شيخ الأزهر أحمد الطيب يدفع فاتورة سياسية لتمسكه بكتب التراث واحتكار تجديد الخطاب الديني.العرب أحمد حافظ [نُشر في 2017/09/19، العدد: 10756، ص(2)]فتاوى على قارعة الطريق القاهرة - أثارت الفتوى الأخيرة، لأحد علماء الأزهر بجواز معاشرة الزوجة المتوفاة، عاصفة من الهجوم على الأزهر بعد أن اتهمه البعض بالتقاعس عن أداء دوره في محاربة الآراء والفتاوى الشاذة ووقوفه أمام محاولات تجديد الخطاب الديني خوفا على فقدان قدسيته الدينية في مصر. ويصر الأزهر على الاكتفاء بالتبرؤ من الفتاوى الشاذة التي يطلقها علماؤه، دون أن يكون له موقف ثابت وحاسم بإبعاد هؤلاء عن صدارة المشهد في أمور حياتية تثير الجدل والريبة بين الناس، ما يمنح معارضيه فرصة الهجوم عليه ويقلل من حماس مؤيديه في الدفاع عنه. وتعرض الأزهر لهجوم جديد، على خلفية فتوى أصدرها صبري عبدالرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، قال فيها إن معاشرة الزوج لزوجته المتوفاة “حلال”. وما ضاعف من الهجوم أن موقف الأزهر تجاه مثل هذه الفتاوى وأصحابها، لم يتغير، حيث قال مجمع البحوث الإسلامية إن “ذلك رأي شخصي يخص صاحب الفتوى، ولا يمت لرأي الأزهر بصلة”. ولا يغير الأزهر من طريقة تعقيبه الضعيفة على كل فتوى تصدر وتثير أزمة مجتمعية، دون التصدي لها بقوة وصرامة يفهم منها أنه بصدد تنقية المؤسسة من أصحاب هذه الأفكار الشاذة. ورغم أن صاحب الفتوى تراجع عما قاله عقب تصاعد الهجوم، قائلا إنه “لم يقصد ما فهمه الناس، وتم تحريف فتواه”، يظل تعامل الأزهر مع الواقعة هزيلا بعدما أعلنت جامعة الأزهر أنه سيتم استدعاؤه للتشاور معه بشأن فتواه، وليس لإحالته إلى التحقيق، في موقف يوحي بأنه يريد تحصين رجاله من النقد حتى وإن تجاوز المسموح به في الأمور الدينية.نشأت زارع: كلما تأخر الأزهر في تنقية كتب التراث، استمرت الفتاوى الشاذة ويرى البعض من المراقبين أن إصرار الأزهر على انتهاج نفس الأسلوب في التعامل مع أخطاء بعض شيوخه، يعزز استمرار الصدام مع دوائر داخل النظام، لا سيما وأن البطء في محاسبة المخطئين من شيوخ الأزهر، يوحي بأن الأخير يريد أن يكون له قانونه الخاص، وقدسيته التي لا يجب أن يقترب منها أحد، حتى باللوم أو النقد. ويهاجم علماء الأزهر دائما الإعلام المحلي، باتهامه بأنه السبب في انتشار الفتاوى الشاذة، مثلما قالوا بعد فتوى معاشرة المتوفاة، دون أن يوجهوا الاتهام أولًا لمن صدرت عنه هذه الفتوى. ويخشى الأزهر أن يسحب الاعتراف بأخطاء علمائه ومحاسبتهم، من رصيده بشكل كبير، ويعجّل بوضع مهمة التجديد في جعبة جهات أخرى لا يريد لها الأزهر أن تكون في صدارة المشهد الديني. وكان وزير الأوقاف مختار جمعة هاجم فتوى معاشرة الزوجة المتوفاة، ووصفها بأنها تشوه صورة الإسلام، وأن “الحيوانات نفسها لا تقبل القيام بهذا الفعل”، في حين وصف مشايخ بدار الإفتاء الفتوى بأنها “إحدى كوارث من يطلقون على أنفسهم علماء”. وتأتي فتوى معاشرة المتوفاة ضمن سلسلة شاذة أطلقها بعض علماء الأزهر مؤخرًا، بينها إباحة الداعية الأزهري خالد الجندي أكل لحوم الكلاب، وتكفير سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف السابق للمسيحيين، وفتوى مصطفى راشد بأن الأغاني أحد أنواع الدعارة، وفتوى تحريم “الشات” بين الشبان والفتيات لأسامة القوصي. وسبق أن عرضت اللجنة الدينية في مجلس النواب على الأزهر مشروع قانون تقدم به أحد نواب اللجنة لتنظيم الفتاوى، ويسمح بحبس أصحاب الفتاوى الشاذة، لكن الأزهر لم يبد مرونة أو تأييدا مطلقا للفكرة، لأن ذلك يتسبب في أن يكون بعض علمائه أحد ضحاياه. وقال نشأت زارع، أحد شيوخ الأزهر، لـ“العرب”، إنه كلما تأخر الأزهر في تنقية كتب التراث، استمرت الفتاوى الشاذة لبعض المنتسبين إليه، لأنهم يستمدون آراءهم من هذه الكتب، وتكمن المشكلة أيضا في وجود دوائر داخل المؤسسة ترفض الاقتراب بأي شكل من هذا التراث، وتعتبر أنه من “صحيح الدين”. وأضاف أن “كل رأي ديني شاذ يكون منبعه كتب مليئة بفتاوى مضللة أو مواقف وأسانيد عفا عليها الزمن، وبسببها يدفع الأزهر وشيخه أحمد الطيب فواتير سياسية باهظة”. ويرى متابعون لموقف الأزهر، أنه طالما استمرت بعض الوجوه القيادية داخل المؤسسة، دون تغيير، أو الاعتماد على أخرى لديها مرونة في مسألة تنقية كتب التراث، فإن ذلك يعكس إصرار الأزهر على موقفه وتكرار نفس الأخطاء والسياسات التي كانت سببًا في حدوث صدام مع دوائر داخل النظام، بينها نواب في البرلمان، وأحيانًا مع الرئيس السيسي نفسه. وأوضح الباحث والمتخصص في الشؤون الدينية والمذهبية أحمد عامر، أن “مشكلة الأزهر الحقيقية أنه يمتعض من الهجوم عليه لآراء شاذة يصدرها بعض علمائه، أكثر مما ينزعج من آرائهم نفسها، وهو السبب الرئيسي في استمرار المفاهيم الدينية الخاطئة والشتات عند الناس، وفقدان الأمل من جانب النظام في أن يبادر الأزهر بوضع حد لمسألة التشدد بداخله”.
مشاركة :