اعتنى الملك عبدالعزيز- رحمه الله- بالتواصل مع شعبه عن طريق النصيحة التي يتم تعميمها على مختلف مناطق المملكة وقراءتها على المنابر والأماكن العامة. وقد حرص- رحمه الله- على استخدام هذه الطريقة كأسهل طريقة متاحة في ذلك الوقت للوصول إلى أكبر شريحة من المجتمع، وتتباين تلك النصائح بناءً على الأحداث التي تترافق معها وبناءً على نوعية الجمهور المستهدف، حيث هناك النصائح العامة لمن يراه من المسلمين، وهناك النصائح الخاصة لفئة معينة من طلبة العلم أو التجار أو أمراء المناطق. في وثيقة ترجع إلى أكثر من 98 عامًا وبالتحديد في شهر ربيع الأول لعام 1340هـ، وتحتفظ بها دارة الملك عبدالعزيز ضمن الوثائق المحلية في مركز الوثائق التاريخية، جاءت واحدة من هذه النصائح الهامة. وفي الوثيقة المذكورة كانت النصيحة عامة أورد فيها ما يجب عليهم بعد أن منَّ الله عليهم من نعمة الإسلام والأمن والصحة بعد عام مضى من الشدَّة والكرب، ويذكرهم بفضل الله ويبدي لهم بعض الملاحظات التي رآها من التقصير في حق الله والركون إلى لهو الدنيا، ويذكر لهم ما يتحتم عليهم عند ظهور النعم من الشكر ومخافة الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب القدرة والاستطاعة. تلك الوثيقة تعدُّ مرجعًا للساسة وأهل الحكم في كيفية التعامل مع الرعية والنصح لهم والتواصل معهم، كما أنها مرجعٌ لطلبة العلم الشرعي؛ حيث ورد فيها تأصيل لعدد من الأمور الشرعية. وفيما يلي نص الوثيقة: بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى من يراه من إخواننا المسلمين، وفقنا الله وإياهم لفعل الخيرات، وجنبنا وإياهم طريق المنكرات.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بعده بارك الله فيكم تفهمون ما منَّ الله به علينا وعليكم من نعمة الإسلام التي هي رأس كل شيء وهي الحياة في الدنيا والنجاة في الآخرة لمن وفقه الله للقيام بواجباتها وأركانها، ثم بعد ذلك انظروا إلى حالتكم العام الفائت من اللؤى والشدة على البادية والحاضرة، ثم كما ترون في حالة البلاد الخارجة من الحرب والشدة التي لا تقاس، وأنتم الحمد لله قد منَّ الله عليكم بنعمة الإسلام، والحقيقة أن كلًّا يدعي الإسلام، لكن روح الإسلام ومعناه عبادة الله وحده لا شريك له والإخلاص في العمل باطنًا وظاهرًا والقيام بأوامر الله من أمر ونهي والموالاة في الله والمعاداة في الله والنصح فيما بينكم باطنًا وظاهرًا وترك القال والقيل والغيبة النميمة والحسد وإظهار الشكر لله والاعتراف بأن الشكر هو من فضل الله. ثم تفهمون ما منَّ الله به عليكم من الأمن والصحة مثل ما ترون العام من الشدة التي ذكرنا أعلاه، ولكن من فضل الله ورحمته جعل الله بعد العسر يسرين، فهذا واجب علينا القيام على أنفسنا بالخضوع والتضرع والشكر لرب العزة والنصيحة لإخواننا المسلمين، وتفهمون أن الله سبحانه وتعالى يقول: {لئن شكرتكم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}، وتفهمون قوله تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}، فمع نعمة الإسلام مكننا الله في الأرض ومنَّ علينا بعطائه الجزيل. والحقيقة أن هذا وقت الخوف والإنابة والشكر وسؤال الله سبحانه بقوله: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وبقول: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، وبقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وبقول: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ثم بعد ذلك رأيت بعض التغافل والتمادي في أمر الدنيا، وذُكر لي أن الناس معهم كسل في الصلاة والمبادرة لها واللهو في مطالب الدنيا، وهذا شيء ما هو بدليل خير؛ فالرجاء أن تقوموا على أنفسكم وتناصحوا إخوانكم المسلمين وترجعوا إلى ربكم وتتوبوا إليه وتقوموا بالواجب؛ بالاعتراف بنعمة التوحيد والاعتراف بما أعطاكم الله من الخير الجزيل من الأمن والصحة وغير ذلك، وتجتهدوا في الاستغفار والتوبة، وتنفقوا مما أعطاكم الله على ضعفاء المسلمين، وتؤدوا النصيحة للخاص والعام كل حسبه؛ العالم على قدر علمه وموقفه، وطالب العلم على قدر اقتداره، والباقي من كان يقدر يقوم بما أوجب الله عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعليه أن يقوم بذلك على قدر استطاعته على الأمر المشروع، وأما العاجز فيقوم على نفسه؛ لأن الوقت الفائت هو وقت الدعاء والرجاء، والوقت الحاضر هو وقت الخوف والعمل. نرجو أن الله سبحانه ينصر دينه ويعلي كلمته ويجعلنا وإياكم من أنصار دينه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ربيع الثاني سنة 1340.
مشاركة :