منذ الاعلان عن الاستفتاء لأستقلال كردستان يكرر المعترضون عليه من حكام بغداد بالاخص العبارة: الدستور ضامن لحقوق الكرد فلماذا الانفصال؟ بعد شهور من الاطاحة بالملكية في العراق عام 1958 صدر الدستور العراقي المؤقت في العهد الجمهوري الاول متضمناً فقرة جريئة وهي "العرب والاكراد شركاء في الوطن". وفي حينه استبشر الكرد وتفاءلوا خيراً بالفقرة تلك وعدوها مكسباً قومياً كبيراً لهم وشمل تفاؤلهم معظم أقوال الزعيم عبدالكريم قاسم حول الكرد. ولكن لم يمضِ وقت طويل على الدستور المؤقت واقوال قاسم، وإذا بالزعيم عبدالكريم قاسم يشن حملة عسكرية شعواء على كردستان وشعبها وراح طيرانه الحربي ومدفعيته الثقيلة ودباباته تقصف كردستان من زاخو الى خانقين وتشعل النار في الاخضر واليابس وكأن الفقرة المذكورة غير موجودة أو أنه نسي اقواله من قبيل ان الحزب الديمقراطي الكردستاني أخي وان الحزب الشيوعي العراقي أخي والحزب الوطني الديمقراطي اخي، وطارد اعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني وزج بالالاف منهم في السجون والمعتقلات وتحول "أخوة" قاسم في البلاغات العسكرية العراقية في مطلع ايلول عام 1961 الى "عصابات الشمال" و"العملاء للمخابرات البريطانية"، في وقت كان الزعيم الكردي مصطفى البارزاني والمئات من البارزانيين قد عادوا تواً من الاتحاد السوفيتي السابق والى يوم اعدامه (قاسم) في 8 شباط 1963 فان صاحب الفقرة (5) و"الاخ" كان الوحيد من بين الزعماء العراقيين الذي لم يتفاوض مع الكرد أبداً ولم يلجأ حتى الى هدنة لأيقاف الحرب ولو لساعات أو أيام. وهكذا لا الدستور المؤقت ولا أقوال الزعيم لم يجدياً نفعاً، وصارت الفقرة (5) واقوال الزعيم التي كانت تقطر محبة وصداقة حيال الكرد وكذلك الفقرات الاخرى في الدستور الداعية الى الحرية والعدالة والمساواة والتي بقيت حبراً على ورق ولم يجنِ الكرد اية فائدة من ورائها ومثلهم الحزبان الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بل القي بالمئات ان لم نقل الالاف من الشيوعيين في سجن نقرة السلمان الصحراوي وفي سجون اخرى ايضاً، وتواطأ قاسم مع حملات اغتيال المئات من الشيوعيين في الموصل بالاخص بشكل راح العراقيون في وقت مبكر يترحمون على الملكية التي اسقطها قاسم. وفي العهد البعثي الاول 1963 صدر قانون اللامركزية لكردستان بعد الاسابيع الاولى من انقلاب 8 شباط في ذلك العام، الا ان البعثيين سرعان ما تنكروا للامركزية واعلنوا الحرب على الكرد في حزيران العام نفسه وخصصوا جائزة مالية مقدارها 100 الف دينار لمن يأتي برأس قائد الثورة مصطفى البارزاني اليهم. وخلافاً لكل الاعراف فانهم اعتقلوا اعضاء الوفد الكردي المفاوض. أما في العهد البعثي الثاني فلقد تم اعلان الحكم الذاتي لكردستان واطلقت حقوق واسعة للكرد، ولكن بعد فترة وجيزة على صدور قانون الحكم الذاتي، اطلق مأجورون تابعون للحكومة العراقية النار على مقر اللجنة المحلية للحزب الديمقراطي الكردستاني في الموصل ثم اشعلوا فتنة في سنجار وحاولوا اغتيال ادريس البارزاني اثناء زيارة له الى بغداد وبعد مرور نحو سنتين على بيان "الحكم الذاتي" نفذوا مؤامرة كبيرة لاغتيال مصطفى البارزاني في قرية حاج