محمد أمين | لقد أدى اختبار ما يبدو أنها قنبلة هيدروجينية مصغرة من قبل النظام الكوري الشمالي، إلى تصعيد التوتر بين بيونغ يانغ والمجتمع الدولي، إذ أصدرت حكومات الولايات المتحدة وروسيا والصين، بيانات تُدين هذا التطور. وصرّح الرئيس دونالد ترامب بان «الحديث عن سياسة الاسترضاء» لا يجدي نفعاً. وتشكل كوريا الشمالية، في الأساس، مشكلة لهذا العالم، غير قابلة للحل. إن التفاوض مع دكتاتور يمتلك الأسلحة النووية، ويفتخر بخطط مهاجمة الغرب، هو أمر مستحيل؛ ومع ذلك فلا يمكن لأية مبادرة عسكرية على قدم المساواة، لا يمكن أن تحقق السلام على نحو واقعي، من دون وقوع قدر كبير من الدمار أولا. لقد مضى على هذه المعضلة أكثر من عقد من الزمان، منذ توقيع «اتفاقية الإطار» بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، التي كان يُفترض أن تقلص حجم برنامجها النووي بشكل دراماتيكي، مقابل تطبيع بطيء للعلاقات، لكنها انهار أخيرا عام 2003. ومنذ ذلك الوقت، كانت الأهداف الاستراتيجية للكوريين الشماليين متسقة على نطاق واسع، وتستند إلى: أولا، بناء ترسانة عسكرية متطورة بما يكفي لردع المجتمع الدولي عن القيام بعمل عسكري من دون ان يجازف بوقوع كارثة في المنطقة. وثانيا، إقناع الغرب (وأخيراً، الولايات المتحدة) أن بيونغ يانغ قادرة على توجيه الضربة الأولى للعدو. تنمية مستحيلة ويجادل معظم المراقبين أن هذه السياسات مدفوعة بالاعتقاد أن تكتيكات هذا الرجل القوي، هذه هي وحدها الكفيلة – في النهاية – بخلق مناخ يقبل فيه المجتمع الدولي بالتفاوض مع كوريا الشمالية بشأن موضوع العقوبات التي تعزى جزئيا إلى هدر موارد بيونغ يانغ على جيشها – وتجعل، بالتالي، التنمية الاقتصادية في كوريا الشمالية أمراً مستحيلاً. وما تغير في العام الماضي هو أن تسريع بيونغ يانغ للبرامج النووية والصاروخية قد تزامن مع انتخاب رئيس أميركي ربما يكون من أكثر الرؤساء الأميركيين صعوبة في التنبؤ بتصرفاته. حيث يبدو أن موقفه تجاه بيونغ يانغ يتغير كل اسبوع تقريبا. لقد هددنا كوريا الشمالية بـِ «النار والغضب»، وبعد عشرة أيام، صرح ترامب بأن الكوريين الشماليين بدأوا يبدون احترامهم لأميركا؛ والآن يقول إن الاسترضاء غير ذي جدوى! إن عدم القدرة على التنبؤ لهو أمر خطير لأسباب لا حصر لها، لا سيما عندما نتحدث عن الاسلحة النووية. ومع ذلك، فإن الأمر ينطوي على إشكالية خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا العالمية الشائكة، لأن هذا هو الوقت الذي يبرز فيه اهمية التحالفات المتماسكة. وفي حين أن العالم قد يكون متحدا في رغبته في أن يتراجع كيم عن حافة الهاوية، فإن نهج ترامب غير المتوازن يجعل الحلفاء المحتملين يتوقفون للتفكير. سياسة حافة الهاوية ولا بد أن الصينيين، الذين كثيرا ما يتعرضون للهجوم من قبل ترامب، يتساءلون عما يفكر فيه ذلك الرجل القابع في البيت الأبيض. إن آخر ما تريده الصين هو نزاع بين جارتيها «الكوريتين»، اللتين تعتبر كل منهما، بكين حليفتها الوحيدة، بشكل أو بآخر. وعليه، فإن الخطاب الناري الذي يوظفه الرئيس ترامب في هذه الأزمة، لا يحظى بتأييد الصين. وبالمثل، لا بد ان الصين تشعر بالإجهاد من سياسة حافة الهاوية التي ما انفك ينتهجها كيم جونغ اون. وبينما لا يتبقى سوى الرئيس زي جين بينغ، الذي لديه أفضل فرصة لإقناع كيم بأن يأخذ مسارا مختلفا (في المقام الأول من خلال سياسته التجارية)، فإنه يبدو على نحو متزايد كما لو أن عزلة كوريا الشمالية دفعت كيم إلى الاستنتاج القائم على الشعور بالعظمة بأنه لا يمكن الوثوق حتى بالأصدقاء القدامى في بكين. وهذا احتمال يثير قلقا شديداً. نزاع نووي من جانبه،اعلن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون انه لا يوجد «حل عسكري سهل» للتهديد الكوري الشمالي. وذهب ستيف بانون كبير المستشارين الاستراتيجيين السابق للرئيس ترامب، حين قال انه لا يوجد يوجد «حل عسكري» لهذه الأزمة، على الاطلاق. ولكن بانون اصبح خارج البيت الأبيض الآن، وهناك الكثير من الخبراء والمفكرين في المؤسسة العسكرية الأميركية حالياً. وأفادت تقارير بأن الرجل الذي بيده مفاتيح التحكم بالأسلحة النووية سأل خبيراً في السياسة الخارجية لماذا، لا يمكن للولايات المتحدة استخدام الأسلحة النووية طالما أنها تمتلك مثل هذه الأسلحة؟ ولكن الرئيس ينفي ان يكون مثل هذا التساؤل قد صدر عنه (مثال آخر على الأنباء الكاذبة)! وأيا كانت الحقيقة بشأن هذا الادعاء، فإنه من الصعب تجنب الاستنتاج بأن احتمال نشوب نزاع نووي مع كوريا الشمالية هو أمر حقيقي، على نحو يثير الفزع.(اندبندنت )«اندبندنت»
مشاركة :