إرهاصات إعادة تموضع المحاور في المنطقة

  • 8/15/2014
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

التحركات السياسية والدبلوماسية، لزحزحة الوضع السياسي والإنساني المتأزم والملتبس في المنطقة، من غزة إلى العراق ولبنان وسورية واليمن، في الأسبوعين الفائتين، بدأت تتضح معالمها نحو الانفراج، أو قريب منه. مع كون ملامحه لم تتمظهر بعد، هل هي خطوات تكتيكية، على سبيل استراحة محارب، والتقاط الأنفاس، أم هي خطوة استراتيجية تصبو إلى حالة انفراج كامل ودائم في المنطقة؛ قائم على أساسات من توازن الحضور للقوى الفاعلة والفعلية على الأرض والاعتراف بالمصالح المشتركة لكل فريق. والمحاور المقصودة هنا، بغض النظر عن التسميات؛ هي محور الرياض القاهرة أبو ظبي (المحور الأول)، ومحور طهران بغداد دمشق، حزب الله وحماس، (المحور الثاني). مع أن هناك محورا ثالثا لاعبا في المنطقة، وهو محور إسطنبول الدوحة، والذي بدأ دوره يخفت ويضعف، ويكاد يصبح هامشياً، بعد انهيار وسقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر وخروجهم من السلطة. وطبعاً لا يمكن إغفال ثقل ودور إسرائيل، كونها تشكل محورا خاصا بها (المحور الرابع)، ولها أهدافها وأطماعها، التي لا يشاركها فيه أي محور في المنطقة؛ ما عدا المحور الثالث، وعلى خجل. والذي بدوره همش نفسه، بسبب تعالقه السياسي والتجاري المعروف مع محور إسرائيل رغم ادعائه دعم المقاومة في غزة. طبعاً رغم كون المحور الإسرائيلي، لا يمتلك عمقا استراتيجيا في المنطقة؛ كالمحورين الأول والثاني، إلا أن له عمقا سياسيا واقتصاديا وأمنيا داعما، ضارب الأطناب في قارتي أوروبا وأميركا الشمالية. وكذلك بالرغم من كون محور إسرائيل، محورا تخريبيا في المنطقة، نتيجة غطرسته ووهم تفوقه، لحمله الثقافة "اليهو– مسيحية" المعادية للثقافة "العرب – إسلامية" وتعاليه البجح على العرب؛ كونه يمثل امتدادا حضاريا ومدنيا للغرب في منطقة (الجهل والتخلف)؛ إلا أنه منح محاورها المتنازعة عدوا مشتركا مخيفا، يجبرها على وضع خلافاتها جانبا في كثير من الأحيان، والسعي إلى البحث عن حل مرض بينها، لتجنيب المنطقة المزيد من التفتت والتشرذم المفضي إلى الصالح الإسرائيلي، والوقوف أمام العنت والصلف الإسرائيلي صفاً واحداً. ولذلك رغم كون محور إسرائيل يمثل حالة شرذمة وتفتت في المنطقة، إلا أنه في نفس الوقت؛ يعمل كأداة توحيد ورص صفوف المحاور المتنازعة في المنطقة، من وقت لآخر. وهنالك بدأ يتشكل محور (خامس)، ولأول مرة في المنطقة وهو محور الإرهاب، وهو محور جديد وغير رسمي، غامض الملامح والتفاصيل، مشتت التحالف والتكوين، ظهر مؤخرا؛ ليوازي في خطره، خطر إسرائيل عليها في هذه اللحظة، من ناحية زعزعة أمنها والعبث بمكوناتها السياسية الاجتماعية والدينية والطائفية، من خلال العيث فسادا في أرضها، وبتقسيمها وتقطيعها وترويع أهلها. يمكن أن نقول عن محور الإرهاب، إنه فاعل وموجود، يعبث بالساحة العربية؛ ولكنه من الناحية العملية، غير موجود؛ حيث لا توجد له قيادات واضحة وظاهرة، يمكن الجلوس والحديث معها؛ وعليه إبرام التفاهمات وتبادل الصفقات معها والوثوق بها. حيث تعيش وتتحرك المنظمات الإرهابية داخل شرنقة التكفير والإقصاء والقتل؛ حتى فيما بينها، رغم تلاوتها لنفس الخطاب وترديدها نفس الشعارات، ناهيك عمن هم في داخل دائرة التكفير وعليه التصفية بالنسبة لها. ويمكن القول عن التنظيمات الإرهابية، إنها تتحرك في الحاضر؛ ولكنها تعيش في الماضي، ويرعبها المستقبل. المحور الأول والثاني؛ كانا يتنازعان على الهيمنة على المنطقة؛ وعلى