البرامج الدينية تضرب عرض الحائط بجهود ضبط الإعلام المصريتسير جهود إصلاح الإعلام المصري وضبط انحرافاته في اتجاه، بينما تسير البرامج الدينية في الاتجاه المعاكس، وتتبنى خطابا دينيا غير منضبط، وتتعمد النفخ في النار لجذب المشاهدين، من خلال منح منبرها لشيوخ دين يبحثون عن الإثارة.العرب أميرة فكري [نُشر في 2017/09/20، العدد: 10757، ص(18)]ضبط الفتاوى بيد الأزهر وليس الإعلام القاهرة – عاد الجدل مجددا إلى الوسط الإعلامي المصري عن الفتاوى الشاذة والغريبة التي تتلقفها وسائل الإعلام وتفسح لها المجال للانتشار ومنح صاحبها الشهرة، في حين ما زال القائمون على المشهد الإعلامي يبحثون عن صيغ وحدود لضبط الانفلات الأخلاقي والمهني. وقرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وقف عمل البرامج التي تتعرض للفتاوى الشاذة، ومنع صبري عبدالرؤوف، أستاذ الفقه المقارن بالأزهر، من الظهور على شاشات الفضائيات وعدم استضافته بالمحطات الإذاعية، على خلفية الفتوى التي أصدرها في برنامج ديني على فضائية “إل تي سي” وأباح خلالها شرعية معاشرة الزوج لزوجته المتوفاة. وأعادت هذه القضية الجهود والمساعي التي بذلت مؤخرا لضبط المشهد الإعلامي، إلى نقطة الصفر، وكشفت عن تفشي الأمراض المهنية في الإعلام، والذي سمح في الكثير من الأحيان بظهور مقدمي برامج غير مؤهلين منحوا منبرا لأشخاص يبحثون عن الإثارة، لاستعراض شذوذهم الفكري على الملأ. وتوعد مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام (جهة حكومية)، بمنع جميع البرامج التي تتعرض لقضايا شائكة وتعرض الفتاوى والآراء الشاذة، ودعا، في بيان الاثنين، مؤسسة الأزهر إلى التحقيق في كل الفتاوى المريبة وإصدار بيان واضح بشأنها. واستبعدت غالبية القنوات الدينية من الساحة التلفزيونية عقب سقوط حكم الإخوان الذين فتحوا المجال واسعا لانتشارها، لكن البرامج الدينية في المحطات التلفزيونية الأخرى لم تتوقف، وتتم خلالها استضافة مشايخ دون وجود معايير أو ضوابط محددة. وهذا لا يعفي مؤسسة الأزهر من مسؤولية متابعة ما يصدر عن المشايخ من فتاوى، وخاصة أولئك الذين يرفقون أسماءهم بلقب “شيخ أزهري”. ويرى أشرف بيومي، أستاذ الإذاعة والتلفزيون بالمعهد العالي للإعلام في القاهرة، أن الإعلام الديني يمر بحالة فوضى غير مسبوقة، والمؤسسات الدينية شريك أصيل فيها، لأنها لم تخطط ولو لمرة واحدة لوضع إستراتيجية تستهدف إصلاح منابر الخطاب الديني، فهي تكتفي بنقد من ينتقد، دون وضع حل لتلافي أساسيات النقد.محمود علم الدين: ضبط إيقاع الخطاب الديني في الإعلام ليس مساسًا بحرية الرأي وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن وقف البرامج التي تبث فتاوى شاذة جزء من الحل، وليس كله، لأنه لو كان هناك رجال دين معتدلون ولديهم خبرة في التعامل مع الإعلام والقضايا الطارئة التي تناقش في البرامج، لما تورطوا في إصدار فتاوى شاذة، ولا يمكن أن يكون الحل في هذه الفوضى أن يتم منع الإعلام من مناقشة قضايا شائكة، لأن ذلك يضاعف القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير، وكان على الأزهر أن يرفض ذلك، ويشجع على إنارة الرأي العام. وكانت مؤسسة الأزهر اختارت عبدالله رشدي، أحد علمائها للرد على اجتهادات الباحث