كنت أقول لبعض الزملاء، الذين توقفوا مليا عند التصريح الأخير لمعالي رئيس شؤون الحرمين الشريفين وإمام وخطيب الحرم المكي الأشهرالشيخ عبدالرحمن السديس في نيويورك؛ بأن ما قاله عين العقل والسياسة والرؤية البعيدة. وعندما قوّسوا حواجبهم دهشة، أجبت: “نحاول من 17 عاما الانفكاك من تبعات ما فعله متطرفو القاعدة، وحمّلنا الإعلام الغربي والساسة هناك –إفكا- تبعات ذلك العمل الإجرامي اللاإنساني، ثم يأتي ويكمل تلك المأساة -بحق ديننا – تنظيم داعش، ويتفنن في تشويه إسلامنا الحضاري المنفتح بأفعاله الشائنة والمجرمة، والمسؤول عنهم أمام العالم ظلما نحن للأسف”.حديثي هنا للبعض من أحبتنا الذين اختلط عليهم الأمر، لا أولئك المأجورين الذين شنوا أقلامهم ضد أحد أشهر قراء العالم، ومن تخشع له الملايين في تلاوته الساحرة ودعائه الخاشع. المأفونون أولئك يهاجمون الرجل بالبهتان، وكل الذي فعله وقاله يؤيده ذوي البصيرة والحكمة ممن عرك دروب السياسة وعرفها، من أولئك المطلعين على دقائق الأمور، فشيخنا الوضيء كان يدفع عن الإسلام تهمة الإرهاب والتطرف والإجرام في عقر دار الغرب، بأسلوب متحضر مسوّغ في دنيا السياسة. الشيخ السديس قال في تصريحه لقناة “الإخبارية” بأن: “السعودية والولايات المتحدة هما قطبا العالم، ويقودان الإنسانية إلى مرافئ الأمن والسلام والاستقرار والرخاء”، وليلتقطه المحتقنون ضد بلادنا، ومن باعوا أقلامهم لتلك الدويلة الخليجية المقاطعة، وقاموا بشن هجوم على معاليه. هؤلاء لا تنفع معهم أية مناقشة عقلانية، إذ لا فائدة من حوار مرتزق مأجور لا يرى سوى رزم الأوراق الخضراء أمامه، ولكن حديثي لأحبتي ممن اختلط عليهم، وفات عنهم المغزى البعيد من ذلك التصريح الموفق من معاليه.بتنا أمام العالم من يتحمل كل الإسلام المتطرف من بعد 11 سبتمبر، ونمذجنا الإعلام الغربي، المدفوع من قبل أعداء الوطن؛ أننا نرعى الإرهاب، وأن “السلفية” أو”الوهابية” سبب كل هذه المصائب، واقتنع ساسة الغرب ومفكروه –يقينا- بهذه الفرية، وطرحت كونداليزا رايس وزير الخارجية الأسبق، مشروع “الشرق الأوسط الكبير”، وبدأوا بالعراق ليغيروا وجه المنطقة، وكان الدور على دول الخليج بعدها، ولكن المشروع فشل هناك، ليأتي أوباما وليدير ظهره لنا، ويتجه إلى العدو الأزلي لنا إيران، ويحاول –جادا- تنصيبها شرطيا للمنطقة على حسابنا، وقام بدعم بعض الجماعات الإسلامية المصنفة إرهابية، كجماعة “الاخوان المسلمين”، الذين حاولوا –بدعم الدويلة المقاطعة- تغيير خريطة الشرق الأوسط، وتفجير الأوطان العربية الآمنة من داخلها، باسم الربيع العربي أو تلك الشعارات التي راجت في أجوائنا كالديموقراطية والتغيير..