ميركل ترفض عادة ذكر منافسيها بالاسم أو الخوض في جدل سياسي حاد ما جعل الحملات الانتخابية الأخيرة هادئة.العرب [نُشر في 2017/09/25، العدد: 10762، ص(7)]ميركل الأقوى والأكثر شعبية برلين - توصف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل البالغة من العمر 63 عاما بأنها ملكة التقشف وزعيمة العالم الحر الجديدة، فيما يرى فيها لاجئون طوق نجاة لهم. وبعد أن سجلت ابنة القس التي نشأت خلف الستار الحديدي في ألمانيا الشرقية أطول مدة في الحكم في أوروبا، تتجه لتولي ولاية رابعة على رأس أقوى اقتصاد أوروبي، وبات العديد من الألمان يطلقون عليها اليوم لقب “المستشارة الدائمة”. ونجحت “ماما” أو “موتي ميركل”، بفضل نهجها البراغماتي البسيط، في البقاء بالسلطة في بلد ثري يتقدم سكانه في العمر ويفضل الاستمرارية على التغيير. وفي عهد دونالد ترامب المتقلب، وبريكست، والأزمات العالمية العديدة، باتت ميركل تمثل ركيزة بلد حريص على الحفاظ على نموه الاقتصادي ومعدلات التوظيف التي يحسده عليها جيرانه. وهي على قناعة راسخة بما تعلمته منذ الصغر في ظل النظام الشيوعي بأن على ألمانيا وأوروبا أن تحافظا على ميزاتهما التنافسية والتخلص من العجز في الميزانية في ظل تغيرات اقتصادية عالمية متسارعة. وعبر الألمان عن امتنانهم لها بإبقائها في السلطة منذ أن أصبحت أصغر مستشارة في سنة 2005 عندما كان جورج بوش وتوني بلير وجاك شيراك في السلطة. وتعيش ميركل التي لم تبهرها السلطة والجاه في شقة في برلين مع زوجها العالم يواكيم سوار الذي يفضل البقاء بعيدا عن أضواء الإعلام. وتتسوق من متجر قريب وتقضي إجازاتها في ممارسة رياضة المشي في جبال الألب. وعندما أعلنت صحف عالمية بعد فوز ترامب المفاجئ أن ميركل أصبحت حاملة راية الديمقراطية الليبرالية، وصفت المستشارة ذلك بأنه “سخيف ولا معنى له”. ورغم اتهامها بأنها تجنبت خوض تحديات، اتخذت ميركل قرارات جريئة ومفاجئة بدءا من التخلي عن مفاعلات الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما في 2011 إلى فتح الأبواب أمام أكثر من مليون لاجئ منذ 2015. وكلفها تدفق اللاجئين الكثير على المستويين الوطني والأوروبي وتوقع الكثيرون أفول نجمها. ولكن مع تراجع حركة الهجرة وتشديد سياسة اللجوء، تحسنت شعبيتها إلى مستوى ما قبل الأزمة لا بل بلغت مستوى جعل وسائل الإعلام تسخر من منافسيها من اليسار والوسط بصفتهم يخوضون مهمة سياسية انتحارية في مواجهة تقدمها.ميركل باتت تمثل ركيزة بلد حريص على الحفاظ على نموه الاقتصادي ومعدلات التوظيف تثير حسد الجيران وترفض ميركل عادة ذكر منافسيها بالاسم أو الخوض في جدل سياسي حاد ما جعل الحملات الانتخابية الأخيرة هادئة وأغضب منافسيها غير القادرين على توجيه اللكمات لها. ولذلك هاجمها المرشح الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز في يونيو 2017 واتهمها بالانتقاص من الديمقراطية، فقوبل بوابل من الانتقادات من طرف أنصارها. ولكن العديد من المعلقين يرون أن ميركل أدخلت ألمانيا في سُبات لا سياسي وبأنها تنأى أكثر فأكثر بنفسها عن الصراعات. وسماها الكاتب في صحيفة “در شبيغل” ألكسندر أوسانغ حديثا “امرأة العنبر”، وقال إنها مهيبة مثل “ابوالهول أو مغنية شهيرة أو ملكة”، وإن خطاباتها لها أثر “تنويم الحشود مغناطيسيا”. وولدت أنجيلا دوروتيا كاسنر في سنة 1954 في هامبورغ وعرفت التقشف بعدما قرر والدها الانتقال من الغرب إلى الشطر الشيوعي من البلاد للمساهمة في نشر المسيحية. ويقول كاتبو سيرتها إن حياتها في ظل النظام البوليسي علمتها كيف تتكتم عن آرائها. وكانت في صغرها تلميذة موهوبة تحب الرياضيّات واللغة الروسية. وتابعت دروسها الجامعية في ظل النظام الشيوعي حتى حصولها على شهادة دكتوراه في الكيمياء. ومع رفضها العمل كمخبرة للبوليس السري، لم تجازف في الانخراط في النشاط المؤيد للديمقراطية. ومكّنها تفوقها في اللغة الروسية من التحاور مع الرئيس فلاديمير بوتين الذي كان مسؤولا في الاستخبارات السرية الروسية في درسدن لدى سقوط جدار برلين. وفي الفترة التي سقط فيها جدار برلين نهاية 1989، انخرطت في العمل السياسي، ثم انضمت إلى الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ بزعامة هلموت كول. وسلمها المستشار “العملاق” آنذاك أولى مسؤولياتها الوزارية. وكان في ذلك الحين يناديها بتودد “يا ابنتي”. ولكن كول لم يكن الوحيد الذي أساء تقدير قدراتها ودفع ثمن ذلك، فعندما بدا أنه تورط في فضيحة مالية داخل حزبه في 1999، حثت ميركل الحزب على التخلي عنه. هذه الحركة التي أطلق عليها اسم “ميركيلفيلي” هي التي أوصلتها إلى أعلى درجات السلطة. ورغم انضمامها الحديث إلى الحزب، فقد أعادت بناءه ورسخت مكانته السياسية عبر الدفع باتجاه تبني سياسات اجتماعية تقدمية وإلغاء الخدمة العسكرية ومن ثم التخلي عن الطاقة النووية. وبرزت بصفتها زعيمة أوروبا خلال أزمة الديون السيادية رغم تسميتها “ملكة التقشف” في دول الجنوب الأوروبي. وبعد عشر سنوات من ذلك، لا تزال في سدة الحكم وقد تتجاوز سنوات حكم معلمها كول في غياب أي منافس جدي من داخل حزبها حتى الآن.
مشاركة :