ما سر غياب المثقفين عن مراكز القرار الثقافي بقلم: محمد الحمامصي

  • 9/26/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ما سر غياب المثقفين عن مراكز القرار الثقافيلا أحد من الكتاب أو القراء العرب ينكر وجود أزمة بين النقد والإبداع، أزمة وصلت إلى حدود القطيعة واختلاط المفاهيم والفوضى أحيانا، لكن هذه الأزمة رغم تعقيداتها، فإنها تملك أسبابا أدت إلى تفاقمها. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الناقدة المصرية مروة مختار حول رؤيتها النقدية وللحراك الثقافي في مصر.العرب محمد الحمامصي [نُشر في 2017/09/26، العدد: 10763، ص(15)]مصر لم تستفد بعد من مثقفيها الحقيقيين قدمت الناقدة والأكاديمية المصرية مروة مختار عضو لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة، العديد من الدراسات والبحوث اللغوية، ففضلا عن أطروحتها للماجستير التي جاءت دراسة نصية في المفضليات، والدكتواره التي أيضا درست عبقرية عمر لمحمود عباس العقاد دراسة نصية، فلها الكثير من الأبحاث في دراسة علم لغة النص وتحليل الخطاب والدراسات البينية التي تدعم الصلة بين علوم اللغة والبلاغة ودورها في تحليل النصوص، منها بحث “العنوان وسيمولوجيا التأويل”، وبحث “مفاهيم نصية في عيار الشعر، وبحث “علم اللغة النصي بين قيود المترجمات ومحاولات التطبيق”، بالإضافة إلى ذلك فهي فاعلة في الحركة الثقافية على اختلاف أنشطتها الفكرية والإبداعية. المثقفون الحقيقيون بداية تؤكد مروة مختار أن المشهد الثقافي المصري يفتقد إلى الرؤية الاستراتيجية أو حتى خطة قصيرة المدى تثمر عن نتائج نبني عليها، وتضع في أولوياتها القوة الناعمة والفاعلة للثقافة، وقدرتها على أن تكون أساسا حقيقيا وشريكا فاعلا في تغيير وتطوير كل ما يمر به المجتمع المصري من أزمات حقيقية. ففي رأيها لم تستفد مصر بعد من مثقفيها الحقيقيين بالقدر الذي ينعكس على حل الأزمات والمشاكل التي تمر بها، وتستجد عليها من آن إلى آخر. تقول مختار “لست من أنصار المقولة الباسمة التي تطلق من مكاتب مكيفة ‘كل شيء على ما يرام’، إذ لدينا مشاكل كثيرة ومتراكمة ومتشعبة، تبدأ من عدم وصول صوت المثقف الحقيقي إلى أصحاب القرار وقدرة أشباه المثقفين على السيطرة على المشهد الثقافي لتشابك المصالح وهذه الفئة لا تقدم رؤى حقيقية، بل تعمل على تثبيت أركانها بشكل أو بآخر، لأن الدرس الذي تعلمته ممن سبقها أن وجودها لن يطول كما كان يحدث قبل ذلك، وأنها ستغادر اليوم أوغدا، لذا عليها أن تستفيد قدر المستطاع من مكانها حتى تكتب لها المغادرة أو تمهد لنفسها مكانا أعلى إن غادرت، وهذه النوعية ليست معنية بالأساس بتطوير أو وضع رؤية تنهض بالمؤسسة الثقافية وتطويرها انطلاقا من مشاكلها التي تتراكم حتى كادت تلفظ أنفاسها قدر عنايتها بتثبيت دعائم الكرسي الذي تشغله”. وترى الناقدة أن المشهد الثقافي الرسمي ما زال يفرق بين نخبة وجمهور، والجمهور صنع عالمه الموازي بداية من وسائل التواصل الاجتماعي، ومرورا بالمراكز والمنتديات والحلقات التي نشأت مؤخرا، ولم تقطع صلتها بالمشهد الثقافي الرسمي في محاولة منها تحويل ما همش عمدا أو دون عمد إلى متن فاعل ومؤثر في المشهد الثقافي وحركته. وتلفت ضيفتنا إلى أن الحركة النقدية جزء من مشهد عام، وما يطرأ عليها هو انعكاس وصدى لما يدور حولنا بداية من مؤسسة تعليمية تهمل التفكير النقدي وتدعم الحفظ، وأقسام لغات تقبل الطلاب بمجموع مرتفع وقسم يقبل بمجموع أقل بكثير، وتعليم يصدر لك في المرحلة الجامعية مبدئيا طالبا همه الأول الحفظ والدرجة أو التقدير لا كيفية الاستفادة من سنوات الجامعة في تطويرعقليته قدر المستطاع لتخرج لك عقلا ناقدا بصفة عامة أو ناقدا أدبيا بصفة خاصة.