الإخوان المسلمون 2020: كيف؟ وإلى أين؟ (2)

  • 9/17/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

10. الصدق: لما كان الصدق من أعظم الصفات الإنسانية وأرقى الفضائل الأخلاقية التي لا ينكرها راشد، فقد جعله الإسلام في صميم منظومته للبناء الحضاري، وأكدّ عليه ضمن أهم أسس بناء المجتمعات وسعادة الأمم. كما أن له أثراً بالغاً في تنظيم علاقات أفراد الأسرة الواحدة وكذا علاقة الفرد بالمجتمع. وقد أمر الله به المؤمنين وجعله قرين التقوى فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" التوبة: 119)، وقال ﷺ: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقاً" (متفق عليه). ‎11. الأمانة: وهي حفظ كل حق يتوجب على المرء أداؤه للغير طوعاً، مع التعفف عن خيانته أو البغي على مستحقه، ابتغاء مرضاة الله. وتتسع دائرة الأمانة لتغطي مفاهيم أوسع وأعمق من مجرد الجانب المادي المحدود، فتشمل حفظ كل ما استُؤمن عليه الإنسان من أسرار وشهادة ورعية ومسؤولية، يدخل في ذلك كل بني البشر مؤمنهم وكافرهم، برّهم وفاجرهم. وقد قال الله تعالى: ‎"إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً" (النساء: 58)، وقال: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" (المؤمنون: 8)، وقال رسول الله ﷺ: "أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" (رواه الترمذي). ‎12. فعل الخير: ‎اعتنى الإسلام الحنيف عناية بالغة بعمل الخير، وإغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج دون مقابل مادي يحصل عليه المتطوع، أو طلباً للثناء والشهرة ونحوها من أغراض الدنيا. فهدف عمل الخير عند المؤمن هو ابتغاء مرضاة الله ورجاء الثواب عنده، فضلاً عما يناله من حياة طيبة وبركة وسكينة نفسية وسعادة روحية لا تقدَّر عند أهلها بثمن. واعتبر عمل الخير وإشاعته في مختلف الميادين من مقاصد الشريعة، ومن الضروريات الأصلية لإقامة مجتمع متماسك يسوده الوئام والتنافس في البذل والعطاء. قال تعالى: ‎"ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الحج: 77)، وقال الرسول الكريم: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ" (أخرجه الطبراني). ‎13. التكافل: ‎وأقصد بـ"التكافل" أن يتشارك أفراد المجتمع في المحافظة على المصالح العامة والخاصة، ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية؛ حتى يشعر كل فرد فيه إلى جانب حقوقه بأن عليه واجبات تجاه غيره، وخاصة من لا يستطيعون تحقيق حاجاتهم الخاصة، وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم. ولا يعني التكافل في الإسلام من ينتمون إلى الأمة المسلمة فقط؛ بل هو غاية أساسية تتسع دائرته حتى تشمل جميع بني الإنسان على اختلاف مللهم واعتقاداتهم داخل المجتمع الواحد، كما قال تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الممتحنة: 8)، "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة: 2)، وجاء في السنّة: "مَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ إِلاَّ أَغْلَقَ اللهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ" (رواه الترمذي). ‎14. الكرم: ‎الإسلام دين الجود والسخاء، لم يكتفِ بدعوة المسلمين إلى الإنفاق الفرضي والتطوعي؛ بل حثهم على مراقي الكرم والبذل، فالمسلم جواد بما جُبل عليه بطبيعته الإسلامية، يأتمر في ذلك بأمر دينه وعقيدته، واقتداءً بنبي الإسلام الكريم الذي ضرب أروع أمثلة في هذا المجال. قال تعالى: ‎"وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الحشر: 9)، وقال ﷺ: ‎"من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفَه" (متفق عليه). ‎15. الإحسان للجار: وضع الله حقوق الجار ضمن الحقوق الكبرى التي تقوم عليها سعادة الإنسان وعلاقته بربه، فذكر -سبحانه- الإحسان إلى الجار بعد ذكر عبادته وتوحيده، وبعد حقوق الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، مما يدل على عِظم هذه الحقوق وتأكيدها، فالإسلام يجعل المجتمع كتلة متماسكة "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ" (النساء: 