تحت عنوان «الأسرار الشخصية لجمال عبدالناصر»، صدر كتاب في السبعينيات يحكي فيه مدير مكتب الزعيم الراحل، محمود الجيار، عدد من الذكريات التي جمعتهما، والتي تقترب أكثر من حياته الشخصية التي ظلت بعيدة عن الصحافة والعامة طوال فترة حكمه، ليروي التاريخ من جانب آخر، من بيت عبدالناصر وحجرة نومه وكابينة طائرته الخاصة وحجرات الضيافة أثناء الرحلات. بدأ «الجيار» حكايات الفصل الأول بقصة غاية في الغرابة تعرض لها عبدالناصر في زيارته عام 1958 لروسيا، حيث التقى الزعيم السوفيتي آنذاك، خروشوف، واجتمعا سويًا في غرفة مغلقة بينما انتظر في الخارج مدير مكتبه محمود الجيار مع مدير المخابرات السوفيتي. كان اللقاء يوم الجمعة، وحرص «الجيار» على تذكير الزعيم الراحل بموعد الصلاة، مشيرًا إلى أن عبدالناصر كان ملتزمًا بأدائها ولا يريد أبدًا تفويتها، لذلك قدم طلبًا إلى مدير المخابرات السوفيتي الذي يلازمه خارج قاعة الاجتماع، للدخول إلى عبدالناصر وتذكيره بأن عليه التحرك لأداء الفرض، قائلاً: «أرجوك أن تدخل القاعة وتقول لرئيس جمهوريتنا أن موعد صلاة الجمعة قد حان»، ليرد عليه الثاني فورًا بأن «خروشوف» أصدر تعليماته بعدم اقتحام المحادثات، واعتذر له بـ «متأسف». رفض «الجيار» تبريرات رجل المخابرات السوفيتي، وهدده بأنه سيضطر لدخول الصالون بنفسه دون انتظار إذن أحد، ليصاب الثاني بدهشة ويستشعر جدية تهديداته ويقوم مترددًا في اتجاه باب الصالون، ويطرق بابه بخفّة متجهًا إلى «خروشوف» يهمس في أذنه بهدوء، وبادله الزعيم السوفيتي الرد بنفس الطريقة. عاد مدير المخابرات إلى محمود الجيار، وعلى وجهه ابتسامة خفيفة أخبره بها أن «الرفيق خروشوف احترامًا لشعور الضيوف الديني قد فوضه أن يتصل تليفونيًا بمستر إمام مسجد موسكو، ليؤجل صلاة الجمعة ساعتين، حتى لا تضيع فرصة الصلاة على الرئيس عبدالناصر». ضحك «الجيار» بشدة، ورد عليه بأداء دبلوماسي قائلا: «شوف يا مستر، إن الرئيس خروشوف يقدر يعلن الحرب، يقدر يطلق الصواريخ، يقدر يهدد العالم، لكن مايقدرش يؤخر صلاة الجمعة»، ثم اتجه دون مقدمات إلى باب الصالون وفتحه موجها حديثة لـ «ناصر» أمام رجل السوفييت، قائلا: «إنني رجوت الرفيق مدير المخابرات السوفيتي أن يلفت نظر سيادتك إلى حلول موعد صلاة الجمعة، وخاصة أن أمامنا رحلة طولها 45 ديقة إلى المسجد، فدخل عليكم القاعة وعاد ليخبرني أن الرئيس خروشوف أمر إمام المسجد أن يؤجل الصلاة ساعتين، وإذا حدث ذلك فعلا فإن الجالية المصرية المقيمة في موسكو ستقول أن عبدالناصر جاء إلى هنا وكفر». انفجر «ناصر» في الضحك، وشرح لـ «خروشوف» تفاصيل ما قاله مدير مكتبه وما يمكن أن يترتب على قراره، ليرد الزعيم السوفيتي ملوحًا بذعر وكأنه يدفع مصيبة: «قم يا ناصر قم ولا تجلب لنفسك ولنا المشاكل».
مشاركة :