الديني إسلام بحيري، لكن رشدي قام بتكفير كل من هم غير مسلمين، ما دفعها إلى منعه من الظهور الإعلامي وإحالته إلى التحقيق. ودفع الأزهر بالشيخ سالم عبدالجليل ليكون ضيفًا أزهريًا في برامج مختلفة، حتى أحاله إلى التحقيق، بسبب فتواه عن تكفير المسيحيين. ويتهم الأزهر وسائل الإعلام بأنها السبب الرئيسي في انتشار الفتاوى المضللة والشاذة التي تثير الناس وتشوه صورة الإسلام، وهو ما رد عليه المجلس الأعلى للإعلام، بأن رمى الكرة في ملعب الأزهر، ووضع على عاتقه مسؤولية اختيار علماء الدين للظهور في وسائل الإعلام، وطالبه في بيان الاثنين بأن يختار العلماء المستنيرين الذين يتحدثون عن الشؤون الدينية، وبات على الأزهر أن يقدم إلى الفضائيات قائمة بمن يحق لهم الظهور على الشاشة. ويرى متابعون أن إطلاق منبر إعلامي ديني معتدل في مصر، مسألة صعبة، في ظل استمرار سقطات رجال الدين على الهواء وتورطهم في الرد على تساؤلات دينية تخص الحياة العصرية، في حين أنهم يتعاملون وفق قواعد فقهية وتراثية عفا عليها الزمن، ما يتسبب في الإدلاء بآراء دينية وفقهية تثير البلبلة، كما أن البعض من الفضائيات الخاصة ترى أن مناقشة القضايا الدينية الشائكة وطرح تساؤلات مثيرة من شأنهما أن يحققا نسب مشاهدة أعلى. وتزداد المعادلة تعقيدًا، في ظل الخلاف الجوهري بين الأزهر والإعلام حول نوعية القضايا المسموح بمناقشتها وغير المسموح بالتطرق إليها لتجنب الإدلاء بآراء لا تتفق مع الواقع الاجتماعي حاليًا، وتتسبب في إحداث حالة من البلبلة. وفي الوقت الذي يرفض فيه الأزهر مناقشة قضايا بعينها، تصر بعض الفضائيات على التطرق إليها من باب حق المشاهد في المعرفة. ويشير البعض من خبراء الإعلام إلى أن استمرار الأزهر في تقمص دور الرقيب على القضايا الدينية غير المسموح بمناقشتها في الإعلام، لن يحل فوضى الفتاوى التي أصبحت الفضائيات المصرية تعج بها، ولا بديل عن أن يكون شريكًا فاعلًا في طرحها بشكل معتدل ووسطي بعيدًا عن العلماء الفوضويين. وذهب متابعون إلى أن المشكلة تكمن في أن “الأزهر لم يضع الإعلام بعد، ضمن أجندة تجديد الخطاب الديني، برغم أن مخاطبة الناس من خلاله أقصر طريق للتجديد، من خلال حسم بعض القضايا والآراء التي طالما شكّلت أزمات فقهية ومجتمعية”. ويقول خبراء إن بعض البرامج خطابها الديني غير منضبط، وتتعمد النفخ في النار كنوع من الإثارة الإعلامية لجذب المشاهدين، فضلا عن أن بعض مقدمي البرامج غير مؤهلين لمناقشة دينية معقدة ويتعاملون مع الأمر باعتباره تنوعًا في فقرات البرنامج. وأكد محمود علم الدين، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة وعضو الهيئة الوطنية للصحافة، لـ”العرب” أن ضبط إيقاع الخطاب الديني في الإعلام ليس مساسًا بحرية الرأي والتعبير، إنما هو يهدف إلى أن يكون الإعلامي متحملًا للمسؤولية المهنية والأخلاقية عند مناقشة القضايا الدينية الشائكة. وتابع “لا بد من التنسيق المسبق مع المؤسسات الدينية الرسمية لترشيح علماء وسطيين ومعتدلين، عند مناقشة الأمور الدينية، وتجنب أصحاب الآراء الفقهية المتطرفة، بالتالي أصبح على كل إعلامي أن يبرئ ساحته من المشاركة في الترويج لفتوى متطرفة بالرجوع للأزهر لاختيار العالم الديني في القضية التي يعتزم مناقشتها”.
مشاركة :