بفارغ الصبر، تنتظر ناريمان الضوء الأخضر للعودة إلى مدينتها الرقة، وتحلم بالسير مطولاً في شوارعها وهي تضع مساحيق التجميل على وجهها وتستمع إلى الموسيقى بعدما حرمها تنظيم «داعش» من ذلك خلال سيطرته على المدينة. على غرار هذه الشابة، ينتظر النازحون في مخيم عين عيسى الواقع على بعد أكثر من خمسين كيلومتراً شمال الرقة، أن يتمكنوا من العودة إلى مدينتهم في أقرب وقت ممكن بعدما اقتربت «قوات سورية الديموقراطية» من طرد التنظيم من كل أحياء الرقة، المدينة التي شكلت معقله الأبرز في سورية منذ ثلاث سنوات. وتقول ناريمان العبدالله (19 سنة) وهي ترتدي عباءة لونها زهري فاقع، لوكالة «فرانس برس»: «عندما سأرجع إلى الرقة سأضع الماكياج مجدداً... وأعاود الاستماع إلى الموسيقى بعدما حُرمنا منها في الرقة». وتتابع الشابة التي كانت تعمل مساعدة ممرضة قبل سيطرة التنظيم على المدينة، بحماسة: «سأضع السماعات في أذني وأعود لأمشي في شوارع الرقة... وأرتدي سروالاً». ومنع التنظيم المتطرف النساء من ارتداء الثياب الملونة، وألزمهن بارتداء النقاب الأسود والقفازات وتغطية وجوههن. كما فرض على الرجال ارتداء زي خاص فضفاض يعرف باللباس الأفغاني. ونزحت ناريمان قبل ثلاثة أشهر من مدينة الرقة تزامناً مع دخول «قوات سورية الديموقراطية» المؤلفة من فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن إلى داخل المدينة في إطار عملية عسكرية واسعة كانت بدأتها قبل سبعة أشهر في محافظة الرقة. وباتت هذه القوات على وشك السيطرة الكاملة على المدينة حيث تطارد فلول عناصر لتنظيم في آخر نقاط يختبئون فيها في وسط الرقة. وتقول ناريمان: «اشتقت إلى كل شيء في الرقة... حتى المياه هناك مختلفة، كل شيء مختلف». بين الخيم، تعلو قهقهات أطفال يجرون بأقدام عارية على الأرض خلف السيارات، بينما ينهمك آخرون في إطلاق طائرات ورقية في سماء المخيم. ويغني أحدهم للرقة. على بعد أمتار، تفترش مجموعة من النساء الأرض وتبادر إحداهن إلى سؤال أحدهم أثناء مروره بالقرب منها، «متى بإمكاننا العودة إلى الرقة؟». وتسارع النساء إلى تخبئة وجوههن لدى اقتراب الصحافيين خشية التقاط صور لهن. في المقابل، يقترب نازحون آخرون من أحد المصورين لمشاهدة صور التقطها لمدينة الرقة. وتشرق وجوههم لدى محاولتهم التعرف إلى الأبنية والشوارع. لكن سرعان ما يخيم الوجوم عليهم لدى رؤيتهم للدمار الكبير في بعض الأحياء. وباتت العودة إلى الرقة الحلم الذي يستعجل النازحون تحقيقه. ويقول قيس البوقان (27 سنة)، خريج معهد الموسيقى أنه يحلم بافتتاح معهد لتدريس الموسيقى في مدينته. قبل سيطرة التنظيم على الرقة، أمضى هذا الشاب سنوات في تعليم الطلاب العزف على الآلات الموسيقية، وأحبّها إلى قلبه البيانو والأكورديون. ويقول: «منذ سنوات لم أعزف أو أعلم أحداً الموسيقى. أتمنى أن أعود إلى منزلي وأفتتح معهداً». ويخطط قيس بعد طرد المتطرفين الإرهابيين من المدينة لتنظيم حفلة موسيقية في حديقة الرشيد، إحدى أكبر حدائق الرقة، وأن «أعزف للناس وسط جو من الفرح». وغالبا ما يرى مدرس الموسيقى مدينته «في الحلم»، ويأمل اليوم أن يتمكن في وقت قريب من أن يجتمع بزملائه الموسيقيين «ونغني في الشوارع ويسمعنا كل الناس». وسئم أحمد النوفل (45 سنة) النازح من حي الدرعية في الرقة نمط المعيشة في المخيم الذي يؤوي عشرات آلاف النازحين. ويقول وهو يحتسي الشاي أمام خيمته وملامح التعب بادية على وجهه، «كرهنا المخيم والعيش فيه. لا حائط لدينا نسند ظهرنا إليه. نستمع إلى الراديو ونتصفح الإنترنت كل يوم. نتمنى سماع كلمة «عودوا إلى الرقة» وحينها سيكون العيد». لكن على رغم شوقه هذا، يقول: «والله خائفون أن تكون منازلنا مفخخة ويموت أطفالنا ونفقد أرواحنا بعدما فقدنا كل شيء». في جهة أخرى من المخيم، تتقاسم عائلات عدة خيمة كبيرة، وتفترش أمل جاسم الجمعة (35 سنة) الأرض وحيدة قرب جهاز راديو صغير بحوزتها. وتقول بحزن: «هذه الحرب أخذت مني كل شيء، زوجي وأطفالي وبيتي». وقتل زوج أمل خلال الحرب، وتقول إن عائلته حرمتها أطفالها السبعة، متهمة أسرتها بالانتماء إلى تنظيم «داعش». وتضيف: «آمل أن يعود أولادي ونعيش معاً في الرقة وأنسى كل الألم والتعب اللذين عشتهما في هذه الحرب».
مشاركة :