تحت أشعة الشمس الحارة أسقط عشرات من البحارة الأتراك والأمريكيين وحدة غوص أمريكية من سفينة إنقاذ تركية متقدمة في بجر إيجة لتوصيلها بغواصة خلال تدريب عسكري لحلف الأطلسي. ويأتي التعاون المستمر في عرض البحر، وهو جزء من تدريب مشترك على مهام الإنقاذ بحلف الأطلسي قبالة ساحل جنوب غرب تركيا، وسط عاصفة بين أنقرة وحلفائها في الأطلسي الذين يشعرون بقلق بشأن التزام تركيا القائم منذ عقود تجاه الحلف. وتحت حكم الرئيس رجب طيب إردوغان سعت تركيا التي تملك ثاني أكبر جيش بالحلف إلى تعزيز العلاقات مع روسيا وإيران. وفي مؤشر واضح على التقارب تتفاوض أنقرة حاليا على شراء نظام دفاع صاروخي من روسيا مما أثار غضب مسؤولي الحلف الذين يشعرون بقلق بشأن التواجد العسكري الروسي في الشرق الأوسط خاصة وأن المنظومة الصاروخية غير متوافقة مع أنظمة الحلف. وقالت تركيا إنها اختارت منظومة صواريخ إس-400 المضادة للطائرات لأن موردي الأسلحة الغربيين لم يعرضوا بديلا “فعالا من الناحية المالية”. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إنها أعربت لتركيا عن قلقها بشأن الصفقة. وقال إردوغان في تصريحات له مؤخرا “ثار غضبهم لأننا أبرمنا اتفاق إس-400. ماذا كان يفترض علينا القيام به؟ هل ننتظرهم؟”. وأضاف قائلا “إن واجهنا صعوبة في الحصول على أي عنصر دفاعي من بعض الأماكن وإذا كانت مبادراتنا تواجه معوقات في أغلب الأحيان فماذا نفعل؟ سوف نعالجها (المسألة) بمفردنا”. وينبع إحباط إردوغان من دعم واشنطن لقوات وحدات حماية الشعب الكردية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وترى أنقرة الوحدات امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يشن تمردا في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية وتصنفه واشنطن والاتحاد الأوروبي وأيضا تركيا كمنظمة إرهابية. اتهام لوزيره السابق ويشعر إردوغان بالغضب أيضا بسبب اتهام مدعين أمريكيين لوزير اقتصاده السابق بالتآمر لانتهاك العقوبات الأمريكية على إيران. وهذه أول مرة توجه فيها اتهامات فيها لمسؤول حكومي سابق له علاقة وثيقة بإردوغان في التحقيق الذي أثار التوتر بين واشنطن وأنقرة. وقال سونر كاجابتاي زميل معهد واشنطن للأبحاث ومؤلف كتاب “السلطان الجديد: إردوغان وأزمة تركيا الحديثة” “من أسباب قيام إردوغان بصفقة إس-400 هذه هو غضبه من الولايات المتحدة بسبب اتهام وزير الاقتصاد السابق وأيضا استمرار الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردية”. وتابع يقول “إنه يستخدم صفقة إس-400 كوسيلة ضغط، فيما يخص التفاوض، لإقناع واشنطن بتغيير رأيها في عدد من القضايا”. وتضررت علاقات تركيا بأوروبا خاصة ألمانيا بسبب الحملة التي شنتها السلطات التركية عقب محاولة الانقلاب التي وقعت العام الماضي. وأبعدت تركيا نحو 150 ألف شخص من وظائفهم بالحكومة والجيش والقطاع الخاص كما سجنت نحو 50 ألفا آخرين منهم مواطنون ألمان. ولانزعاجها مما تعتبره سجلا متدهورا بشأن حقوق الإنسان قالت ألمانيا إنها ستفرض قيودا على مبيعات بعض الأسلحة إلى تركيا. وأعلنت برلين في بادئ الأمر تجميد مبيعات السلاح الرئيسية لكنها خففت الإجراء مرجعة السبب إلى الحملة على تنظيم الدولة الإسلامية. ورفضت أنقرة أيضا السماح لنواب ألمان بزيارة جنود ألمان يتمركزون في قاعدة جوية بتركيا. ودفع الإجراء ألمانيا لنقل جنودها المشاركين في الحملة ضد الدولة الإسلامية من قاعدة إنجيرليك التركية إلى الأردن. تركيا والغرب ترفض تركيا فكرة أنها تدير ظهرها للغرب. وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم إردوغان “العلاقات الطيبة التي طورتها تركيا مع روسيا ليست بديلا عن العلاقات الطيبة التي تربطنا بالغرب إنها تكمل بعضها البعض”. وقال إردوغان لرويترز في مقابلة يوم الخميس إن موقف تركيا في حلف الأطلسي لم يضعف نتيجة الاتفاق. ورغم ذلك، يخشى البعض أن تجد تركيا نفسها في النهاية على الهامش داخل الحلف. وقال أوميت بامير وهو دبلوماسي تركي سابق “ألمانيا أهم جهة تورد السلاح لنا بعد الولايات المتحدة” مشيرا إلى أن تعليق بيع الأسلحة سيؤثر “بالتأكيد على أنظمتنا الدفاعية”. ويسعى إردوغان منذ أسقطت تركيا طائرة حربية روسية في سوريا عام 2015 لتحسين العلاقات مع موسكو بعد اضطراب الاقتصاد التركي، وخاصة السياحة، من العقوبات التي فرضت على روسيا. ومن المقرر أن يقابل إردوغان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع المقبل لبحث خطة اتفق عليها البلدان وإيران للحد من القتال في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا. أطراف مختلفة في سوريا تدعم تركيا المعارضة السورية المناهضة للرئيس بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران. ويعتزم الرئيس التركي زيارة إيران الشهر المقبل وقد اتفق البلدان في أغسطس آب على تعزيز التعاون العسكري وذلك خلال استقبال الرئيس التركي قائد الجيش الإيراني محمد باقري. وكانت الزيارة أول رحلة يقوم بها مسؤول عسكري إيراني لتركيا منذ الثورة الإيرانية في عام 1979. ورغم دعمهما لأطراف متعارضة في سوريا إلا أن تركيا وإيران وجدتا أرضية مشتركة في معارضتهما لاستفتاء الاستقلال في إقليم كردستان العراق. ويخشى كلا البلدين من أن يتسبب قيام دولة كردية مستقلة في تأجيج المشاعر الانفصالية لدى الأقليتين الكرديتين في البلدين. وقال مصطفى كيبار أوغلو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة (إم.ئي.إف) التركية إن الخلاف الأخير بشأن شراء إس-400 لا يدل على انفصال تركي جذري من حلف الأطلسي مشيرا إلى أن الغرب بالغ في رد فعله بشأن الصفقة. وقال كيبار أوغلو “لا أعتقد أنه جرى أي نقاش بشأن ترك تركيا حلفا استثمرت كثيرا فيه”. وأضاف “هل سنقوم بإسقاط الطائرات الأمريكية (بصواريخ) إس-400؟ لا يوجد دعم لهذه التعليقات إنها فقط استقطاب سياسي ولم نقم به نحن”.
مشاركة :