عمران. كل هذا وغيره حصل ووقع في اجواء بيان أذار والحكم الذاتي. وفيما بعد وبعد سنوات، كان صدام حسين ما ينفك يردد بين فترة واخرى بأن للكرد حقين في العراق، غير أنه في ظل "الحقين" قصف الكرد في حلبجة ووادي باليسان بالسلاح الكيمياوي وفتح جحيم الانفال امامهم ودفن نحو 182 ألف إنسان كردي في المقابر الجماعية وأباد من على ظهر البسيطة اكثر من 4500 قرية كردية. أما النظام العراقي الحالي فلقد سجل عليه 55 خرقاً للدستور الدائم وحجب حصة الكرد البالغة 17% من الموازنة العامة وكذلك رواتب البيشمركة والموظفين. مما تقدم يبدو ان خرق الدستور وانتهاكه اسهل ما يكون بالنسبة للحكام العراقييين وكما تقول العامية العراقية "شربة ماء" وان التراجع عن الاقوال، واقوال الرؤساء قاسم وصدام على سبيل المثال والتي يجب ان يكون لها حكم القانون. فانه اسهل ما يكون ايضا ولا فرق بين دستور مؤقت واخر دائم فكلاهما معرضان للخرق والانتهاك. اذكر في الستينات والسبعينات من القرن الماضي كيف كان بعضهم عن جهل وطيبة وحسن نية ايضاً يلحون على سن الدستور الدائم والكف عن العمل بالدستور المؤقت، وجاء الدستور الدائم في عام 2005 من دون أن يغير من السلوكيات العنصرية ضد الكرد أو يضع حداً للخروقات ضده. لست أول من قال ويقول ان الحكومات العراقية بما فيها الحكومة الحالية خرقت الدستور وضربته عرض الحائط فلقد سبقني الى ذلك القول كتاب وسياسيون وقادة سياسيون من عرب وكرد وسنة وشيعة. اذاً والحالة هذه الستم معي اذا قلت "ان الدستور ضامن لحقوق الكرد" مجرد كذبة كبيرة وضحك على الذقون، ويظل قول الرصافي "علم ودستور ومجلس امة كل عن المعنى الصحيح محرف" صحيحاً وينسحب على الدستور العراقي الدائم الحالي. ان الدساتير والقوانين سواء في العراق أو في غيره من بلدان العالم اعجز من ان تقدر على حل الصراعات القومية والدينية والمذهبية مهما تفتحت على حقوق الامم واطلقت أوسع الحقوق لها، ولن تكون البديل عن الاستقلال في ضمان حقوق الامم سواء في البلدان الديمقراطية المتقدمة وكذلك في بلدان العالم الثالث وكذلك في بلدان العالم الثالث. وأرى ان الشعوب السوفيتية كانت قد نالت حقوقاً قومية كبيرة الى درجة ان معظمها ان لم اقل جميعها تمتعت بجمهوريات وبعض من تلك الجمهوريات كانت تتمتع بعضوية الامم المتحدة، كما ان ستالين عند تأسيس الامم المتحدة حاول اشراك الجمهوريات السوفيتية كافة في عضوية الامم المتحدة، الا ان بقية الدول في مجلس الامن لم تقبل بمحاولة ستالين خشية من ان تشكل الجمهوريات الشيوعية الاكثرية في المنظمة العالمية، ومع كل هذا، عندما انهار الاتحاد السوفيتي واطلق غورباتشوف حرية الانسحاب من روسيا فان شعوب الجمهوريات السوفيتية اغتنمت الفرصة وسارعت الى الانفصال عن الاتحاد السوفيتي وتأسيس دولها المستقلة كل هذا رغم الحقوق الواسعة التي كانت تتمتع بها تلك الشعوب في ظل السلطة السوفيتية. ترى هل لدى القيادة العراقية الحالية الاستعداد لاعلان الدولة المستقلة للكرد اسوة بالسلطة السوفيتية التي اعلنت الجمهوريات دولا مستقلة لشعوبها؟ وهل لدى القيادة العراقية الحالية الجرأة لمطالبة الامم المتحدة بادخال كردستان في الامم المتحدة، اسوة بادخال السوفيت لاوكرانيا وروسيا البيضاء وليتوانيا في الامم المتحدة؟ نعم الدساتير والقوانين العراقية، لا الدائمية ولا المؤقتة غير قادرة على ضمان تمتع الشعب الكردي بحقوقه، ولن يكون الشعب الكردي حراً الا بتأسيس دولته المستقلة والكل امل في ان تسفر نتائج استفتاء يوم 25-9-2017 عن استقلال كردستان عن العراق. ان معظم مواد وبنود وفقرات الدساتير العراقية مؤقتة كانت ام دائمية بل ان معظم مواد وبنود دساتير العالم ايضاً مقبولة بخصوص الانفتاح على حقوق الشعوب والانسان، ولكن العبرة بالتنفيذ والتطبيق والتقيد بالدستور، وهذا ما لم نجده اطلاقاً لدى الانظمة والحكام ممن حكموا العراق، فالكل خالف الدستور وتنصل عن تطبيقه وافرغوه من محتواه. لقد تكرر خرق الدستور اكثر من مرة ومرتين بما في الدستور العراقي الحالي ايضاً، الامر الذي يدفعني الى القول، ان القاعدة تصاغ من تكرار الحالة، وسوف يتكرر خرق الدستور في المستقبل ايضاً وفي حال مجيء نظام اخر الى الحكم يحل محل النظام الحالي. لذا فأن من حق الكرد التخلص من هذه المهزلة: تكرار الخروقات للدستور والقوانين والذي يترتب عليه تكرار الحروب والنكبات والويلات. ان الدساتير والقوانين الوضعية في العراق أو غيره من اقطار العرب، لو طبقت بالتمام والكمال، لما رأيت شعباً يثور أو ينتفض أو يتمرد. هيهات ان يكون الكردي الذي خبر قوانين ودساتير الانظمة الاحتلالية له ولوطنه وخبر صيغ الحكم من حكم ذاتي وفيدرالية لامركزية ان يكون على درجة من السذاجة والجهل بحيث تنطلي عليه دساتير وقوانين واقوال الحكام من عرب وفرس وترك. الدساتير والقوانين غير ضامنة لحقوق الكرد وعلى الكرد عدم الوثوق بها أو باقوال القادة من عرب وفرس وترك. من بعد الدساتير والقوانين العراقية التي يلوح بها خصوم استقلال كردستان بوجه الكرد زاعمين انها ضامنة لحقوق الكرد تأتي النصوص الدينية الاسلامية التي تقول بدورها ان الاسلام انصف الكرد وان ايات القرأن الكريم اعترفت بحقوق الشعوب بما فيها حقوق الشعب الكردي في استشهادهم بالاية "وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عندالله اتقاكم". وكما نعلم ان معظم مواد الدساتير والقوانين في العراق والعالم الاسلامي مستمدة من القران وان الشريعة الاسلامية مصدر للقوانين. عليه هناك تداخل وتكامل بين الدساتير والقوانين الوضعية وبين تعاليم الدين الاسلامي، وهذا ما يعمق من اضطهاد الكرد واستغلالهم لعقود طويلة زعم ويزعم الحكام العرب والترك والفرس من أن الاسلام انصف الشعوب كافة في الاية، يبد أن أي شعب اسلامي من الشعوب الرازحة تحت نير الامم الاسلامية الكبيرة لم يتمتع بأي حق قومي مشروع وظلت الاقوال "لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى" و"انما المؤمنون اخوة" و"الاسلام الف بين القلوب" و"امرهم شورى بينهم" و"المسلم اخ المسلم اذ اشتكى منه عضو تداع له سائر الجسد بالسهر والحمى" مجرد نصوص دينية بعيدة عن التطبيق. ان النصوص الدينية الاسلامية لم تتقدم بالقضية القومية الكردية قيد انملة، ليس هذا فحسب، بل ان الحروب كانت سجالاً بين العرب والكرد على امتداد الدولة العراقية ومنذ عام 1921 عام قيام الدولة العراقية لم يمر عقد دون حروب ولا اغالي اذا