الحركة النقدية جزء من مشهد عام، وما يطرأ عليها هو انعكاس وصدى لما يدور حولنا بداية من مؤسسة تعليمية تتابع مختار “النقد عمل موسوعي بالدرجة الأولى يتطلب قراءة مستمرة في مناح متعددة وتدريب مستمر على السؤال والحوار وتربية حساسية داخلية تجاه ما يحيط بنا، لا عبور كل شيء بل الوقوف والتأمل. وقد فتحت البعثات إلى الخارج قديما لأساتذتنا عوالم انعكست على تفكيرهم وأبحثاهم فضلا عن إجادتهم لغة أجنبية أو أكثر بالإضافة إلى إتقانهم العربية في المقام الأول. والخروج منها يبدأ بالعمل على مستويين: تطوير المناهج في مراحل التعليم المختلفة بشكل حقيقي بعيدا عن مافيا الكتب الخارجية المسيطرة على صناعته، وإلغاء الكتاب الجامعي والاعتماد على العمل البحثي في مرحلة التعليم الجامعي. فضلا عن عدد هائل من الطلاب في مرحلة الدراسات العليا يكملون النهج نفسه إلا من عمل على تطوير نفسه وقدراته واستجاب لنداء بعض الأساتذة، وأغلب الأبحاث تتجه إلى الأدب الرسمي دون أن تطرح سؤالا جديدا عليه، ودون أن تفكر في دراسة الأدب المعاصر لها بشكل يفيدنا في إجراء مسح شامل للمبدعين المعاصرين لجيلنا واكتفت بالعمل في الجانب الآمن والشكل الكلاسيكي المستقر وما خرج عن ذلك محاولات فردية”. لكن مروة مختار تذكر كذلك أن مصر لديها مجموعة من النقاد داخل المجال الأكاديمي وخارجه، يعملون بكل دأب وإخلاص على مشاريعهم الخاصة، ولكنهم لم ينالوا حظا من تسليط الضوء عليهم لتقرأ أعمالهم وتناقش بشكل جاد وعلى نطاق واسع، بعضهم ما زال داخل مصر وبعضهم الآخر خارجها. بين النقد والإبداع تشير مختار إلى أن المشهد الإبداعي شعرا ونثرا في اتساع مستمر، ولم تستطع الحركة النقدية متابعته بشكل جاد، لأن تطوره السريع فاق الحركة النقدية داخل أسوار الجامعة وخارجها، وتباينت مستوياته الفنية وتعددت شرائح التلقي بتعدد مستوياته، وأتاح النشر الخاص والنشر الإلكتروني فرصة كبيرة لظهور الأقلام الشابة، ولا يظن أحد أنه يستطيع السيطرة على هذا التنامي المستمر خاصة بعد ظهور الجوائز المحلية والعربية.مصر لديها مجموعة من النقاد داخل المجال الأكاديمي وخارجه، يعملون بكل دأب وإخلاص على مشاريعهم الخاصة، ولكنهم لم ينالوا حظا من تسليط الضوء عليهم وتضيف الناقدة “ما يعنيني بوصفي أستاذة جامعية وناقدة هو تنمية التفكير النقدي ومحاولة تطوير ذائقة الطلاب، وتقديم نماذج ومناقشتها بشكل يساعدهم على الاختيار في ما بعد. الغزارة في الإنتاج والنشر بها الغث والسمين والبقاء الأدبي للقيمة الفنية للعمل وفكرته وقدرته على النفاذ للمتلقي لا الأكثر مبيعا أوالبيست سيلر، وربما غزارة الإنتاج خلقت نوعا من الحراك الثقافي بعقد الندوات والمناقشات لقراءة هذه الأعمال بشكل جاد أو الترويج لها. وحول مسيرتها العلمية تقول مروة مختار “في الكتاب الأول كان همي تطويع المنهج الغربي لدراسة نص عربي، بالإضافة إلى الاقتراب من رموز فكرية كادت تقدّس، ومحاولة محاورتها ومناقشتها فكريا انطلاقا من لغتها واهتممت بالعقاد في الكتاب الثاني فكان همي إثبات أن هناك وحدة داخلية رغم تعدد الصور في القصيدة القديمة التي رميت قديما وحديثا بتهمة تفكك عضويتها. تابعت عملي في بحث آخر بعد الدكتوراه عن تحليل الخطاب الثقافي في القصيدة القديمة، والبحث عن بعض المفاهيم النصية في كتب التراث مثل عيار الشعر لابن طباطبا، فأنا مؤمنة بأن العلوم الإنسانية متصلة وإن لم تنشأ في مكان واحد فطبيعة النفس البشرية تؤثر وتتأثر هنا وهناك. فضلا عن أن التراث في حاجة إلى قراءة مغايرة بشكل مستمر”. تتابع الناقدة “يدفعني في اشتغالي النقدي حبي وشعفي بالتأويل، فضلا عن طبيعتي الإنسانية، التي تبحث دوما عن الوحدة من خلال التعدد، لخلق مساحة مشتركة من الحوار، وإن اختلفنا في أشياء كثيرة. فالثراء ينتج من التعددية لا الصوت الواحد. وأخيرا أعمل على بحث عن التأويل والمقدس وتحرير الوعي. من جهة أخرى فإن عملي بالتدريس الجامعي لمدة قاربت 15 عاما أكسبني خبرة كبيرة في فهم شرائح التلقي، وهذا مهم لمن يعمل بالكتابة بصفة عامة وبالنقد بصفة خاصة. ودوما يشغلني تطوير المناهج النقدية عن طريق الممارسة، كما يشغلني وصول الكتابة النقدية إلى شرائح تلقّ متعددة بعد عزوفها عنها، وإعادة الثقة بين المبدع والناقد وكسر حاجز الفوقية بينهما”.

مشاركة :