قيس سعيد: الإسلام ليس بحاجة إلى حزب سياسي بقلم: آمنة جبران

  • 9/22/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد الذي عرفه التونسيون عقب ثورة يناير عام 2011. كان سعيّد ذا حضور لافت في البلاتوهات الإعلامية التونسية، حيث علق على كل المستجدات الآنية الساخنة والمتسارعة في تونس بنظرة قانونية صرفة وبحكمة رجال الدولة المحنكين. جذب إليه الانتباه وحظي بمتابعة جماهيرية لكن غيب سعيّد فجأة ونسب مراقبون هذا التغييب إلى أطراف سياسية لم ترض بآرائه. عاد سعيّد مؤخرا إلى الساحة الإعلامية وفي لقائه بـ"العرب" أفصح عن موقفه من تأجيل الانتخابات المحلية والمصادقة على قانون المصالحة المثير للجدل مقيما المشهد السياسي في تونس منذ اندلاع ثورة يناير.العرب آمنة جبران [نُشر في 2017/09/22، العدد: 10759، ص(12)]تغيرت قواعد اللعبة، وتغير الدستور، لكن الأمر في الواقع لم يتغير تونس - في الحرم الجامعي بكبرى جامعات القانون والعلوم السياسية في تونس حيث يدرس قيس سعيّد مادة القانون الدستوري التقت به "العرب"، وفي قاعة المحاضرات استعرض سعيّد موقفه من جملة من الأحداث التي حفل بها المشهد السياسي الآونة الأخيرة أبرزها تأجيل الانتخابات المحلية والمصادقة على قانون المصالحة في شقها الإداري وظاهرة الإسلام السياسي. ويبدي سعيّد رأيه في محاولات توظيف الإسلاميين للمقدس على المستوى السياسي والاجتماعي ويشدد على أن “الإسلام ليس في حاجة إلى حزب سياسي، ولا يحتاج التونسيون إلى حزب إسلامي أو اعتراف من الدستور، حتى يكونوا مسلمين”. أما عن الانتخابات المحلية في تونس التي تأجلت إلى مارس العام المقبل، لعجز البرلمان التونسي عن إيجاد توافق حول تركيبة جديدة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بعد استقالة رئيسها شفيق صرصار مايو الماضي إضافة إلى عضوين آخرين، يقول قيس سعيّد إن “تأجيل الانتخابات لن يغير من الوضع شيئا”. ويذكر أستاذ القانون الدستوري بالباب السابع من الدستور المتعلق بالسلطة المحلية باعتباره من أكثر الأبواب وضوحا وحسنا للصياغة، لكن “لم يناقش كثيرا في المجلس الوطني التأسيسي آنذاك لأن الأنظار كانت كلها متجهة نحو قصر الرئاسة في قرطاج وقصر البرلمان في باردو، السلطة المحلية لا تهمم كثيرا”.التحالف الحاكم أثبت أن القضية ليست قضية استجابة لمطالب التونسيين بقدر ماهي رغبة في البقاء في السلطة السلطة المحلية تحت ضغط المركز يعتقد سعيّد أن “هذه السلطة التي يفترض أن تكون محلية لكنها ستكون كما سنرى ذلك امتدادا مقنعا للمركز”. يفسر سعيّد ذلك بأن “الفكر السياسي مازال سياسيا مركزيا وحينما طرحت المسائل لمعرفة وضع مجلة الجماعات المحلية الجديدة وجدت العديد من العقبات. فكيف يدخل هذا الباب حيز النفاذ في حين أن الفكر المركزي لا يفتح بابا للسلطة المحلية ومشدود إلى قصور الحكم في العاصمة”. وتجسد المجلة مبادئ السلطة اللامركزية، كما يعتبر مشروع القانون المتعلق بها من أهم مشاريع القوانين المعروضة حاليا على أنظار مجلس نواب الشعب. ويرى سعيّد أنه “ليس من قبيل الصدفة أن لا يتم سد شغورات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لأن كل طرف سياسي يسعى أن يكون طرفا في الهيئة، ثم أن مجلة الجماعات المحلية مازلت في طور المشروع”. وتم إعداد مشروع أول لمجلة الجماعات المحلية سنة 2015 ثم مشروع ثان تتولى اللجنة البرلمانية اليوم النظر فيه لكن ببطء شديد، على حد تعبير قيس سعيّد. ويشير “قيل إنه ليس هناك أي مانع على الإطلاق من تنظيم الانتخابات وستأتي المجلة من بعد. لكن هنا الأمر متعارض مع الدستور لجهة أن الجماعات المحلية يجب أن تمارسها الاختصاصات التي خولها لها الدستور، لكن قالوا إن الأمر يتعلق بالانتخابات وستطبق القوانين القديمة في انتظار وضع المجلة الجديدة”.