قلت ان علماء الدين الاسلامي من الامم الاسلامية المهيمنة على الكرد ينظرون الى الحقوق القومية للكرد، نظرة عداء وتكفير وهم الاشد عداءً لحرية الكرد من القادة العلمانيين من الامم الثلاث المستعمرة لكردستان، ولم يستنكروا المظالم التي سلطت على الكرد ولم يعترض اي منهم على استخدام الكيمياوي وحملة الانفال سيئة الصيت ضد الكرد. في حين والحق يقال ان بعضاً من القادة العرب اقروا بالحق القومي الكردي في تصريحاتهم. واثبتت التجارب ان القادة الاسلاميين هم الاكثر اندفاعاً لمناهضة الحق الكردي المشروع الم يقل الشيخ احمد ياسين مؤسس حماس) "اذا فرغنا من محو اسرئيل، فان اسرائيل ثانية تنتظر منا محوها في شمال العراق!" وكانت النظم التي تحمل مصطلحات اسلامية مثل جمهورية ايران الاسلامية وحكومة حزب العدالة والتنمية الاخواني التركي وحزب الدعوة الاسلامية الحاكم في العراق، هي اشد مناوأة للحق الكردي من مناوأة حكومة شاه ايران والحكومات العلمانية التركية له. ان الاسلام لم يألف بين قلوب العرب والكرد ولا بين قلوب العرب والفرس ولا بين قلوب العرب والترك، وبهذا الصدد يقول الامام الخميني "ان العرب والفرس قبل دخولهما الاسلام كانا قد خاضا معركتين ضد بعضهما بعضاً ولكن عندما دخلا في الاسلام فانهما خاضا 25 معركة ضد بعضهما بعضاً خلال 400 سنة فقط، اي بمعدل معركة واحدة في كل 16 سنة مرة!" يستشف من كلام الامام الخميني، ان الاسلام باعد بين الشعوب الاسلامية ولم يألف بينها. وفي الحرب العالمية الاولى رأينا كيف وضع القادة العرب والشعوب العربية يدها في يد المستعمر الانكليزي والفرنسي لإسقاط الامبراطورية العثمانية المسلمة. لم يميز العرب المسلمون ولا الفرس المسلمون بين الكرد واليهود فمثلما سموا مذابح المسلمين الاوائل بحق اليهود بالانفال فانهم عادوا ليسموا حملات الابادة بحق الكرد في الثمانينات من القرن الماضي بالانفال وازهقوا ارواح 182 ألف انسان كردي مسلم بريء ودفنوهم في مقابر جماعية بصحاري الجنوب و"انما المؤمنون اخوة". وهم مثل الشيخ احمد ياسين تراهم امام دعوات الكرد للاستقلال ينعتون كردستان باسرائيل ثانية. ان مصطلحات كردستان العراق وكردستان ايران وكردستان تركيا وكردستان سوريا، مرادفة للمصطلحات السابقة الصومال الفرنسي والصومال البريطاني والايطالي وغينيا البريطانية والهولندية. ان شعبنا الكردي يرفض بشدة مصطلحات كردستان العراق وايران وتركيا وسوريا، وان كردستان وطن شعبها الكردي وليس صومالاً تركيا أو عراقياً أو ايرانياً. ولقد اثبتت الوقائع والاحداث في العالم ان الاستعمار العراقي والايراني والتركي والسوري هو اسوأ بكثير من الاستعمار البريطاني والفرنسي بدليل ان المستعمرين الاوروبيين رضخوا لقرار الامم المتحدة في مطلع الستينات والذي نص على تصفية المستعمرات واختفت مصطلحات الصومال الكذا وغينيا الكذا في حين لا تزال كردستان لتركيا وايران وسوريا والعراق ظلماً. والانكى من كل هذا ان الدول الاسلامية المحتلة لكردستان تأبى وترفض تسميتنا لها بالاستعمار، في حين انها اسوأ بكثير من الاستعمار وليس هناك وجه للمقارنة بينها وبين الاستعمار الاوروبي السابق. عبدالغني علي يحيى Al_botani2008@yahoo.com
مشاركة :