ما قيمة التنازل عن السلطة في زمن الثمانين بالمئة بطالة، وغلاء المعيشة وتدهور الوضع الصحي وانتشار الأوبئة والأمراض في أكثر منطقة سكانية اكتظاظا في العالم.العرب أمين بن مسعود [نُشر في 2017/09/20، العدد: 10757، ص(9)] عشر سنوات كاملة استغرقتها حركة حماس لاستخلاص حقيقة أن لا دولة فلسطينية قائمة أو قادمة في غزة فقط أو دون غزة أيضا. من انقلاب 2007 الذي قادته كتائب عزالدين القسام على إدارة منظمة التحرير الفلسطينية ومكاتب حركة فتح ومقراتها السياسية والأمنية في القطاع، وصولا إلى 2017 سنة الاستفاقة على واقع استحالة حكم حماس لمخرجات أوسلو ممثلة في إدارة قطاع غزة دون القبول بمدخلاتها كإطار تنظيمي وهيكلي شامل، عقد كامل من الزمن السياسي الفلسطيني الضائع لا فقط على حماس وفتح، بل على الشعب الفلسطيني برمته. أن تقبل حماس الآن حل تنظيمها الإداري وبعودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة القطاع استعدادا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، يثبت أنّ الحركة فشلت في تنظيم القطاع في جانبه المعيشي اليومي على الأقل، وأن السياقات المحلية والإقليمية التي جاءت بها في انتخابات 2006 والتي مكنتها من البقاء كقوة أمر واقع في القطاع طيلة هذه الفترة تغيرت بشكل كلي وجوهري. لن نقول جديدا إن اعتبرنا أن السلطة والعمل المسلح ضد إسرائيل لا يجتمعان، بمنطق اتفاقات أوسلو على الأقلّ، ولن نضيف شيئا إن أشرنا إلى أن مؤشرات الفشل كانت واضحة منذ أن فرضت الرباعية الدولية، ممثلة في الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، شروطها الثلاثية للاعتراف بحكم حماس قبل أن يحكم المجتمع الدولي حصارا جائرا على الشعب الفلسطيني في القطاع. كان واضحا أن حماس لم تكن مستعدة للحكم وغير جاهزة للشراكة السياسية مع غريمتها التقليدية، حركة فتح، وباقي الفصائل الأخرى، ولم تكن قادرة على استدرار تأييد شعبي فلسطيني وعربي وإسلامي جارف دفاعا عن شرعيتها الانتخابية. ذلك أن الشرعية الانتخابية كانت في المحصلة ضربا للشرعية الإستراتيجية والمبدئية والميثاقية والتاريخية لكافة أدبيات العمل العسكري المسلح ضد إسرائيل في رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني كمنظومة تبدأ من نصوص اتفاقات التطبيع ولا تنتهي إجرائيا عند التنسيق الأمني. على مدى السنوات العشر، قبلت حماس بالانقلاب والانقسام، بل والأدهى من ذلك أنها عمدت إلى مأسسة الانقسام ورسملته عبر إنشاء مؤسسات رديفة للسلطة الفلسطينية وأيدتها في مسعاها هذا دول إقليمية على غرار تركيا وإيران وقطر. فشلت كافة مبادرات المصالحة الفلسطينية، انطلاقا من مشروع المصالحة المعروف باتفاق مكة الموقع في 8 فبراير 2007، مرورا باتفاقات القاهرة والدوحة ودمشق وبيروت، بل حتّى مبادرات الحركة لتجاوز أزمة الإخوة الأعداء ضُرِبَ بها عرض الحائط. ومع وصول الإخوان إلى سدة السلطة في مصر وتونس وليبيا وانكشاف الوجه الحقيقي لتركيا والدوحة عقب ما يسمى الربيع العربي، ظهر أيضا المشروع الحقيقي لحماس في غزة ولغزة أيضا. رقعة جغرافية برسم غنيمة حروب الأيديولوجيات تنتمي إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، أكثر من انتمائها إلى أرض فلسطين. ومع انكسار المشروع الإخواني، أصالة ووكالة، في الوطن العربي، كحجارة الديمينو تقدّم حركة حماس التنازل تلو التنازل. كان مشهد 30 يونيو 2013 في مصر، والمحاولة الانقلابية في تركيا، ومقاطعة الرباعي العربي لقطر، وانكفاء إخوان تونس إلى خندق التونسة، وتمشيط الجيش الليبي لمعاقل الإرهابيين وإخوانهم على الشريط الساحلي شرقا وغربا، ارتدادات عميقة جدا على الحالة الحمساوية. هو مشهد دراماتيكي تعيشه حماس العاجزة عن تأمين الاستمرار لحلفاء اليوم الذين يعانون من احتقان الداخل وغضب الخارج، والقاصرة أيضا عن العودة إلى أصدقاء الأمس وخاصة سوريا التي تكسرت على ظهرها نصال الغدر الإخواني. عوّدنا الإخوان بالتنازلات في الزمن الوطني المتأخر، وعند الوقوف عند خطّ الدفاع الأخير، وعند خسارة الرهان على الفاعلين الإقليميين والدوليين ومن أجل المحافظة على التنظيم وليس لمصلحة الوطن أو الشعب. ما قيمة التنازل عن السلطة في زمن الثمانين بالمئة بطالة، وغلاء المعيشة وتدهور الوضع الصحي وانتشار الأوبئة والأمراض في أكثر منطقة سكانية اكتظاظا في العالم أجمع. وما قيمة التنازل عن السلطة في غزة، والأجهزة الرديفة التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية والاستخباراتية والمحلية والإدارية لا تزال تعمل تحت إمرة حماس ورهن إشارة قياداتها. كاتب ومحلل سياسي تونسيأمين بن مسعود
مشاركة :