قيس سعيد: المشهد تغير في الظاهر فقط. فالنظام بقي قائما وأضفى مشروعية جديدة على نفسه. صار أقوى من الماضي ويتابع “مع ذلك جاء الإعلان عن تأجيل الانتخابات إلى مارس العام القادم وبالنسبة إلى البعض على الأقل كانت العملية تتجه إلى تنظيم الانتخابات لوضع الخارطة الانتخابية استعدادا للانتخابات القادمة.فيما البعض الآخر يتوجس منها شرا خوفا من انعكاساتها على الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة”. ويضيف "عملية المطالبة بالتأجيل ليست لأسباب قانونية أو لأسباب تتعلق بمجلة الجماعات المحلية ولكن بالأساس لأن البعض يتخوف من أثارها على نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية التي يمكن أن تأتي في وقتها أو في غير موعدها". ويتساءل "هل ستكون هذه الجماعات المحلية بالفعل سلطة لامركزية آم ستكون امتدادا مقنعا للمركز، طريقة الاقتراع التي تم الإبقاء عليها وهي طريقة اقتراع على القائمات مع الأخذ بالتمديد النسبي ستجعل مرة أخرى مع من يتم انتخابه حسب هذه الطريقة يشعر بأنه مدين لانتخابه لا لمن انتخبه لكن لمن رشحه أي للسلطة المركزية للحزب الذي رشحه للانتخابات". ويضيف "مثلا بالنسبة إلى بلدية تونس لها 60 مقعدا في المجلس البلدي، من سيتم وضعه على رأس القائمة سوف يكون قد حظي بتزكية من قبل الهيئة المركزية للحزب أكثر من أنه حظي بانتخاب فعلي من قبل الناخبين هذا من جهة، ثم من جهة أخرى سيتم إقصاء تقريبا المستقلين بهذه الطريقة من سيتمكن من تشكيل القائمة بستين مترشحا بالتناصف". ويلفت أنه "لن تتمكن من تشكيل قائمة بهذا الشكل إلا الأحزاب الكبرى والآلات الانتخابية التي لها المال والقدرة على الانتشار والمسيطرة على وسائل الإعلام”. وحول قانون المصالحة المثير للجدل في تونس والذي وقعت المصادقة عليه في البرلمان التونسي مؤخرا، يرى سعيّد أنه “عفو مقنّع وليست مصالحة”. ويهدف القانون، إلى تحقيق عفو عام على الموظفين العموميين، والمسؤولين السياسيين ورجال الأعمال المتورطين في جرائم مالية، مقابل تعويض الدولة عن أموالها المنهوبة بهدف إنعاش الاقتصاد المتراجع. قانون المصالحة يقول سعيّد “إن كانوا يريدون المصالحة فعلا، فلتكن مع الشعب ولا بين أطراف سياسية ترتب أمورها للإبقاء على امتيازاتها وللإبقاء على مواقعها أو للوصول إلى مواقع جديدة”. ويضيف “كنت اقترحت أن يتم إبرام صلح جزائي مع هؤلاء الذين تورطوا في هذه القضايا وكان عددهم 460 شخصا يتم ترتيبهم ترتيبا تنازليا بعد إبرام صلح جزائي مع كل واحد منهم من الأكثر تورطا إلى الأقل تورطا، ويتم ترتيب المعتمديات في تونس ترتيبا تنازليا من الأكثر فقرا إلى الأقل فقرا والأكثر تورطا يتم انجاز المشاريع في المعتمدية الأكثر فقرا التي تحتاجها. ليس استثمارا لكن عوض أن تذهب إلى خزينة الدولة تذهب إلى البؤساء والمحرومين بالفعل. فالمصالحة يجب أن تتم مع الشعب عن الطريق الصلح الجزائي”.تأجيل الانتخابات المحلية مرده أن البعض يتخوف من أثارها على نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة ويلفت سعيّد إلى أن مشاريع القوانين التي وقع تمريرها تتم من قبل الحزبين الذين يمثلان الأغلبية ويشكلان تحالفا بالبلاد وهما حزبا حركة النهضة ونداء تونس. ويعتقد أنه “لا توجد خيارات مختلفة بين الحزبين الحاكمين. حيث أثبت كل طرف رغبته في البقاء في السلطة بنفس الخيارات، أثبت هذا التحالف أن القضية ليست قضية استجابة لمطالب التونسيين بقدر ماهي رغبة في البقاء في