جسد أم رأس!؟ - فهد عامر الأحمدي

  • 8/16/2014
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

الإنجازات العظيمة تنمو غالباً دون ضجيج.. لا تأتي دفعة واحدة ولا تظهر أمامنا بطريقة مفاجئة.. كثير منها ينمو ويتعملق في غفلة من الزمن مثل ابن يكبر بالتدريج حتى تفاجأ بإحدى صوره القديمة.. وعمليات زرع الأعضاء من الإنجازات العظيمة التي تطورت بطريقة صامتة بحيث لم يعد أحد يلاحظ حجم المعجزات التي تحدث فيها.. فبعد أن كانت الفكرة من قبيل الخيال العلمي، أصبح اليوم من المعتاد زرع أعضاء رئيسية كالقلب والكلية والكبد والأطراف وكان "زرع الوجه" هو آخر الإنجازات العظيمة.. المرحلة التالية ستكون العودة إلى الحلم الأساسي والأكثر إثارة وهو زرع رأس قديم فوق جسد جديد (أو ربما العكس، زرع رأس جديد فوق جسد قديم)!! فبدل زرع الأعضاء المريضة (قطعة قطعة) يكون من الأسهل تغيير الجسد كاملاً.. يصبح من الأفضل زرع رأس إنسان مريض أو رجل عجوز فوق جسد شاب توفي حديثاً بحيث يمكنه "الخدمة" لستين سنة قادمة.. والوصول لمرحلة زرع الرأس (التي رأيناها كثيراً في أفلام الخيال العلمي) ستكون نهاية المطاف ليس فقط لزراعة الأعضاء، بل لحلم قديم رافق الإنسان منذ تعلم قطع رؤوس الآخرين.. فمحاولات كهذه وردت في مخطوطات شيان الصينية قبل أربعة آلاف عام حين أمر الإمبراطور شنغتان بمحاولة زرع رأس ابنه المغدور فوق جسد أحد الجنود.. كما حاول الأطباء الهنود أيام الحكم المغولي الإسلامي تجريب هذه الفكرة وربط الرؤوس المقطوعة (في ساحات الإعدام) فوق الأجساد التي ماتزال تنزف دماً لعلها تفوق من غيبوبتها... وفي الثلث الأول من القرن العشرين (وتحديداً عام 1928) نجح الطبيب الروسي سيرجي بروكونينكو في الاحتفاظ برأس كلب مقطوع حياً لمدة عامين من خلال آلة تضخ الدم والغذاء بصورة طبيعية للرأس المقطوع (وهي بالمناسبة نواة الآلة المستعملة حالياً في العمليات الجراحية).. وفي عام 1954 قام تلميذه فلاديمير ديموكوف بزراعة (رأس إضافي مقطوع) بحيث أصبح لديه كلب برأسين مختلفين عرضهما أمام كاميرات التلفزيون في معمله خارج موسكو! غير أن جميع العمليات القديمة والجديدة كانت تفشل غالباً لسببين: الأول بسبب آلية الرفض المناعي (التي أمكن تثبيطها هذه الأيام من خلال عقاقير خاصة). والثاني بسبب عجز الأطباء عن ربط الأعصاب والحبل الشوكي (الممتد داخل العمود الفقري) بقاعدة الدماغ.. ففي حوادث كثيرة قد ينقطع هذا الحبل فيصاب المرء بالشلل التام من النقطة التي انقطع فيها حتى أسفل القدمين.. وفي حالة كُسرت الرقبة نفسها (كما حدث لبطل السباقات العالمي شوماخر والممثل كريستوفر رييف الذي لعب دور سوبرمان) يصبح الشلل كاملاً من الرقبة حتى أسفل الجسد. وقد حاولت مراكز طبية متقدمة في أمريكا مساعدة رييف (الذي يملك ثروة كبيرة) وإعادة وصل الحبل الشوكي من منطقة الرقبة ولكن بلا فائدة. غير أن مجرد إجراء هذه العمليات زود الأطباء بخبرات كبيرة جعلتهم يقتربون فعلاً من تحقيق هذه النتيجة لولا وفاة المثل نفسه في أكتوبر2004!! واليوم تكاد تصل علميات زرع رؤوس القردة إلى مستوى يُنبئ بإمكانية تطبيق الفكرة على الإنسان في المستقبل القريب!! وحتى ذلك الحين سأترك لك خيار تكذيبها أو التفكر في تداعياتها.. المهم فعلاً أن تتذكر دائماً أن الإنجازات العظيمة تنمو دون ضجيج، في حين يثير الضجيج من يعجز عن النمو بشكل سليم!!

مشاركة :