اعتزل ما يؤذيك.. إن استطعت!

  • 9/22/2017
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

على سبيل العلاقات الإنسانية المعقدة، جرب فكرة الاعتزال. «اعتزل ما يؤذيك!»، مقولة تنسب للفاروق عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - كوصية موجزة للمرء تنأى به عن الأذية بالبعد عنها وحسب! ووصية كهذه تبدو قاعدة ذهبية تمكن من يطبقها في حياته العيش براحة وطمأنينة بعيداً عن المشكلات التي تنتج عن احتكاكه بمن يتسبب له بالأذى، لحظة اكتشافه لذلك! ثلاث كلمات حاسمات لاتخاذ القرارات الشجاعة في محيط العلاقات الإنسانية المتشابكة بالحب والصداقة حصرياً، ذلك أن ما هو أبعد من الحب والصداقة لا يحتاج إلى وصية ذهبية كهذه، فالابتعاد عن العدو أو الطرف المحايد في أي علاقة تنتج الأذى سيبدو أمراً طبيعياً ونقطة نهاية افتراضية! ورغم أن الوصية توحي باعتزال الأذى «غير العاقل» كما تصفه قواعد النحو العربي عبر استخدام «ما» بدلاً من «من» المخصصة للعاقل أي للبشر إلا أن الأذى الكامن في الجملة ليدمر أحد طرفيها لا يمكن أن يصدر إلا من كائن بشري بغض النظر عن مستوى عقلانيته، فلا أذى أقسى وأشد وطأة مما يسببه لنا الآخرون الذين هم الجحيم أحياناً، وفقاً لتعبير سارتر الوجودي القاتم. لكن هل نستطيع فعلًا أن نبتعد عما يؤذينا، أو عمن يؤذينا، لحظة قررنا ذلك؟ الجزء الأشد قسوة من الأذى يكمن في عدم القدرة عن التجاهل أو التجاوز أو النسيان، فإن استطعنا أن نتجاهل أو نتجاوز أو ننسى سيكون الابتعاد عن الأذى تحصيلاً حاصلاً بالتأكيد. فأنى لنا ذلك؟ قبل أيام وجدتني في مواجهة عاصفة مع نفسي في سبيل الابتعاد عما تأكدت أنه يؤذيني. كنت قد أجلت تلك المواجهة شهوراً طويلة، حيث اجتهدت في قمع كل إشارة تشير إلى حتميتها حتى استنفدت كل قواي المستخدمة في القمع ولم يعد بإمكاني سوى الجلوس إلى طاولة المفاوضات الذاتية! كان القرار جاهزاً كنت حفظته وكنت على استعداد افتراضي دائم لتطبيقه بأن اعتزل ما ومن يؤذيني، خاصة أنني طبقته بنجاح كبير في أكثر من مرة سابقة، لكن ما لم أحسب له حساباً حقيقياً أن العلاقات الإنسانية لا تخضع لأي نظرية ثابتة، وأن الاستثناءات فيها هي القاعدة الوحيدة! لهذا ربما وجدتني في خضم المهمة الصعبة على بساطتها البادية! كنت أحاول إقناع نفسي، بأنها مجرد علاقة صداقة لم تصمد أمام اختبار الزمن القاسي بتقلباته، وأن كل محاولاتي المستميتة لإنقاذها كاملة فشلت المرة تلو الأخرى، وأن الاستمرار في التجريب على طريق تلك المحاولات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الأذى المتبادل وإن كان غير مرئي ولا مباشر، وهذا ما يجعله أشد وطأة من وقع الحسام المهند، وبالتالي كان لا بد لي من اتخاذ القرار البسيط بحسم وجرأة ووضوح؛ اعتزال الأذى، عبر البعد عن مصدره مهما كان حجم الثغرة التي سيتركها في جدار الروح! لست متأكدة إن كنت سأمضي في التطبيق أم إن التفاتة صغيرة إلى الوراء ستجعلني أتردد أو حتى أنسف الفكرة لصالح فكرة أقل قسوة أم لا، كما أنني لا أعلم إن كان الزمن سيستطيع ردم تلك الثغرة المنتظرة لاحقاً أم لا، لكنني متأكدة تماماً أن فكرة اعتزال الأذى فكرة ممتازة تليق بالنفوس الشجاعة وحدها!

مشاركة :