دبي: علاء الدين حافظ وفاروق فياض في خطوة وصفها كثير من المراقبين، بأنها تطور طبيعي لمتانة العلاقة بين الإمارات ومصر، وقعت هيئة موانئ دبي ومنطقة قناة السويس، اتفاقية شراكة يتم بمقتضاها إقامة منطقة حرة باستثمارات إماراتية، تقدر بمليار دولار، وأمام هذه الخطوة التي تنبئ بتحول منطقة قناة السويس من مجرد منطقة عابرة للسفن إلى منطقة دعم لوجيستي متكامل. «الخليج» حاورت الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، لإزاحة الستار عن تفاصيل هذا المشروع، حيث أكد أن المشروع يتضمن تنمية وتطوير مساحة 96 كم2 بمنطقة العين السخنة، تشمل منطقة صناعية، وسكنية، وتطوير ميناء العين السخنة، باستثمارات بلغت مليار دولار.. والى تفاصيل الحوار: نبدأ من حيث اتفاقية الشراكة مع موانئ تم الإعلان عنها مؤخراً.. ماذا عن تفاصيل هذه الاتفاقية؟ المشروع الضخم المستهدف تنفيذه، يتضمن تنمية وتطوير مساحة 96 كم2 بمنطقة العين السخنة، وتشمل منطقة صناعية بمساحة تقريبية 75 كم2 ومنطقة سكنية بمساحة تقريبية 20 كم2 يستوعب ما يقرب من 650 ألف نسمة، وتطوير ميناء العين السخنة بمساحة تقريبية 22 كم2 ويبلغ عدد العمالة المستهدفة بالمنطقة الاقتصادية 500 ألف فرصة عمل مباشرة.ومن المستهدف أن تشتمل المنطقة الصناعية على العديد من الصناعات، وتحديداً الصناعات المتوسطة والصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر والخدمات اللوجستية ومواد البناء والصناعات الغذائية وصناعة الأقمشة والمنسوجات وصناعات الإلكترونيات والاتصالات وقطع غيار السيارات والمدينة الطبية والبتروكيماويات؛ وذلك كخطوة أولى من مراحل المشروع.وهناك خطوط عريضة اتفق عليها الجانبان، أبرزها العمالة؛ إذ ستبلغ حجم العمالة المصرية داخل المشروع ٩٠٪، لضمان ارتفاع مستوى التشغيل للشباب، كما أن نسبة الشريك المصري ٥١٪، مقابل ٤٩٪ للإمارات.وهناك بعض الدراسات التكميلية خاصة بالجدوى الاقتصادية والطرق الاستثمارية، والذي اتفق الجانبان على إسنادها إلى مكتب استشاري متخصص.محاكاة تجربة النجاحمن أين جاءت فكرة الشراكة؟ تم عرض الفكرة من الجانب الإماراتي، وتوجهنا على الفور بعرضها على فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي وجه بسرعة التنفيذ، وتشغيل العمالة، لاسيما في ظل علاقات الإخوة التي تجمع الشعبين المصري والإماراتي، والشراكة في حد ذاتها تعتبر محاكاة تجربة جبل علي الناجحة، من خلال إقامة استثمارات لوجستية للمنطقة الملاصقة لشمال ميناء العين السخنة، مع العلم أن تلك المنطقة تقع داخل حيز المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.ماذا عن التزامات كل دولة وفق بنود الاتفاقية؟ مصر ستقوم بتوفير الأرض، لاسيما وأن المشروع سيقام على مساحة 96 كيلومتراً مربعاً، وتوصيل المياه والكهرباء على رأس الأرض، أما الجانب الإماراتي؛ فسيتولى جلب المستثمرين وتمهيد البنية التحتية، وتوصيل الخدمات للشبكة الداخلية للأرض، من مياه وكهرباء؛ حيث رصد الجانب الإماراتي مليار دولار استثمارات في المشروع.قناة السويس ظلت لسنوات مجرد مجرى مائي.. ما البعد الجديد الذي ستضيفه تلك المشروعات؟ مصر ستتحول إلى مقصد وليس معبراً فحسب، نتيجة القيمة المضافة التي ستضاف على البضاعة التي ستمر عبر القناة، لا سيما وأن هذا هو المفهوم الرئيسي الذي وضعت على أساسه الخطة الرئيسية للصناعات التكميلية، على سبيل المثال: بلغ حجم الحمولة العابرة للممر الملاحي العام الماضي مليار طن، لم يكن للمنطقة أي تدخل بها، رغم أن موقع القناة على رأس البحر الأحمر من العين السخنة، والبحر المتوسط شرق بورسعيد، يتيح لنا دخول المعادلة، إلا أنه ما زال ينقصنا الكثير لتحقيق ذلك.ما الذي تحتاجه الهيئة لدخول معادلة الصناعات التكميلية؟ لابد أن نركز على العمالة الفنية المدربة، خاصة وأننا أهملنا التعليم الفني، لذلك تعاقدنا مع سيمنز لإنشاء مركزين للتدريب شمال وجنوب المنطقة، وسيبدأ العمل بهما نوفمبر القادم، لتجهيز العمالة المطلوبة، خاصة وأنه وفق الاتفاقية الموقعة، ٩٠٪ من حجم العمالة مصري، والمستثمر بدوره سيختبر مهارات العامل ومؤهلاته، لذا يجب تأهيله جيداً.هل هناك اتفاقيات أخرى تعتزم الهيئة توقيعها؟ هناك اتفاقية مع المنطقة الروسية، لإنشاء منطقة صناعية شرق بورسعيد، ولابد أن ننتبه لموقع القناة الاستراتيجي المطل على السوق المصري والإفريقي وكذلك العربي، وعليه فإن أي تصنيع داخل المنطقة سيلقى رواجاً، وتكلفة النقل ستنخفض، نتيجة ملاصقته للممر الملاحي، إلا أنه لابد من توفير المناخ الملائم لجذب تلك الاستثمارات، خاصة فيما يخص قانون الاستثمار.بمناسبة الحديث عن قانون الاستثمار.. هل تتفق مع الرؤية التي تراه محفزاً للمستثمرين؟ القانون الحالي جاذب بشكل كبير، عكس السابق، إذ إنه رفع الحوافز الضريبية للمستثمرين، ما شجعهم على دفع استثماراتهم تجاه المنطقة، بالإضافة إلى ضرورة تطوير البنية التحتية، وتوفير مصادر مياه وطاقة، لضمان تشغيل الماكينات على مدار الساعة، كل هذه الأمور تضمن جذب مزيد من الاستثمارات.الضرائب الصفريةتردد بأن منطقة قناة السويس كان لديها ملاحظات على قانون الاستثمار؟ نعيش داخل مناخ تنافسي، خاصة أن هناك دولاً بالجوار تطبق نظام «الضرائب الصفرية»، وأخرى لا تتعدى نسبتها ٥٪، ولدينا تصل ٢٢.٥٪، لذا تناقشنا مع وزيرة الاستثمار، ووزير المالية، وأبديا تفهماً للأمر، ونجحنا في الحصول على ٥٠٪ إعفاء من الضرائب الاستثمارية للمنطقة الاقتصادية للقناة.كم بلغت عدد المشروعات داخل المحيط الإقليمي للقناة؟ نعمل حالياً على ١٠٥ مشروعات، وأتوقع أن تصل ١٤٠ نهاية العام الجاري.هل ينتابكم أي مخاوف من المشروعات المنافسة داخل المحيط الإقليمي؟ أكبر خطأ التخوف من المنافسة؛ إذ إنها تساهم في تحسين الأداء وتجويده، «تخيل لو فريق كرة في الملعب وحده»، وقناة السويس ممر ملاحي عالمي لا يمكن الاستغناء عنه، بدليل أن معدلات المرور لهذا العام هي الأعلى منذ إنشاء الهيئة، بالإضافة إلى كونها القناة الوحيدة القادرة على التعامل مع السفن العملاقة، لا سيما بعد زيادة العمق لتصل إلى ٢٤م، إذ إن زمن الرحلة من شمال لجنوب القناة الجديدة ١١ ساعة.وإذا تحدثنا عن القناة القطبية، لابد أن نعى أن الملاحة في المياه الثلجية تحتاج مكسرات مكلفة للغاية، وهذا التجمد يصل لفترة ٦ أشهر في العام، وحركة الملاحة تحتاج تعاملاً يومياً، لارتباطها بنقل أغذية وأدوية وبضائع، وقناة السويس هي الممر الوحيد الذي يعمل على مدار الساعة، وتضمن مروراً آمناً ويسيراً.لكن هناك تخوفات من بعض الممارسات البيروقراطية للجهاز الإداري المصري؟ مصر تتغير، ولن يستطيع كائن من كان، العودة بنا إلى البيروقراطية السابقة، صحيح مررنا بظروف صعبة، إلاّ أننا نعيش مرحلة انطلاق في كل شيء، والرئيس عبدالفتاح السيسي يقود الدولة ببراعة، يقود الدفة نحو مرحلة جديدة خالية من البيروقراطية. ودبي خير نموذج أمامنا، استطاعت التغلب على البيروقراطية، واعتمدت بشكل كبير على القطاع الخاص، لابد أن نطور من فكرنا، قناة السويس لدينا منذ ١٨٦٩، إلا أنه لم يتحرك أحد لتطويرها.تحدثتم عن محفزات للمستثمرين.. ما أبرز تلك المحفزات؟ سيتم تقديم فترات سماح للسداد، إلى جانب حزمة من الحوافز الضريبية، سواء تقسيط أو إعفاءات خلال الأعوام الأولى للمشروع.المنافسة ضريبياً ماذا عن الدول المنافسة ضريبياً.. خاصة وأن المنطقة الافتصادية ما زالت الأعلى؟ حالتنا الاقتصادية لا تسمح بإلغاء الضريبة، ونحاول الوصول لحل وسط، خاصة وأن كافة المستثمرين بالداخل يدفعون ضرائب، حتى العامل يدفع ضريبة على الدخل، لا يعقل أن أحصّل ضريبة من المصري ولا أحصّلها من غير المصري.