السلطة”. ولتقييم المشهد السياسي منذ العام 2011 على الساحة التونسية يرى سعيّد أنه “لا بد النظر في النتائج التي تم تحقيقها منذ 14 من يناير 2011 إلى حد الساعة “. ويذكر سعيّد في البداية بأن “تاريخ الثورة التونسية ليس تاريخ 14 يناير بل أن الانفجار الثوري وقع يوم 17 ديسمبر سنة 2010”. وتعالت أصوات شابة في تونس في محافظات تعاني من التهميش شتاء السنة المذكورة تطالب بحقها في التنمية والعمل والعدالة الاجتماعية لتعم صداها كامل أرجاء البلاد. ثورة يناير يقول سعيّد “بدأ احتجاجا اجتماعي في الأيام الأولى ثم تحول إلى احتجاج سياسي يوم 24 من ديسمبر حين سقط أول شهيد من مدينة منزل بو زيان من محافظة سيدي بوزيد صار المطلب مطلبا سياسيا وانتشر هذا المطلب في كل أرجاء البلاد “الشعب يريد رحيل رأس النظام”. ويتساءل “رحل رأس النظام في 14 يناير في ظروف لا نعلم منها إلا القليل، لكن هل سقط النظام بالفعل آم أن 14 يناير هو محاولة للإبقاء على نفس النظام”. يرد قائلا “يبدو أن الجواب هو الثاني الإبقاء على نفس النظام”.القطيعة تامة منذ البداية بين النخبة وبين عموم الشباب التونسي ويمضي سعيّد بقوله ”جاءت محاولات للإبقاء عليه دون أي تغيير ولكن الشباب التونسي في تلك الفترة جاء من كل أنحاء البلاد تقريبا خلال اعتصاميين متتاليين بالقصبة مرددين “الشعب يريد إسقاط النظام” الأمر إذن لم يعد يتعلق برأس النظام أو بالحكومة بل أن الأمر صار مطالبة بإحلال نظام جديد”. وبعد الإطاحة بالنظام وبداية تأسيس مرحلة انتقالية لتونس بعد الثورة يلفت سعيّد إلى أنه “جاءت محاولات للاحتواء تتمثل خاصة في محاولة إدخال هذا المد الثوري داخل المنظومة القائمة حتى يصير جزءا منها ويقبل بقواعد اللعبة التي تضعها هذه المنظومة”. ويعلق “للأسف حصلت قطيعة منذ البداية بين ما يسمى بالنخبة وبين عموم الشباب التونسي علما وأن عهد النخبة كما كان في القرنين الماضيين انتهى، تبدو هناك قطيعة تامة معها ومع مشاغل الشعب التونسي والشباب التونسي”. ويضيف “لو كان للنخبة بالفعل دور لقادت هذا الحراك الثوري ولكنه حراك من نوع جديد حيث تم الاحتواء داخل المنظومة”. ويعلق “من يدخل إلى البيت بطبيعة الحال لا يسعى إلى إسقاطه بل يسعى إلى الإبقاء عليه”. ويعتقد سعيّد أنها “كانت مناورة نجح فيها النظام ولكن لم ينجح فيها إلا بقبول عدة أطراف في تلك الفترة بالدخول في المنظومة القائمة”. ويلفت أنه “بإدارة الأزمة التي عرفتها تونس في تلك الفترة حاول النظام الذي لم يتغير أن يغير من المطالب الجماعية ويجعل منها مطالب قطاعية تتعلق بكل قطاع فكل قطاع يريد إسقاط النظام يتم ترويضه بتقديم منح وزيادة في الأجور. ويوضح أن “الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها تونس اليوم نتيجة لذلك الخيار الذي تم في تلك الفترة، بتحويل المطلب الجماعي إلى مجموعة من المطالب الفردية والمطالب القطاعية حتى يتم التركيز عليها لا على استبدال النظام بنظام جديد وصرف النظر عن القضايا الحقيقية”. لذلك يرى سعيّد أن “المشهد تغير في الظاهر وفي الظاهر فقط. فالنظام بقي قائما وأضفى مشروعية جديدة على نفسه صار أقوى من الماضي لأنه استبدل المشروعية بمشروعية جديدة ولكنها مشروعية ظاهرية فحسب”. ويخلص قيس سعيّد في حواره مع “العرب” “بقي الأمر قائما إلى حد يوم الناس هذا. في ظل نظام لم يتغير تغيرت قواعد اللعبة تغير الدستور لكن الأمر في الواقع لم يتغير. مازالت نفس المطالب التي رفعها الشباب في ديسمبر 2010 وفي مطلع سنة 2011 متواصلة ومستمرة. هذا من جهة، من جهة أخرى الوضع الاقتصادي والخيارات الاقتصادية هي ذاتها لم تتغير”.

مشاركة :