تباينت الآراء بين مؤيد ومعارض حول قرار ديوان الخدمة المدنية رقم 8 لسنة 2017، والصادر في شهر يوليو من هذا العام، والقاضي بإلغاء كل حالات الإعفاء من بصمة الحضور والانصراف لموظفي الجهات الحكومية، اعتباراً من أكتوبر المقبل، ولكن لم تتطرق الآراء إلى الحلول الممكنة، التي تجمع بين رغبة ديوان الخدمة المدنية في تحقيق مزيد من الانضباط، وبين تبني النظم الإدارية الحديثة، التي تقوم على الثقة في الموظفين والتركيز على انتاجيتهم بدلا من مجرد حضورهم وانصرافهم في أوقات محددة. ومع أن ظاهر قرار ديوان الخدمة المدنية يحقق الانضباط العام، فإنه يحمل بعض السلبيات، ويكرس وضعاً اعتادت عليه الدوائر والمؤسسات الحكومية، وهو ذهاب الموظفين وعودتهم في التوقيت نفسه تقريباً، ومن سلبيات ذلك:1 ــ وجود حالات من الاختناق المروري والازدحام، مما قد يؤدي إلى بعض الآثار السلبية، مثل الحوادث، أو انخفاض الانتاجية للموظف، أو تأخره عن عمله.2 ــ تكدس الموظفين في المكاتب في التوقيت نفسه، مما يقلل من انتاجية الموظف، ويزيد من وجود بطالة مقنعة، ويُخفض حجم انجاز المعاملات.3 ــ احتمال أن يدفع هذا القرار الكثير من الموظفين إلى التقاعد المبكر، خصوصاً من أمضوا 25 سنة في الخدمة، وكذلك شاغلي الوظائف القيادية والاشرافية.4 ــ اضطرار بعض المسؤولين الى الاستمرار بعد ساعات الدوام الرسمية، لعقد اجتماعات او لقاءات او مقابلات، ومع التقيد بالبصمة فإن ردة الفعل المتوقعة قد تكون «خلص الدوام الرسمي راجعنا باجر».5 ــ عدم توافر مواقف سيارات كافية للموظفين والمراجعين، مما يسبب تأخر الموظفين وتذمر المراجعين، خصوصاً في وقت الصيف. ويبدو التساؤل منطقياً حول السبيل للمواءمة بين هذا القرار وبين الآراء المعارضة. ومن خلال النظر الى التجارب الحديثة في نظم الإدارة، التي انتهجتها العديد من الدول عالمياً وعربياً، فإن نظام الدوام المرن يقدم مخرجاً محتملاً لهذا الاختلاف، ووسيلة إدارية جديدة تتماشى مع الطبيعة الشبابية والحيوية للمجتمع الكويتي، ومجالاً لتحقيق منافع اقتصادية عدة. ويقدم نظام الدوام المرن وسائل عديدة لمواءمة الوقت والمكان والطريقة لأداء عملك، فلو افترضنا ان ساعات العمل متغيرة، بحيث تكون هناك ثلاث فترات، تبدأ الاولى من الساعة 7.30 صباحا وحتى 2.30 ظهراً، وتبدأ الثانية 8.30 صباحاً وحتى 3.30 عصراً، والثالثة من 9.30 صباحاً وحتى 4.30 عصراً. كما يمكن أن تكون المرونة من خلال تقليل أيام العمل الاسبوعية مع توزيع ساعات عمل الايام الملغاة على باقي أيام العمل، بحيث لا يقل عدد هذه الساعات اسبوعياً عن المعدل القانوني وفق المعايير الكويتية والدولية. ومن واقع التجارب الدولية، فإن ثمة مزايا ظهرت من تطبيق هذا النظام يمكن أن تُجمل في النقاط التالية:أ ــ استمرارية تقديم الخدمات في المؤسسات والمنشآت المختلفة لفترات أطول.ب ــ عدم تضييق الخناق على من أمضوا 25 سنة في الخدمة، وإذا افترضنا أن كل مواطن يعمل في الجهات الحكومية، ولا يقل عمره عن الخمسين عاماً، يكون قد أمضى 25 سنة في الخدمة، فإن العدد لهؤلاء بلغ 24 ألف مواطن تقريباً وفقاً لإحصائيات الإدارة المركزية للإحصاء لعام 2016.ت ــ التخفيف من حدة الاختناقات المرورية، حيث ستقل نسبة المركبات المتواجدة في الطرقات في التوقيت نفسه (قبل بداية الدوام وبعد نهايته).ث ــ إتاحة المجال لتنسيق الوقت، وإيجاد قدر من التوازن بين الحياة العملية والاجتماعية، خصوصاً للنساء، اللاتي جرى العرف أنهن يتحملن العديد من المسؤوليات الأسرية بجانب عملهن، وهو ما يقلل الغياب والاستئذان.ج ــ زيادة الانتاجية للموظفين، لأن هذه المرونة توفر الوقت المناسب للموظفين، الذين تزيد انتاجيتهم في الصباح، وأولئك الذين تزيد إنتاجيتهم في المساء، فالأهمية للانتاجية وليست لساعات العمل.ح ــ توفير بعض التكاليف، والمتمثلة في توفير مساحات أو مواصلات مطلوبة لتلبية حضور وانصراف الموظفين او المراجعين في التوقيت نفسه. ونتيجة المزايا والفوائد المحتملة من هذا النظام، فقد تبنته العديد من الدول، من بينها الأردن والبحرين وأميركا وبريطانيا. ورغم المزايا المتوقعة من نظام العمل المرن، فقد تصاحبه بعض السلبيات الجانبية، التي يمكن تفاديها أو تقليل آثارها، حتى يؤتي ثماره، ففي بعض بيئات العمل لا يستطيع بعض الموظفين العمل إلا في وجود فريق العمل كاملاً، لذا يجب أن تكون هناك ساعات أساسية وأيام أساسية مشتركة يتواجد فيها كل الموظفين. كذلك يحتاج مثل هذا النظام إلى توعية الجهات المعنية بفوائده، لكي تتقبل خوض هذه التجربة بأفق واسع وفكر مستنير، ولو من قبيل إيجاد حلول غير تقليدية، خاصة أن ثمة سوابق ناجحة، ولعل أبرزها تجربة مجمع الخدمات الحكومية المتكاملة (الحكومة مول). وأخيراً قد تنتج عن هذا النظام زيادة بسيطة في استهلاك الطاقة في أماكن العمل، ولكن قد تعوض ذلك زيادة الانتاجية والرضاء الوظيفي العام، وتسهيل انجاز المعاملات للمراجعين. والمجال متاح لدراسة هذا المقترح واستطلاع الرأي بشأنه قبل إصدار قرار متعجل بهذا الخصوص. حمد جراح عمر درباس العمرنائب المدير العاملغرفة تجارة وصناعة الكويت
مشاركة :