هناك بعض الأصوات التي ترى أن هناك تنافساً بين موانئ دبي وهيئة قناة السويس.. هل ترونها تنافسية أم تكاملية؟ إطلاقاً لا يوجد أي وجه للمنافسة بيننا، نحن نكمل بعضنا البعض، ومنطقة قناة السويس أنسب مكان لامتداد نجاحات موانئ دبي العالمية، وكما ذكرت أعتبر ذلك استكمالاً للنجاح وليس منافسة، بل وإضافة، والعائد في النهاية سيكون على الشعبين.هل سيتم اعتبارها منطقة حرة إماراتية أم مصرية؟ هناك فرق بين المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، قد تحتوى المناطق الاقتصادية على مناطق حرة، والعقلية المصرية أصبحت مرنة، وهو ما ساعدنا على تطبيق القانون وإنشاء منطقة حرة داخل المنطقة الاقتصادية.كم تقدر حجم التجارة التي تمر عبر قناة السويس؟ العام المقبل سيصل حجم التجارة العالمية التي تمر عبر القناة ١١٪، وهى نسبة كبيرة جداً، التي من الممكن أن ترتفع بالقيمة المضافة للصناعات التكميلية، نتيجة قربها من المجرى الملاحي، ما يسهم في زيادة المرور سواء عن طريق إدخال المواد الخام، أو إخراج المنتج المصنع.١١٪ حجم التجارة العالمية مروراً بالقناة.. كم حققت عائداً لمصر؟العام الماضي حققنا 5.1 مليار دولار، ومتوقع أن تصل 5.7 العام الجاري.كيف عاد تعويم الجنيه المصري بالنفع على عوائد القناة؟ في السابق قيمة الدولار بلغت ٨ جنيه، الآن وصلت ١٨ جنيه، الزيادة كبيرة، إلاّ أنني معنيّ بزيادة الدولار، وبالتالي كافة الحسابات تتم وفق العملة الصعبة، لإدخالها البنك المركزي بما يحقق النفع على البلاد.الشريحة الثالثةمع ارتفاع الاحتياطي النقدي إلى ٣٧ مليار دولار.. هل ذلك يمكننا من الاستغناء عن الشريحة الثالثة من قرض صندوق النقد؟ الشريحة الثالثة من القرض ضرورية لاستكمال خطة الإصلاح الاقتصادي، ولا يمكن أن نغفل التعداد السكاني الذي يتزايد ٢,٦ مليون كل عام، ولمجابهة هذه الزيادة لابد أن نوفر عملة صعبة.إلا أن الدين المصري وخدمته وصل لأرقام غير مسبوقة خلال الفترة الماضية؟ بالتأكيد الديون المتراكمة تؤثر على تطوير الدولة، خاصة أنك ملتزم بمواعيد محددة للسداد، إلاّ أنه إرث صعب، والرئيس عبدالفتاح السيسي يضع تلك المشكلة نصب عينيه.السياسة الاقتصادية على مدى العامين الماضيين هل تؤشر بانطلاقة اقتصادية؟ بالطبع، هناك قرارات تم اتخاذها لم نتخيل أنها ستتخذ يوماً، مثل؛ تعويم الجنيه، وتحرير أسعار الوقود، وقانون الاستثمار، الفكر تغير ونسير في الاتجاه الصحيح.هل هناك نية لرفع قيمة الرسوم للسفن التي تعبر قناة السويس؟ منذ توليت رئاسة الهيئة لم أرفع قيمة الرسوم، ولو فعلت لتسببت في خسائر؛ إذ إن تثبيت الأسعار صنع سياسة تسويقية جاذبة.قناة السويس الجديدة أثارت لغطاً كبيراً حول جدواها الاقتصادية.. كيف ترد على ذلك الأمر؟ قناة السويس الجديدة أنقذت المجرى الملاحي، بمعنى أنه كان لدينا ٦٤ سفينة تنتظر دورها للمرور، ولولا القناة الجديدة لاستغرق الأمر يومين، ولابد أن يكون لدينا نظرة مستقبلية «ماذا لو تعطلت أي سفينة داخل الممر؟»، القناة الجديدة ساهمت في رفع درجة الأمان الملاحي.دعونا ننظر للجانب الإيجابي؛ إذ إننا أنجزنا حفر تلك القناة خلال عام واحد، مع الأخذ في الاعتبار أن الدولار حينها كانت قيمته ٧ جنيه ولو انتظرنا لتكلف حفرها ٣ أضعاف.هل تتوقعون انخفاض قيمة الدولار أمام الجنيه؟ بالطبع سينخفض، لكن ليس بالنسبة المتوقعة، كلما زاد الاستثمار واستقرت الأوضاع، سنرى تحسناً في سعر الدولار.كيف تصفون العلاقات الاقتصادية الإماراتية - المصرية؟ مصر والإمارات كيان واحد، وهذا المشروع أبلغ دليل على ذلك، وكلما توحدنا زادت قوتنا، وأجبرنا الجميع على احترامنا، العلاقات أكثر من رائعة على كافة المستويات السياسية والشعبية، «هما في ضهرنا واحنا في ضهرهم».
مشاركة :