هل أبقت مفاوضات أستانة شيئا لمفاوضات جنيف بقلم: ماجد كيالي

  • 9/18/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

القوى التي أخذت الثورة السورية نحو العسكرة هي ذاتها التي توقع على انتهاء العسكرة، وإخفاق هذه المراهنة التي دفع ثمنها السوريون باهظا، ولا سيما بحكم الشكل الفوضوي والمزاجي الذي تمت به.العرب ماجد كيالي [نُشر في 2017/09/18، العدد: 10755، ص(9)] كشفت مسار أستانة للمفاوضات السورية- السورية، العديد من الحقائق التي تتحكم بالصراع السوري، أولها أن الأطراف الخارجية المنخرطة في الصراع (الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا) هي التي تتحكم بمسارات هذا الصراع ومستوياته السياسية أو العسكرية على حساب الأطراف السوريين المعنيين (النظام والمعارضة). ثانياً، بيّنت هذه المفاوضات هشاشة كيانات المعارضة السياسية سواء إزاء القوى الخارجية، التي يفترض أنها تدعمها، كما إزاء الكيانات العسكرية رغم تشرذم هذه الكيانات، وارتهانها لأطراف خارجية. إذ شهدنا أن كياني المعارضة الرسميين، الائتلاف والهيئة العليا للمفوضات، رضخا لمسار أستانة بعد اعتراضهما عليه، ورغم تحكم روسيا وإيران به وهما حليفتان للنظام. ثالثاً، همّشت تلك المفاوضات مسار جنيف التفاوضي، الذي لم يحقق شيئاً يذكر، رغم إطلاقه منذ 2012، ما يؤكد من ناحية أخرى أن فاعلية هذا المسار (مفاوضات أستانة) تكمن في الدول المنخرطة فيه (روسيا وإيران وتركيا مع الولايات المتحدة والأردن). رابعاً، بيّنت التجربة أن المعارضة أخفقت في خياراتها ومراهناتها سواء في إدارتها للصراع السياسي أو في إدارتها للصراع العسكري، بحكم ضعفها وتشرذمها وبحكم اعتمادها على الخارج وارتهانها له، بدل اعتمادها على شعبها وارتهانها لحقوقه ومصالحه. خامساً أكدت نتائج مسار أستانة، في جولاتها الست، تحول تركيا نحو التوافق مع إيران وروسيا، الأمر الذي يغير الكثير من المفاهيم التي ارتكزت عليها المعارضة طوال السنوات الماضية، وهو الأمر الذي يفترض بالمعارضة إدراكه بدل التغطية عليه. مسار أستانة يمكن البناء عليه في حال تمّ وقف القتال والصراع بصورة نهائية، ولا سيما من قبل النظام وحلفائه (روسيا وإيران)، وفي حال تمّ العمل على إخراج كل الميليشيات الأجنبية من البلد، ولا سيما حزب الله وكتائب عصائب أهل الحق وأبوالفضل العباس وزينبيين وفاطميين، ومعهم كل المقاتلين الأجانب، كما في حال الإفراج عن المعتقلين، ورفع الحصار المفروض على العديد من المناطق والسماح بعودة المهجرين أو اللاجئين إلى مدنهم وقراهم. مع ذلك ينبغي هنا سوق عدة ملاحظات. الأولى وهي أن القوى التي أخذت الثورة السورية نحو العسكرة هي ذاتها التي توقع على انتهاء العسكرة، وإخفاق هذه المراهنة التي دفع ثمنها السوريون باهظاً، ولا سيما بحكم الشكل الفوضوي الذي تمت به. والثانية أن الواقع السوري لا يفتح على استنتاجات مبسطة ومتسرعة لكلام من نوع أن النظام خسر أو ربح وهذا يتعلق بالمعارضة أيضا، إذ فقد النظام الكثير من إمكانياته ونفوذه، وخاصة سيادته على أراضيه، لا سيما مع تحكم روسيا وإيران بمصيره وبالسيطرة على أحوال السوريين. هذا ينطبق على المعارضة التي لم تنجح في تعزيز مكانتها بحكم خطاباتها المضطربة وطريقتها في العمل وتشرذم قواها وارتهانها للخارج. وثالثها أن الصراع في سوريا لم ينته بعد، إذ أن ذلك مرهون بصوغ توافق دولي وإقليمي على شكل سوريا المستقبل، وإمكان التزام إيران وتركيا بالاتفاق، وأخيرا بكيفية معالجة المناطق الساخنة الأخرى، أي الحدود الشرقية لسوريا مع العراق، لجهة رضوخ إيران لاعتبار ذلك خطا أحمر محظور عليها الاقتراب منه، وأيضا حل مشكلة إدلب بإخراج جبهة النصرة منها. واقع الحال اليوم أن النظام بمساعدة روسيا استطاع استعادة أجزاء كبيرة من الأراضي السورية التي خرجت عن سيطرته، فبعد أن كان يسيطر فقط على 19 بالمئة من تلك الأراضي أواخر العام الماضي، أي قبل سقوط حلب، بات اليوم يسيطر على 48 بالمئة من أراضي سوريا، علما أن هذا التوسع جاء على حساب داعش الذي كان يسيطر على حوالي 40 بالمئة من تلك الأراضي، ثم تراجع إلى 12 بالمئة، في حين ظلت المواقع التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية تبلغ حوالي 22 بالمئة، بمعنى أن المعارضة بكل تكويناتها تسيطر على 18 بالمئة من مساحة سوريا. هذه هي تضاريس الصراع السوري مع انحسار مكانتي النظام والمعارضة، إذ أضحى كل شيء مرهوناً بالتوافق الأميركي الروسي، وبمدى تجاوب إيران وتركيا مع أي توافق يحصل في أستانة أو جنيف أو أي مكان آخر. كاتب سياسي فلسطينيماجد كيالي

مشاركة :