قالت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية إن ضباط أمن سعوديين يخفون وجوههم بأقنعة، شنوا غارات في منتصف الليل، واعتقلوا عشرات الأشخاص، وصادروا الكتب وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، مشيرة إلى أن هذه المداهمات جرت الأسبوع الماضي، كما لو كانت قوات الأمن تتعقب مسلحين، إلا أن المستهدفين في الحقيقة هم رجال دين وأكاديميون، ورجال أعمال اعتقلوا في عملية وصفها ناشطون أنها أكبر حملة قمع على المعارضة في المملكة منذ الانتفاضات العربية عام 2011.ونقلت الصحيفة -في تقرير لها عن جمال خاشقجي الصحافي السعودي البارز، الذي يعيش الآن خارج المملكة- قوله: «في الماضي، كان يتم استدعاء الشخص، وإبلاغه بأمر اعتقال.. لم يكن هناك رجال أمن ملثمون، فهؤلاء يتم تخصيصهم للإرهابيين». وأشارت إلى اعتقال أكثر من عشرين شخصاً خلال الأسبوع الماضي، وفقاً لأقارب المحتجزين والناشطين، منهم الشيخ سلمان العودة رجل الدين الشهير، الذي لديه أكثر من 14 مليون متابع على «تويتر»، ومصطفى الحسن الأستاذ المعروف في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وعصام الزامل، وهو رائد برمجيات، من عائلة تجارية محترمة في المنطقة الشرقية. ولفتت الصحيفة إلى أن حملة القمع تم ربطها بالخلاف الجاري بين الرياض والدوحة، إذ اعتبر هؤلاء المعتقلين أنهم غير مؤيدين بما فيه الكفاية للحظر الإقليمي الذي تقوده السعودية على قطر. لكن محللين قالوا إن الحملة تعكس شعوراً بالقلق، لدى السلطات السعودية، في أعقاب التغيير الذي طرأ على ترتيب الخلافة في المملكة. وأشارت الصحيفة إلى أن القرار أثار في يونيو موجة من الشائعات، أدت الى انزعاج داخل السلطات، واضطرت الحكومة إلى نفي بعض التقارير التي تناولت الأوضاع الداخلية. ولفتت إلى أنه في يوليو، أنشأ الأمير محمد (32 عاماً) إدارة أمنية جديدة، وهي رئاسة أمن الدولة، في ما وصفه المحللون أنها خطوة لتركيز سلطاته. وركزت الحملة القمعية على كل من يجرؤ على معارضة سياسة الحكومة.. ويأتي ذلك في وقت يواجه الأمير محمد تحديات محلية وأجنبية. ونقلت الصحيفة عن أندرو بوين -وهو باحث زائر في معهد أميركان إنتربرايز- قوله: «من ناحية، يوسع النظام السعودي الحريات الاجتماعية والاقتصادية التي تحظى بشعبية بين الشباب السعودي، ومن ناحية أخرى، فهو يضيق المجال أمام المجتمع المدني، وأعضاء الأسرة المالكة، لانتقاد إصلاحاته». وذكرت الصحيفة أن النشطاء يخشون من أن أي نكسات أخرى لخطط السلطات، قد تؤدي إلى مزيد من القمع. ونقلت عن كاتب سعودي قوله: «لقد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من الشمولية، عندما يتعلق الأمر بإدارة وسائل الإعلام والعلاقات مع الناس. السعودية كان لديها دائماً هامشاً للنقد المحدود والمقبول، ومساحة للمناورة.. لكن، ماذا عن الآن؟ هذا أمر مخيف حقاًً، وغير عادي». وأضافت الصحيفة أن الحكومة السعودية لم تعلق على عمليات اعتقال محددة، أو أصدرت قائمة بأسماء الأشخاص المقبوض عليهم.. إلا أن وكالة الأنباء السعودية نشرت الأسبوع الماضي بياناً من رئاسة أمن الدولة، قالت فيه إن السلطات اعتقلت مجموعة من السعوديين والأجانب، للاشتباه في تورطهم في «نشاطات استخباراتية لصالح جهات أجنبية». وأشارت الصحيفة إلى أن السلطات لديهما علاقة معقدة مع الإسلاميين على مدار عقود، مشيرة إلى أن سلمان العودة -أبرز الإسلاميين الذين اعتقلوا في الحملة- كان زعيماً لحركة الصحوة، التي دعت إلى إجراء إصلاحات سياسية داخلية في المملكة في التسعينيات.. وأحيى النداءات، عندما أيد الانتفاضات العربية التي اجتاحت الشرق الأوسط في عام 2011. ونقلت الصحيفة في نهاية تقريرها عن آدم كوجل -الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمنظمة «هيومن رايتس ووتش»- قوله: «يبدو أن رؤية محمد بن سلمان لعام 2030 هي حقاً سجن عملاق، لا يمكن لأحد بداخله أن يتكلم بحرية، أو أن يتبنى آراء مستقلة».;
مشاركة :