تطهير عرقي وصمت عالمي

  • 9/17/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

دوغ سوندرز * يمكن رؤية المشهد من الفضاء. منذ أكثر من عام، تظهر صور الأقمار الصناعية الليلية، بقعاً كثيفة من اللون البني على طول الساحل الشرقي العلوي لخليج البنغال، جنوب بنغلاديش وشمال شبه جزيرة دلتا ايراوادي الطويلة التي تشكل قلب ميانمار. وخلال الأسبوع الماضي، غدت هذه السلسلة البرتقالية أكبر وأكثر لمعاناً، وأظهرت الصور النهارية سبب ذلك: فقد تمّ إحراق عدد لا يحصى من القرى والبلدات في ولاية راكين الشمالية، وتحويلها إلى أطلال، مع إرغام سكانها، أفراد أقلية الروهينغا، على الخروج من منطقتهم التقليدية، وقتل أو جرح بعضهم أحياناً، على أيدي جيش ميانمار في ما وصفه مراقبون عن كثب بأنه تطهير عرقي منهجي. واستجاب العالم بتحويل أنظاره من ذلك البعد المداري إلى عاصمة ميانمار والمرأة التي أصبحت زعيمة البلاد السياسية في العام الماضي، بعد أن قضت عقوداً من الزمن، قائدة للكفاح ضدّ دكتاتورية الجيش. وقد صَدَمت «اونغ سان سو كيي» العالم- إلى درجة أن البعض يتحدثون الآن عن سحب جائزة نوبل منها- بتغاضيها عن هذا الطرد والإذلال ل 1.1 مليون شخص من الروهينغا، وظهورها بمظهر المؤيد لذلك. ومن ذلك البعد البؤري الضيق، يبدو صمت «سو كيي» غير مفهوم. ففي غضون السنين التي قضتها في المعارضة، كانت تدين قيام المجلس العسكري بسحق هويات وحقوق الأقليات. وكانت بورما، كما كانت تعرَف ميانمار سابقاً، قد تم تشكيلها من قِبل المستعمرين البريطانيين، من عشرات الممالك الصغيرة والقبائل والجيوب، التي حاول قادة الجيش في وقت لاحق، فرض التجانس عليها بالقوة. وقد كرست «سان سو كيي» إلى حدّ كبير، سنوات حريتها، من عام 2012 فصاعداً، لإنشاء بلد أكثر تعددية. وهي متورطة في مفاوضات سلام معقدة مع الجماعات العرقية التي كانت تقود الصراعات المسلحة العنيفة. وعلى الرغم من أن هذه الجماعات لم تنزع سلاحها بعد، فإن «سو كيي» تواصل التفاوض مع زعماء الميليشيات من المجموعات العرقية المختلفة. وكان استثناؤها الوحيد هو الروهينغا، الذين يختلفون في خصلة رئيسية واحدة، هي أنهم ليسوا بوذيين. وعلى الرغم من أنهم مقيمون في ميانمار منذ القرن التاسع، فإنهم كانوا يوصفون بسبب دينهم بأنهم «أجانب»، من قِبل المجلس العسكري الذي ألغى جنسيتهم، ولم تعدْها «سان سو كيي» إليهم. ولم تشِرْ إلى الروهينغا إلا باعتبارهم «مشكلة إرهابية»، وعلى الرغم من أن لديهم مليشيات لا تختلف عن مليشيات الجماعات العرقية الأخرى. وقد أصدر الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، تقريراً مفصلاً في الشهر الماضي، بتكليف من «سو كيي»، دعا إلى إضافتهم إلى عملية السلام، وكان الرد الوحيد هو التطهير العرقي. وإذا صعدنا، عائدين إلى المسافة المدارية، تغدو دوافع «سو كيي» أوضح. فدولة ميانمار ليست منعزلة عن غيرها، وهي معرضة لاتجاهات تشمل آسيا بأسرها. والكراهية المناهضة للروهينغا مظهر من مظاهر الأصولية البوذية، التي تهدد هلال البلدان ذات الأغلبية البوذية، الذي يمتد من سيريلانكا عبر ميانمار وتايلاند إلى كمبوديا. وهذه في الغالب دول متعددة الأديان ومتعددة الأعراق، وقد صارعت في العقود الماضية سياسات الشوفينية البوذية ونتائجها العنيفة في كثير من الأحيان. ولكن هذه السياسات في ميانمار، أصبحت إيديولوجيا سائدة. وحتى من مسافة أبعد، نرى أنه بدلاً من التصدي لهذا الاتجاه، يتم تشجيع الشوفينية العرقية وتحريضها من قبل قوى كبرى. فقد تلقت اونغ سان سو كيي«زيارة دولة هذا الأسبوع من رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الذي أعرب عن تأييده الكامل لما وصفه بنضال ميانمار ضد العنف المتطرف، واستشهد بتجربة الهند. كما أقامت «سان سو كيي» أيضاً، علاقات وثيقة مع زعيم الصين، شي جين بينغ، الذي كثف قمع بلاده للأقليات العرقية ولا سيّما المسلمين الإيغور. ولا ينبغي النظر إلى ذلك باعتباره ابتعاداً عن الغرب، الذي لزمت أكبر دوله الصمت إزاء الفظائع التي ترتكب ضد الروهينغا... وعلى الرغم من أن كندا وغيرها شجبت التطهير العرقي، فإن هنالك أصواتاً أكثر بكثير، تطلب من «سان سو كيي»، أن تواصل السير على هذا الطريق نحو الديماغوجية الدينية. ولا بد أن ذلك يبدو في نظرها، وكأن العالم يقف وراءها.*  صحفي ومؤلف بريطاني وكندي. موقع: صحيفة «ذي غلوب اند ميل» (الكندية)

مشاركة :