هيئة وطنية لمكافحة الإرهاب

  • 8/12/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك أننا لسنا بمعزل عن أحداث الشغب والفوضى التي تدور في محيط خليجنا، والتي استمرت لسنوات طويلة، واستمرارها لفترة أطول سيلحق الدمار بمقدراتنا، وسيحتم علينا العودة إلى عصور الظلام، هذه الأحداث هي نتاج تراكمات كثيرة لا يسعنا هنا تفصيلها، وللأسف، فإن أخطر ما في هذه الفتن هو الافتتان بها من قبل البعض كونها تسترت خلف عباءة الدين، ولقد كانت المملكة من الدول السباقة في محاربة الإرهاب، ليس فقط بسبب دورها الريادي الإقليمي والدولي، وإنما لأنها كانت من أكثر الدول التي اكتوت بنيران هذه الفتن، وكثيرا ما حذرت منها، وهو الأمر الذي حدا بالملك عبدالله، قبل سنوات، إلى الدعوة لتأسيس مركز دولي لمكافحة الإرهاب، ذلك أن الإرهاب لا وطن له ولا دين، فكافة الأديان السماوية تحرم وتجرم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. لقد ارتأيت، في مقال سابق لي بعنوان «مبادرة الملك: خارطة طريق»، أنه وفي ظل الصمت الدولي تجاه دعوة الملك لتأسيس مركز دولي لمكافحة الإرهاب، فإنه من الأحرى بنا أن نتحرك وأن ننتزع الريادة منهم، لقد أصبح من المحتم ــ بل ومن أهم أولوياتنا ــ أن نبدأ استراتيجية بعيدة المدى للتخلص من الإرهاب واجتثاث جذوره من خلال تأسيس هيئة وطنية لمكافحة الإرهاب على غرار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، فالإرهاب ليس أقل خطرا من الفساد بل هو أشد وطأة منه وأوخم عاقبة، ومن المؤكد أن تأسيس مثل هذه الهيئة سيكون خطوة أولى لتحديد حجم وخطورة المنظمات الإرهابية؛ تمهيدا لوضع الحلول الناجعة لمحوها وسد منابعها للأبد. يمكنني تصور خطة لعمل الهيئة تبدأ بتأسيس هيئة استشارية لها تمثل مجلس لإدارتها، بحيث تضم عددا من الشخصيات البارزة والفاعلة في مجال مكافحة الإرهاب، وفي اعتقادي أنه يمكن إعطاء الهيئة بعدا دوليا من خلال اختيار شخصيات سعودية وأخرى من الدول التي تعرضت للإرهاب، ويدير هذه الهيئة أمين عام مسؤول أمام الهيئة الاستشارية عن وضع الخطط والبرامج قصيرة وطويلة الأجل من أجل مكافحة الإرهاب، ويجب أن تعمل الهيئة على ثلاثة محاور هامة: المحور الأول محور أمني استخباراتي، يتولى إدارته فريق أمني متخصص في مجال مكافحة الإرهاب يعمل على التنسيق مع الجهات الأمنية داخل وخارج المملكة، بحيث يكون مرجعا وحلقة وصل بين المملكة والدول الأخرى، أما المحور الثاني فهو المحور الإعلامي، ويهدف هذا المحور إلى تبني سياسة الأمن الوقائي في مجال مكافحة الإرهاب من خلال تأسيس قناة فضائية بلغات متعددة تبث برامج تثقيفية تدور حول خطورة الفكر الإرهابي والاستعانة بحالات عملية واقعية من أحداث فعلية آنية أو سابقة لبعض الأشخاص المغرر بهم ولأسرهم، مع توضيح لطرق عملهم وكيفية التصدي لهم. أما المحور الثالث، فهو محور استراتيجي يهدف إلى القيام بدراسات مستفيضة عن مسببات الإرهاب، فمسببات الإرهاب والانزلاق إليه عديدة، منها اجتماعية، ومنها بيئية، وأخرى دينية متطرفة، ويعمل فريق هذا المحور على مراجعة مناهجنا التعليمية والقيام بدراسات تفصيلية عن البيئة السعودية؛ لوضع مقترحات من داخل البيئة، لتكون أشد ملاءمة لها من الحلول المقولبة. إن الكرة الآن في مرمى المملكة، فالهيئة مشروع قومي يستحق المعاناة ويتطلب بذل الجهود الحثيثة، فهدفه ليس سهلا ولا متيسر التطبيق، حيث إنه يهدف لدحر الإرهاب ومحوه من فوق ثرى أرضنا الطيبة، ويكفينا أن نتذكر الخطر المحدق بنا جراء شرور تلك الجماعات الإرهابية التي استفحلت بطريقة غير مفهومة وتوغلت أفكارها الشريرة بعمق بين الكثير من أبنائنا الصغار، وهذه الهيئة على أقل تقدير ستؤمن لنا توفير المعلومات اللازمة عن تلك المنظمات الإجرامية، والمعلومة ــ كما نعرف جميعا ــ باتت اللبنة الجوهرية في الصرح المعرفي الذي يمثل المدخل الأساسي للقضاء على أي ظاهرة من جذورها، ولقد بات من الأمور المسلم بها أن الحلول الأمنية وحدها لم تعد مجدية أو كافية للتخلص من الظواهر الإرهابية، بل قد يكون العكس هو الصحيح، ولذلك فتدشين هيئة وطنية تدرس وتحلل وتعري عطن وفساد الدعاوى الإرهابية وهشاشة منطقها وتهافت أفكارها أصبح هو الحل الأمثل، بل والوحيد لاقتلاع الإرهاب من جذوره وتفكيك منظومته الفكرية والمعرفية والدعوية واجتثاثها للأبد بلا عودة.

مشاركة :