36)، وقال ﷺ: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ"، وقال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ" (متفق عليهما). ‎16. بر الوالدين: يُثاب ‎الإنسان على أعماله التي تخالف طبْعه ربما أكثر مما يُثاب على أعماله التي توافقه؛ ولذا فصاحب برّ الوالدين يثاب عليه في الدنيا توفيقاً ونجاحاً، وفي الآخرة سعادةً وخلوداً. وقد جعله الله تكليفاً شرعياً لأهميته حتى قرنه -عز وجل- بعبادته حين قال: ‎"وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً" (الإسراء: 23). وجاء في السنة: "رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، قِيلَ: مَنْ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ" (رواه مسلم). ‎17. صلة الرحم: ‎يهدِف الإسلام إلى بناء مجتمع متعاطف متراحم تسوده المحبة والإخاء، ويهيمن عليه حب الخير والعطاء، وقد اهتم الإسلام بالأسرة على اعتبارها الوحدة الأساسية في المجتمع، وذلك بتوثيق عراها وتثبيت بنيانها، وجاء الأمر برعاية حقها بعد توحيد الله وبر الوالدين حين قال عز وجلّ: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى" (النساء: 36)، وقد أُمِرت الأمم قبلنا كذلك بصلة أرحامها، قال سبحانه "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى" (البقرة: 83)، وقرنها النبي الكريم مع إفرادِ الله بالعبادة والصلاة والزكاة، حين سأله رجل فقال: "أخبِرني بعملٍ يدخلني الجنّة، قال: تعبد الله ولا تشرِكُ به شيئاً، وتقيمُ الصلاة، وتؤتي الزكاةَ، وتصِلُ الرّحم" (متفق عليه). ‎18. تكريم المرأة: ‎المرأة في نظر الإسلام هي تلك المخلوقة التي شرّفها الله بهذا الدين وأكرمها كما لم يكرمها ما أحد سواه، فإن كانت أماً فقد جعلها النبي ﷺ أحق الناس بحسن الصحبة حين سئل: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أُمك"، قال: ثم من؟ قال: "أُمك"، قال: ثم من؟ قال: "أُمك"، قال: ثم من؟ قال: "أبوك" (متفق عليه). وإن كانت بنتاً، فحقها كحق أخيها في المعاملة الرحيمة والعطف الأبوي؛ تحقيقاً لمبدأ العدالة، وإن كانت زوجاً فهي من نِعم الله التي استحقت الإشارة والذكر بقوله: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً" (الرعد: 38). وفي السنة: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقاًً" (رواه الترمذي)، وقوله ﷺ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" (رواه الترمذي وابن ماجة). وهي إن لم تكن أماً ولا بنتاً ولا زوجة، فهي من عموم المسلمين يُبذل لها من المعروف والإحسان ما يُبذل لكل مؤمن، ولها على المسلمين من الحقوق ما يجب لأشقائها من الرجال، فضلاً عن أمرهم برعايتها وحفظ كرامتها. ‎19. رعاية الأبناء والأسرة: ‎يعتبر الإسلام مسؤولية الوالدين عظيمة في تكوين الأسرة ورعايتها، بداية من اختيار شريك الحياة إلى تفاصيل العلاقة داخل الأسرة وكيفية تربية أبنائهم؛ ‎ذلك لأن الإسلام دين كلي شمولي يهذّب للبشرية سبلها ويعبّد لها طرقها في كل الاتجاهات وميادين الحياة كافة. قال تعالى: ‎"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم: 6). كما قال ﷺ ‎"أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئؤُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئؤُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" متفق عليه. 20. التحلي بمكارم الأخلاق: لن ينعم أفراد أي مجتمع بالأمان والانسجام ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة، ففضائل الأخلاق ضرورة اجتماعية تدعو إليها الفطر السليمة، ولا يستغني عنها أي تجمُّعٌ بشريٌّ. وعقلاء الناس يُجمعون على أن الصدق والوفاء بالعهد والجود والصبر والشجاعة وبذل المعروف أخلاق فاضلة يستحق صاحبها الثناء والتكريم؛ ولذا نجد لمكارم الأخلاق في الإسلام شأناً عظيماً، حيث دعا المسلمين إلى التحلي بها وتنميتها في نفوسهم، قال تعالى: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" (الجمعة: 2). وقال صاحب الخُلق العظيم ﷺ: "إِنِّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخلاق" (رواه أحمد)، وقال: "ما مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ" (رواه الترمذي)، وقوله ﷺ: "أَكْمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَاناً أَحسَنُهُم خُلُقاً" (رواه الترمذي وأبو داود). 