عندما جاء الرئيس الأمريكي ترامب، بكل شعاراته التي طرحها في الانتخابات الأمريكية، من جعل أمريكا أولا، وأيضا كل حمولاته وفكره الخاطئ عن الإسلام، استطاع ولي عهدنا الشاب محمد بن سلمان والفريق الذي معه بإقناعه أن السعودية هي الحليف السياسي الرئيسي للولايات المتحدة لا إيران الثورية الصفوية المتطرفة، وبذكاء وحنكة بيّن له أننا نحمل إسلاما معتدلا منفتحا على حضارات العالم، وأن ديننا الذي نعتنق هو دين الإنسانية الذي يحمل الحب والسلام، وأننا نحن أول من اكتوينا بنار العنف والإرهاب من الإسلام المتطرف، واقتنع الرجل وأعاد البوصلة من جديد لنا، ومحا كل سوءات سلفه أوباما وأدار ظهره لإيران.الشيخ الوضيء عبدالرحمن السديس عندما ذهب لنيويورك لحضور مؤتمر رابطة العالم الإسلامي الذي أقيم تحت عنوان: “التواصل الحضاري بين أمريكا والعالم الإسلامي”، مع جمع من علماء ومشايخ ودعاة يمثلون العالم الإسلامي؛ إنما ذهب ليقول لهم عن إسلامنا الذي نحمل، هناك رسالة فاقعة دوت؛ عندما يشير إمام الحرم المكي الأول إلى أن بلادنا وأمريكا تقودان الإنسانية إلى مرافئ الأمن والسلام والاستقرار والرخاء. السديس كان نموذجنا للعالم الشرعي المسلم في السعودية، لا أولئك المتطرفين الذين يهاجمون الغرب، ويقطعون كل سبل التواصل الحضاري معهم، من الذين رسخهم الإعلام في الذهنية الغربية، وأتصور أن الرسالة وصلت كاملة.من أعجب ما سمعت، أنني في رمضان الفارط بمكة، كنت مع ثلة مفكرين ورؤساء مراكز إسلامية بالغرب، وسألتهم: “إنني أستغرب من السبب الذي يجعل الإعلام الغربي، عند وقوع أي تفجير إرهابي، يسارع ويحشر اسم السعودية والوهابية، مع أننا أول من يدين، وأول من يحارب هذا الفكر، وأزعم أنه لا توجد دولة على وجه البسيطة، تنفق وتحارب بما نفعل مع هؤلاء الارهابيين؟”. عدّدوا في اجاباتهم، و لكنهم أجمعوا على: “أن من ضمن الأسباب إيران، حيث اشترت أصواتا إعلامية عديدة هناك، وتدفع لصحف ومنابر إعلامية رفيعة الملايين من الدولارات لتشويه صورة السعودية، وقال بعضهم أن قطر تفعل ذلك بطريقة مدسوسة للأسف الشديد”.تحية لهذا الحراك الذكي والخطوة العبقرية من رابطة العالم الإسلامي، بإقامة مثل هاته المؤتمرات في عقر دار الغرب، وأزعم –جازما- أن هذا المؤتمر يغني عن مائة مؤتمر في مكة أو القاهرة أو الرباط، وأنه يوصل الرسالة كاملة إلى مجتمع الولايات المتحدة وساسته ومفكريه وشعبه، وجلب أمثال معالي الشيخ عبدالرحمن السديس وغيره من مشاهير أشياخنا وعلمائنا وتصدرهم المؤتمر؛ فكرة رائعة وفعل حكيم، متمنيا على معالي الشيخ المسدّد محمد العيسى تكرار أمثال هذه المؤتمرات في بقية عواصم الدول الغربية، وامتداد نشاط الرابطة إلى مسلمي أوروبا والغرب، لتعميم إسلامنا المعتدل الحضاري، كي لا يختطفهم فكر الجماعات المتطرفة.إقامة المؤتمر في نيويورك ومشاركة الشيخ السديس وتصدّره؛ خطوة حقيقية لتصحيح صورة بلادنا وإسلامنا أمام العالم.الرأيعبدالعزيز قاسمكتاب أنحاء
مشاركة :