ أي حزب آخر يمكنه تمثيلهم". ويسخر بيان الحزب من المشكلات الاجتماعية التقليدية التي فشلت الأحزاب القديمة في إحداث تغيير فيها. فقال البيان بخصوص الفجوة في الأجور بين الجنسين إنَّه يقترح إنهاء هذا "الجدل العقيم"، عن طريق دفع رواتب لكل المديرين على حسب حجم حمالات الصدر خاصتهم. وقال زيمسروت: "إنَّنا نؤمن بالديمقراطية في نسختها النقية الأصلية. ونحن مثاليون محبطون لا نريد التخلي عن أحلامنا. ولأنَّ بعض الأشياء التي نريدها ربما تكون غير واقعية، فإنَّنا نسخر منها بدلاً من الشعور بالأسى على أنفسنا". وقد قام حزب "دي بارتاي"، أوائل الأسبوع الجاري، بأكثر خطوة صادمة له في الانتخابات حتى الآن، وذلك عندما أطلق حملةً من الملصقات التي تنتقد تغيير المستشارة ميركل موقفها من قبول اللاجئين في ألمانيا. وقد ردَّد الملصق شعار ميركل حول الشعور الجيد، والذي يتمثَّل في: "من أجل ألمانيا نريد جميعاً أن نعيش فيها جيداً"، عبر إظهار صورةٍ لجثة الطفل السوري اللاجئ إيلان كردي الملقاة على الشاطئ، وبجانبها تعليق يقول: "من أجل شاطئٍ نستلقي عليه بسعادة". وقد يشكل تأرجح الحزب بين السخرية والسياسة تحدياً في المستقبل، لكنَّ ذلك مكَّنه، حتى الآن، من تقديم مرشَّحين في كافة ولايات البلاد الـ16. وقال زيمسروت: "هذا هو الجزء الأكثر جدية. وفي غضون ذلك، ما زال الحزب فوضوياً إلى حد بعيدٍ في هيكله وأعضائه؛ إذ عادةً ما يُرى أعضاؤه وهم يشربون الجعة ويمرحون، وهذا هو الجزء الأقل جدية". وعلى الرغم من استبعاد إمكانية أن يتخطَّى حزب دي بارتاي عتبة الـ5% المطلوبة للفوز بمقعده الأول في الانتخابات، فإنَّ زيمسروت يقول بإصرار: "سنشكِّل تحالفاً عظيماً مع أنجيلا ميركل. بإمكانها أن تكون نائبة للمستشار، في حين نتولى نحن المستشارية".
مشاركة :