21. نبذ العنصرية: إن معاملة الناس على أساس طبقي أو عرقي، كفيل بتقويض أي مجتمع، وحتى ينهض ذلك المجتمع فلا بد من أن يكون الناس فيه سواسية في الحقوق والواجبات. لذا جاءت تعاليم الإسلام واضحة منيرة في هذا الصدد لتثبت أن الخيرية بالعمل، وليس للجنس أو اللون أو النسب محض فضل، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات: 13)، وقوله ﷺ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى" (رواه أحمد)، وقال: "إن الله أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، وفاجر شقي. الناس بنو آدم، وآدم من تراب" (رواه أبو داود). 22. نصرة المظلومين: نصرة المظلوم من فروض الكفايات، إذا قام بها البعض وتمت النصرة سقطت عن الباقين في المجتمع المسلم، وإذا لم يقم بها أحد أثِم من كان مستطيعاً وعنده القدرة على ذلك وتقاعس عنه. فالأصل أن يسعى المسلمون لمنع الظلم، وإذا حدث وجب عليهم رفعه. إن مجتمعاً يسود فيه الظلم هو أبعد ما يكون عن وصف المجتمع السويّ. قال تعالى: "وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً" (النساء: 75). وقال: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ" رواه أبو داود، وقال ﷺ في حديث قدسي: "وعزّتي وجلالي لأنتقمّنّ من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمَّنّ ممّن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم ينصره" (رواه الطبراني). 23. رعاية البيئة: ينظر الإسلام إلى البيئة، سواء الجامدة منها أو الحية، على أنها خلق الله، وأنها تسبِّح بحمده تعالى الذي سخرها لبني البشر ليختبر ما يصنعون بها. وقد أمر -سبحانه- المؤمنين أن يجيلوا النظر فيها ويتأملوها؛ بل جعل هذا التفكّر من أعظم العبادة، قال عز وجلّ: "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الجاثية: 13)، وقال: "تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً" (الإسراء: 44). بل جعل الله من وظيفة الإنسان ومن مقومات استخلافه في الأرض أن يعمرها، فقال: "اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ" (هود: 61)؛ بل تجد في فقه الإسلام وأصوله كيف تتعامل مع البيئة، سواء ما تعلّق بالطهارة أو الحج أو الصيد أو الزرع، قال ﷺ: "مَا مِن مُسلم يَغرِسُ غَرْساً أو يَزرَعُ زَرْعاً فيأكُلُ مِنه طَيرٌ أو إنسَانٌ أو بهيْمَةٌ إلا كان لهُ بهِ صَدقَةٌ" (رواه النسائي ومسلم). 24. السلام: أمنية غالية ورغبة أكيدة، تتطلع إليها البشرية في تلهُّف وشوق، ولا عجب أن تنشد الرسالة الخاتمة السلام وتؤمن به وتحضّ أتباعها عليه، مناديةً بتعميمه بين الناس، لا من قبيل من يتحدث عنه للتمويه وذرّ الرماد في الأعين؛ بل هو في الإسلام شعار يردده المسلمون في العبادة والتحية وفي كل آن ومكان. كيف لا وغاية هذا الدين تحقيق سعادة الإنسان ومصالحه في دنياه وأخراه؟! وقد جاءت الشريعة بحفظ حقوق ذلك الإنسان ممثلةً في كلياتِ مقاصدها؛ مما يؤدى إلى نشر الأمن والسلام المجتمعي، وجعلت الرقابة الإلهية خير ضابط لسلوك بني البشر. كما كانت الشريعة عدلاً وسطاً في قضية المسالمة والحرب، جامعةً بين الأمْرين بأحسن تشريع وأشرف بيان، فجعلت السلام أصل المعاملة بين المسلمين وغيرهم، وجعلت الحرب ضرورة يُلتجأ إليها صدّاً للعدوان وحفظاً للأديان والأبدان والأنساب والأموال وكينونة المجتمعات ودفع الفساد والخوف والاضطراب عن أهلها. قال تعالى: "يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (المائدة: 16). وقال: "وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (الأنفال: 61). وقال ﷺ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا" (رواه الترمذي)، وقال ﷺ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" (رواه مسلم). يتبع.. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :