وأنت في لبنان لا تستطيع أن تتذكر الحوادث والأحداث الدموية التي مر بها هذا البلد الجميل الذي يستعيد قوته بسرعة البرق، وبقوة الحب للحياة التي تميز بها اللبناني، وأثبت قدرته على التأقلم مع الأزمات، والبيئات التي يهاجر إليها، ويثبت نجاحه في أي مجال يخوضه بثقة وثبات. عندما كنا في طريقنا الى مطعم فاضل في بكفيا،نستمتع بجمال الخضرة،لتلبية دعوة على الغداء من شركة سوليدير والسيدة ميشيلين أبي سمرا،لم أتذكر مامرت به لبنان وكأن الحياة النابضة التي تعيشها لبنان تمحو صور الدمار والدماء من الذاكرة، بالرغم من متابعتنا لكل ما مرت به لبنان، والألم يعتصر قلوبنا؛ الحرب الأهلية بين 1975- 1990م عايشت مقطعا منها عندما كنا في زيارة للبنان واضطررنا أن نغادرها بحراً لأن المطار كان مقفلا وطلقات الرصاص لا تتوقف حولنا ،الاغتيالات والسيارات المفخخة التي اجتاحت لبنان منذ مقتل رفيق الحريري رئيس الوزراء في تلك الفترة، ثم عودة التفجيرات المروعة التي أدمت لبنان حد النزف الاقتصادي، لكنه بدأ يستعيد قوته بانتصاره الأخير في عرسال، والدعم السخي الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين لدعم الجيش اللبناني في حربه ضد الإرهاب. لم أكن أتوقع أني سألتقي وجهاً بوجه مع الدكتورة مي شدياق، مذيعة التلفزيون التي تعرضت لحادث إرهابي جبان في 25 سبتمبر 2005م أبعدها سنوات عن مجالها الاعلامي، ثم عادت مرفوعة الرأس منتصرة على الإرهاب والارهابيين الذين تسببوا لها في جراح عميقة وآلام لم تفصح عنها وهي تتصرف وتتحرك بكبرياء وفي كامل أناقتها دون مساعدة ولم أندفع تحت دفقة التعاطف لأن أقدم لها أي مساعدة حرصاً على مشاعرها. كانت مفاجأة مبهجة بالنسبة لي، لأني كنت أتابعها عندما كانت تطل من قناة ال بي سي اللبنانية وتألمت كثيراً لما أصابها في الحادث الإرهابي الذي تعرضت له، وكنت أتابع أخبارها بعد الحادث لأطمئن عليها. لا أعرف ما هو الشيء الذي شدني لمي شدياق ولماذا أتابع أخبارها بهذا الشغف، ولم يخطر لي يوما أني سألتقي بها. التقيت بها ثلاث مرات خلال الأربعة أيام، وكان جلوسي بجوارها على مائدة العشاء التي أقامتها السيدة بهية الحريري مبهجاً بالتأكيد لأنه أتاح لي فرصة الحديث معها والتعرف على هذه الشخصية الجميلة التي تمثل النموذج اللبناني الذي لا يعرف اليأس. اللبناني يبدأ من جديد مهما كانت إصابته ومهما كان حجم الدمار حوله الا أنه يتفتح كالزهرة البرية. في مطعم فاضل في بكفيا كانت تجلس أمامي تماماً وتحدثنا طويلاً ومعي بعض الصديقات من عضوات الوفد السعودي، ثم استأثرت بحديث جانبي معها، حكت لي عن تأثير السياسة على المشهد الإعلامي في التلفزيون، وعلى تطور القنوات السياسية الإعلامية. قلت لها تابعت الحادث وعندما رأيتك اليوم رأيت مي شدياق الجميلة التي كانت تطل على محبيها من قناة ال بي سي بنفس الجمال ونفس الطلة. ابتسمت بود قائلة: ولدت في الجميزة أحد أهم الشوارع السياسية،عندما بدأت الحرب اللبنانية كانت الجميزة على خطوط التماس،توفي والدي وبعده أخي، وكنا ثلاث فتيات لم تكن هناك رعاية ذكورية، نشأت وفي داخلي إرادة التحدي، ولديَّ رسالة أن يستعيد هذا البلد الذي ترعرعت فيه وسط الحرب أن يستعيد هالة الفرح. - لبنان سويسرا الشرق، مايميز لبنان هذا اللبناني؛ من يومين حدثت عملية ارهابية - تقصد التفجير الذي حدث يوم الجمعة يوم وصولنا لبنان في الضاحية- ولكن أنظري حولك - وهي تشير الى المطعم المكتظ باللبنانيين - هؤلاء اللبنانيون والأجانب يتحدون الإرهاب. - أتطلع دائماً الى طاقة الضوء ولا أتطلع الى النفق المظلم، مثل الطائر. ذكرتني بعبارة زكي نجيب محمود المفكر والفيلسوف المصري حول نظرة الطائر ونظرة الدودة التي لا ترى أبعد من قدميها بينما الطائر ينفسح أمامه مجال الرؤية وهو يحلق فارداً جناحيه في جو السماء. - أجريت 36 عملية جراحية، فقدت أطرافي، زرعت عظاماً، وأصبت بحروق من الدرجة الرابعة، ولكن أراد الله أن يحفظ وجهي وعقلي، وهذا ما أراد المعتدي الوصول اليه وربما لهذا أنشأت من 4 سنوات معهد الإعلام في ذكرى محاولة اغتيالي، وكل أنشطته لدعم الاعلام، وجوائز تمنحها المؤسسة للشجاعة في مجال الإعلام. - بدأت المؤسسة بتنظيم المؤتمرات ومنها مؤتمر خاص بالمرأة في جميع القطاعات الخاصة بالمرأة لخدمة تطور المرأة وأتمنى أن أصل به الى السعودية. د/ مي شدياق مذيعة وصحفية لبنانية، تحمل درجة الدكتوراه في الصحافة من الجامعة اللبنانية، تميزت بحضورها الطاغي وموضوعيتها وسعة اطلاعها. كتبت سيرتها الذاتية بعنوان ( السماء تنتظرني ) باللغة الفرنسية وانتظر النسخة العربية لأتعرف أكثر على هذه المرأة الأنموذج للصمود والانتصار على الارهاب، ربما هناك من الخفايا لم تسمح لها المناسبات التي التقينا بها لأن تفيض بها. nabilamahjoob@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (27) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :