شارك سعادة الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني وزير الاقتصاد والتجارة، أمس الأول الخميس، في الجلسة الحوارية التي نظمها مجلس الأعمال للتفاهم الدولي في نادي هارفارد بمدينة نيويورك تحت عنوان: «الاقتصاد القطري في ظل الحصار الراهن والمستقبل»، وذلك على هامش مشاركة دولة قطر في الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وشهدت الجلسة الحوارية مشاركة نخبة مهمة من صناع القرار والرؤساء التنفيذيين وكبار المسؤولين الدبلوماسيين.وفي مستهل مداخلته، أكد سعادة وزير الاقتصاد والتجارة أن الاقتصاد القطري أثبت قوته وصموده أمام العديد من التحديات العالمية التي امتدت آثارها لكبرى اقتصاديات الدول المتقدمة، مشيراً إلى أن الأزمة الراهنة لا تمثّل إلا مرحلة جديدة في مسيرة ترسيخ مكانة دولة قطر على خارطة الاقتصاد العالمي، وتحقيق استقلالها وأمنها الاقتصادي. وتابع سعادته قائلاً: «فعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الحصار غير القانوني المفروض على دولة قطر، والذي يهدف إلى تقويض مواقف قطر كدولة مستقلة اقتصادياً وذات سيادة، نجحت الدولة في تعزيز قوتها واستقلاليتها أكثر من أي وقت مضى». كسر الحصار وأضاف سعادته أن دولة قطر تمكنت في ظل التوجيهات السديدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى من كسر الحصار؛ عبر تفعيل استراتيجياتها وخططها الاستباقية التي وضعتها منذ سنوات طويلة، من أجل التصدي لأي أزمات محلية أو عالمية. وأشار سعادته -في هذا الصدد- إلى دور وزارة الاقتصاد والتجارة والجهات ذات العلاقة في وضع وتنفيذ هذه الخطط، مؤكداً أن هذه الجهود ساهمت في المحافظة على استمرار الحياة اليومية في دولة قطر بشكل طبيعي؛ من خلال إيجاد أسواق بديلة عن دول الحصار لاستيراد السلع والخدمات إلى الدولة. وأوضح سعادته أن دولة قطر تعمل حالياً على استحداث الآليات اللازمة لتقليل التكاليف، وتحسين السرعة والمدة الزمنية والكفاءة المطلوبة عند استيراد السلع والخدمات. استحداث خطوط تجارية جديدة وفي هذا السياق، أكد سعادته أن الحصار ساهم في تسريع وتيرة إطلاق المبادرات والبرامج والقوانين، خاصة المتعلقة بتحفيز الاستثمار، موضحاً أن أثر الإجراءات التي فرضتها دول الحصار كان إيجابياً على الاقتصاد، حيث نجحت الدولة في إنشاء طرق تجارية بديلة ومباشرة مع عدد من المناطق الاستراتيجية في جميع أنحاء العالم، وذلك في غضون بضعة أيام من فرض الحصار على دولة قطر، وبعد الإغلاق التعسفي لمعبر الحدود البري الوحيد فيها. واستفادت الدولة من مطار حمد الدولي؛ الذي يعد من أفضل مطارات العالم لضمان حركة الطيران والبضائع بوتيرة طبيعية لأكثر من 150 وجهة حول العالم عبر الخطوط الجوية القطرية الطيران الأفضل على مستوى العالم. مشروع ميناء حمد إلى جانب ذلك، تطرق سعادته إلى مشروع ميناء حمد؛ الذي تمّ افتتاحه رسمياً في وقت سابق من هذا الشهر، ولفت سعادته إلى أن هذا المشروع -الذي تُقدر تكلفته بنحو 7.4 مليارات دولار- قادر على استيعاب ما يصل إلى 7.5 ملايين حاوية سنوياً، مشيراً إلى أن دولة قطر تمتلك كافة الإمكانيات اللوجستية اللازمة لاستيراد السلع مباشرة، بما يعزز مكانتها كنقطة عبور للتجارة في منطقة الشرق الأوسط. وفي السياق ذاته، أشار سعادته إلى أن افتتاح مشروع ميناء حمد يأتي كجزء من استراتيجية أوسع؛ تهدف إلى ضمان استمرار تدفق السلع والمنتجات الاستهلاكية البديلة إلى الأسواق المحلية، بنفس المستوى الذي كانت عليه قبل حدوث الأزمة، مؤكداً أن الدولة استطاعت بالفعل من خلاله تخفيف التبعات السلبية المباشرة للحصار، كما أن المشروع سيجعل من دولة قطر مركزاً تجارياً مهماً في المنطقة. اقتصاد قوي ومتنوع وفي معرض حديثه عن الاقتصاد القطري، سلط سعادة وزير الاقتصاد والتجارة الضوء على تقرير صندوق النقد الدولي؛ الذي أكد أن القطاع المصرفي القطري لا يزال قوياً، حيث يتمتع بأصول عالية الجودة ورسملة قوية، مشيراً إلى أن المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار وافق على استراتيجية التنمية الوطنية الثانية التي تتسم بزيادة التركيز على تنويع النشاط الاقتصادي. وأضاف -في هذا الصدد- أن صندوق النقد الدولي أكد أنه على الرغم من ارتفاع تكاليف النقل والسلع الغذائية فقد ظل التضخم الكلي محدوداً بنسبة 0.8% خلال شهر يونيو و0.2% في شهر يوليو على أساس سنوي مقارن. وأوضح سعادته أن الرؤية التي وضعتها دولة قطر لعبت دوراً رئيسياً في تعزيز قدرة الاقتصاد الوطني على تجاوز الصعوبات التي فرضتها دول الحصار، مبيناً أن الناتج المحلي لدولة قطر حقق نمواً بنسبة 2.5% خلال الربع الأول لعام 2017؛ مقارنة بتقديرات الربع الأول لعام 2016، وذلك بالأسعار الثابتة لسنة الأساس 2013. بيئة أعمال جاذبة وفرص استثمارية واعدة وفي معرض حديثه عن مميزات بيئة الأعمال في دولة قطر، أوضح سعادته أن الموارد الطبيعية الضخمة التي بُنيت على إيرادات صادرات الغاز الطبيعي ساهمت في دعم قوة الاقتصاد القطري، ومساعدته على الصمود أمام الإجراءات التعسفية التي اتخذتها دول الجوار، لا سيما بعد إعلان دولة قطر عزمها زيادة إنتاجها من الغاز بنسبة 30%. وأضاف سعادته أن الدولة وضعت سياسات اقتصادية مرنة ساهمت في تعزيز سهولة ممارسة الأعمال من خلال تدشين مكتب «استثمر في قطر»؛ الذي يعنى بتسهيل كافة الإجراءات على المستثمر الأجنبي، وتوفير سبل الدعم في كافة المراحل الاستثمارية، إضافة إلى توفير خدمات إلكترونية متطورة لتأسيس الأعمال؛ علاوة على توفير مناطق اقتصادية ولوجستية تلبي كافة احتياجات المستثمر. المناطق اللوجستية وفي هذا الصدد، أفاد سعادة وزير الاقتصاد والتجارة أنه يجري الانتهاء حالياً من تنفيذ مشاريع المناطق اللوجستية؛ التي من شأنها أن تُسهم في الحد من النقص في المساحات التخزينية، لتغطية حاجة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتأمين خدمات لوجستية متطورة. قوانين مهمة وفي معرض حديثه عن الأطر القانونية والتشريعية التي وضعتها الدولة لتحفيز الاستثمار، لفت سعادته إلى أنه تمّ سن قوانين مهمة ساهمت بشكل كبير في تسهيل إجراءات تأسيس الشركات في دولة قطر؛ ومن بينها إصدار قانون الشركات التجارية الذي نص على إلغاء المتطلبات المتعلقة بالحد الأدنى لرأس المال؛ لتأسيس الشركات ذات المسؤولية المحدودة. وأضاف سعادته أن الدولة أتاحت للمستثمرين غير القطريين الفرصة لتنفيذ مشاريع استثمارية في مجالات اقتصادية محددة وبنسبة تتراوح بين 49% و100% في قطاعات الزراعة والصناعة، والصحة والتعليم، والسياحة والتنمية، واستغلال الموارد الطبيعية، والطاقة والتعدين. هذا وأكد سعادته أن الدولة أطلقت مشاريع مهمة تجّسد قيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتوفر فرصاً استثماريّة واعدة في القطاع اللوجستي، والأمن الغذائي، والتعليم والصحة، والسياحة والرياضة. المرتبة الثانية عالمياً ونوه سعادته إلى أن هذه الجهود والمبادرات ساهمت في تبوء دولة قطر مراتب متقدمة في مختلف التقارير الدولية، حيث تحتل الدولة المرتبة الثانية عالمياً من حيث توفير بيئة مستقرة للاقتصاد الكلي، والثامنة عالمياً في مؤشر الأداء الاقتصادي، والثامنة عشر في مؤشر التنافسية العالمي لعام 2016، مشيراً في هذا السياق إلى تقدم دولة قطر بخمسة مراكز في مؤشر الحرية الاقتصادية للعام 2017، وذلك من المركز الـ 34 عالمياً في العام 2016 إلى المركز الـ 29 هذا العام. مجتمع الأعمال هذا وبين سعادته أن مجتمع الأعمال القطري؛ وبدعم من مختلف الجهات الحكومية ومؤسسات الدولة، استطاع الاستفادة من موارد قوته، من أجل تعزيز الإنتاج المحلي، وفتح قنوات تجارية جديدة مع العديد من الشركاء الاستراتيجيين حول العالم. التعاون مع القطاع الخاص وأكد سعادته أن دولة قطر تمكنت -بناءً على الجهود المشتركة بين القطاعين العام والخاص- من حماية أمن اقتصادها الوطني، وتعزيز مكانتها كقوة اقتصادية إقليمية وعالمية، لافتاً إلى أنه في الوقت الذي تكبدت فيه دولة قطر -في بعض الحالات- تكاليف إضافية نتيجة لإجراءات الحصار التعسفية التي فرضت عليها، إلا أن هذه التكاليف تبقى ضئيلة مقارنة بالموارد الطبيعة والمالية التي تمتلكها الدولة، مشيراً إلى أن دولة قطر تمتلك أصولاً بقيمة 335 مليار دولار في مختلف دول العالم. ولفت سعادته إلى أن القطاع الخاص في دولة قطر وبالتعاون مع المستثمرين الأجانب في الدولة، تمكن من الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة في العديد من القطاعات الاقتصادية الواعدة، مما أسهم في نمو القطاعات غير النفطية؛ التي سجلت أكثر من 70% من إجمالي الناتج المحلي الاسمي خلال عام 2016. الشكوى ضد دول الحصار وفي معرض حديثه عن الإجراءات التي اتخذتها الدولة، والخطوات التي تعتزم اتخاذها لمواجهة الحصار غير القانوني، ذكر سعادته أن دولة قطر تقدمت بشكوى رسمية إلى منظمة التجارة العالمية ضد دول الحصار؛ بسبب انتهاك هذه الأخيرة للقوانين والاتفاقيات المتعلقة بتجارة السلع والخدمات، فضلاً عن جوانب الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة. وأوضح سعادته أن الإجراءات غير القانونية التي اتخذتها دول الحصار تعد الأولى من نوعها في تاريخ منظمة التجارة العالمية، كما تعد انتهاكاً صريحاً لنظام التجارة العالمي، ولديها تبعات سلبية خطيرة على الصعيدين الإقليمي والعالمي. فرص تجارية جديدة وفي سياق آخر، أوضح سعادة وزير الاقتصاد والتجارة أن دولة قطر سعت إلى الانفتاح الاقتصادي، وتوسيع علاقاتها الدولية على الصعيدين التجاري والاستثماري، وإبرام اتفاقيات ثنائية مع العديد من الشركاء في جميع أنحاء العالم، مشيراً في هذا الصدد إلى أن إجمالي حجم التبادل التجاري لدولة قطر مع دول العالم بلغ حوالي 81 مليار ريال قطري في الربع الثاني للعام 2017. مواطن القوة وتعزيزها وفي ختام حديثه، أكد سعادة وزير الاقتصاد والتجارة أن هذه الأزمة أتاحت الفرصة لدولة قطر؛ لتحديد مواطن القوة وتعزيزها، ومعالجة أوجه القصور؛ لضمان المحافظة على مرونة الاقتصاد القطري والنمو المستدام، لمواجهة مختلف التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية، مشدداً على أن الدولة تمتلك بيئة محفزة وموثوقة لممارسة الأعمال، وتعد محوراً تجارياً مهماً، داعياً المستثمرين إلى الاستفادة من الفرص الواعدة التي توفرها الدولة في هذا المجال. هذا واستمع سعادته لمداخلات وأسئلة مسؤولي كبرى الشركات الأميركية؛ التي أعربت عن اهتمامها لتعزيز استثماراتها في دولة قطر، وإقامة مشاريع استثمارية جديدة. جدير بالذكر أن الجلسة الحوارية -التي تمّ تنظيمها في نادي هارفرد على هامش مشاركة دولة قطر في الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة- سلطت الضوء على الجهود التي بذلتها الدولة لمواجهة الحصار غير القانوني؛ الذي فرضته عليها دول الجوار. كما تطرقت إلى سبل تعزيز التعاون بين دولة قطر والشركاء الأجانب والفرص الاستثمارية التي توفرها الدولة. مجلس الأعمال للتفاهم تجدر الإشارة إلى أن مجلس الأعمال للتفاهم الدولي هو منظمة غير حكومية رائدة تؤدي دوراً حيوياً في سبيل مد جسور التواصل بين القادة السياسيين ورجال الأعمال في مختلف دول العالم. ويضم المجلس في عضويته كبرى الشركات الأميركية، ويهدف إلى توفير معلومات مهمة حول مختلف اقتصادات العالم، وتوجيه المستثمرين، وتقديم خدمات رائدة لتأسيس الأعمال، إضافة إلى مساعدة رجال الأعمال على الاستفادة من الفرص الاستثمارية في مختلف دول العالم. كما يعمل المجلس على تنظيم منتدى أعمال يضم مسؤولين حكوميين وكبرى الشركات المتعددة الجنسيات، بهدف تعزيز التبادل التجاري والاستثمار على المستوى الدولي.;
مشاركة :