التوحد بالقرارات فيها؛ ليس فقط من أجل تحجيم كل منهما للآخر؛ ولكن كذلك من أجل إبراز النفس أمام الغرب للمشاركة بصنع القرار الدولي، لتفادي المفاجآت المميتة. لكنه حل ما سمي بـ"الربيع العربي" والذي كاد الإخوان المسلمون يسيطرون على مقاليد الحكم فيه، في كل من مصر وسورية وليبيا واليمن، وهم في السودان وتونس؛ وبتأييد ومباركة من أميركا والغرب؛ ودعم سياسي ومالي وإعلامي، من قبل المحور الثالث. ونجح الإخوان في الوصول إلى الحكم بسرعة أذهلت الجميع؛ ولكنهم عجزوا عن الاحتفاظ به؛ لعدم قدرتهم على فهم الواقع من حولهم والتمكن من إدارته. تساقط الإخوان من مكان لآخر؛ ولكن شرعت السكاكين والرماح، والتي تلاقطتها التنظيمات الإرهابية؛ وسلطتها على رقاب الناس والحكام على حد سواء. الغرب، الذي أسهم في صنع، ما أسموه "الفوضى الخلاقة" هم أول من استشعر خطر الفوضى والإرهاب على المنطقة، وعليهم على حد سواء. وكذلك استشعر خطر الفوضى والتنظيمات الإرهابية؛ كل من المحورين الأول والثاني على حد سواء. وعليه وضح جليا أن استمرار النزاع بين المحورين، الأول والثاني، لن يصب في صالح أي منهما، وأصبح غير مقبول من قبل أميركا والغرب، وشعوب المنطقة. إذًا أصبح وقف النزاع والتناحر بين المحورين الأول والثاني، ضرورة استراتيجية للمنطقة؛ وبالتالي لكل منهما، غير كونه أصبح مطلبا دوليا لتجنيب المنطقة المزيد من الفوضى وسفك الدماء والتصفيات من قبل التنظيمات الإرهابية، والبطش الإسرائيلي الجائر بالفلسطينيين. كانت هنالك لقاءات وتشاورات بين المحور الأول والقوى العظمى الفاعلة، وكذلك بينها وبين قوى المحور الثاني مما أدى إلى تقريب وجهات النظر بينهما، وتفاعلهما مع القلق الدولي على حاضر المنطقة الهش، ومستقبلها الغامض. التقارب الذي حدث بين المملكة وبعض دول الخليج، من جهة، ومصر من جهة أخرى، أعطى لها ضمانات مطمئنة؛ ولتأكيد ودعم هذه الطمأنينة تم تشكيل محور الرياض القاهرة أبوظبي، حيث يتمتع هذا المحور بالقوة المادية والبشرية والعسكرية؛ التي تمكنه من الدخول في محادثات مع المحور الثاني باطمئنان. وأول بوادر هذا الحلف الحميدة، هي إعلان خادم الحرمين الشريفين الحرب على الإرهاب، بشقيه التنظيمي والدولة. هنا توحدت أهداف المحورين الأول والثاني، وأخذا على عاتقهما السعي لمحاربة الإرهاب، وإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة من جديد. وقد شاهدنا تجاوباً مرضياً من قبل المحور الثاني؛ وذلك بالموافقة على عدم التجديد لرئيس الوزراء العراقي المالكي، لولاية ثالثة. كما شكل دعم المملكة الجيش اللبناني وعودة الرئيس سعدالدين الحريري إلى لبنان بعد غياب ثلاثة سنوات؛ علامات واضحة على التفاهم حول إعادة الاستقرار إلى لبنان، وبداية الاستعداد لتحقيق الاستحقاقات الرئاسية والبرلمانية فيه. وكان تصريح دولة الرئيس الحريري من الرياض، وقبل مغادرته إلى لبنان، بأن حزب الله لا يقاتل الحركات الإرهابية في مدينة عرسال بجانب الجيش؛ لهو دليل واضح على عدم إعطاء الحادثة بعداً طائفياً، كما كان يخطط له الإرهابيون. وكذلك لزوم الجيش السوري حدوده، وعدم هجومه على فلول الإرهابيين الفارين من عرسال، إلى تخوم الحدود السورية؛ والذي لو فعل ذلك، لعاد الإرهابيون على أعقابهم إلى لبنان وانتشروا في مدنه الشمالية والبقاع. وهذا يدل على أن هنالك إرهاصات، للتقارب بين المحورين الرئيسيين في المنطقة، وإعادة تموضع جديدة، يتحدد على مستوى التحديات التي تواجه كلا المحورين والمنطقة بشكل أكبر وأعم. أي أن هذا التقارب يعد بالنسبة للمنطقة الآن صمام الأمان.

مشاركة :