من المؤكد أن الضربات الأمريكية الجوية لمقاتلي «داعش» ستضعف من قدراتهم القتالية بعد أن شكل تقدمهم السريع على الأرض العراقية واجتياحهم المدن ظاهرة طرحت علامات استفهام كثيرة وتدفقت على إثرها إجابات مختلفة، وصل بعضها إلى اعتبار هذا التنظيم «أداة» في لعبة الصراع وتنفيذ مخططات الدول الكبرى، ولأن الحركة أظهرت قدرات قتالية تستدعي أن تكون لها مصادر مالية تتحمل تكاليف هذا القدر من التجهيزات العسكرية اتسعت دائرة التفسيرات والتحليلات حول نشوء الحركة وأهداف مؤسسيها ومصادر قوتها وما مرت به من مراحل، انتقلت خلالها من خدمة أهداف المؤسسين الأوائل إلى توظيف قوتها لتنفيذ أجندة مستفيدين جدد أو مشاركين التقت مصالحهم في زرع هذه الحركة، بكل ما تحمله من توجهات تخيف الكثيرين، في المنطقة بغية خلط الأوراق. لكن يبدو أن «داعش»، وما حققه من تقدم على أرض الواقع، بدا وكأنه «مخلوق صناعي» صممته بعض القوى لأداء مهمة في إطار جغرافي وزماني محددين، فإذا بطاقاته تتجاوز المهمة لتنفجر في وجه من «صنعه». فهل تكون الضربات الجوية الموجهة إلى قوات التنظيم هدفها إعادة هذا «المخلوق» إلى حجمه المطلوب دون القضاء عليه بعد أن أصبح عبئا أخلاقيا على من أوجده؟ أم أن الضربات إشارة إلى إعادة النظر، بشكل استراتيجي، في التعامل مع التنظيم وما يشبهه من مجموعات قتالية وجدت بيئة حاضنة في سوريا والعراق نتيجة سلسلة من الحسابات والمصالح الإقليمية والدولية المتقاطعة؟ وهل يمكن أن تكون الإدارة الأمريكية قد أدركت خطورة سياسة مراقبة الأحداث في المنطقة من بعيد والاكتفاء بالعمل من خلال «وكلاء» معتمدين أو محتملين؟. لا شك في أن تجربة التدخل العسكري في العراق وأفغانستان وما خلفته من حقائق ترك آثاره على سياسة الإدارة الأمريكية الخارجية لم يعد الخيار العسكري من أولوياتها، لكن مسؤولية قيادة النظام العالمي لا تسمح بدور المتفرج على الأحداث وترك تحريكها لشركاء قد تتعارض مصالحهم مع موجبات الاستقرار. إن التهاون في معالجة القضية السورية وإطالة أمدها أعطى الفرصة لنشوء حالة «رخوة» شكلت بيئة صالحة للإرهاب والأفكار المتطرفة وأصبحت «ميدانا» للمصالح يظهر فيه لاعبون جدد يوظفون لأهداف تهدد مصالح الجميع. فهل وصلت قناعة الدول الكبرى إلى أن المنطقة لا تحتمل المزيد من الاحتقان وهذا يستدعي تعاون الجميع لمواجهة حركات التطرف والإرهاب أم أن لعبة «الفوضى الخلاقة» لم تستوف أغراضها بعد؟.
مشاركة :