لذة القيل والقال - مقالات

  • 9/28/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

شاركت في تاريخ 21 سبتمبر في المؤتمر الدولي الأول للتأهيل النفسي والاجتماعي في أبو ظبي. وكالمعتاد كانت المشاركة مفيدة وممتعة، ومن هنا أقترح على كل ذوي الاختصاصات الحضور في الندوات والاجتماعات الخاصة بتخصصهم، حيث أهم فائدة يكتسبها المختص من ذلك هو مشاهدة من هو أعلم منه حتى لا يصيبه الغرور مهما كان متمكناً في مجاله. قدَّمت في المؤتمر دراسة حالة لإحدى مراجعاتي في مركز الاستشارات والتي كانت تعاني من الاكتئاب الشديد وضعف الثقة بالنفس نتيجة زواج زوجها بأخرى. بالطبع بسبب حساسية الموضوع وجاذبيته للجمهور راجعتني بعض الصحافيات لعمل لقاء حول الدراسة ونشره في الجرائد الإماراتية، وبالفعل تم نشر الخبر واللقاء بأمانة تامة وكما صرَّحتُ به، لكن مع عنوان اختارته الصحافة من نفسها بشكل خاطئ ومثير للجدل، وهو تأهيل الزوجة الأولى لتقبل زواج زوجها بالثانية. وانتشر الخبر وكأنني أقمت دورة للنساء اقنعهن فيها كي يتقبلن بزواج ازواجهن! بالطبع الخبر انتشر بسرعة البرق وقامت القيامة الكبرى ضدي، وكم بودي لو استطعت أن أقوم باستطلاع رأي وأسال آلاف المعلقين على الخبر بالسب والشتم لي، هل قرأتم الخبر كاملاً أم اكتفيتم بالعنوان؟ ولو تم ذلك ماذا فهمتم منه؟ اكاد أجزم بأن 90 في المئة من المعترضين والشامتين لم يقرأوا الخبر واكتفوا بالعنوان! انتهزت هذه الفرصة كي احلل الحدث وردود الأفعال سيكولوجياً وأنظر اليه وكأنني خارجة عن الحدث ولست المعنية فيه، ومن هذه المشاهدة توصلت الى هذه الملاحظات: 1 - السلوك الراقي والانتباه الى القول والفعل وعدم الخوض في القيل والقال، لا يأتي بالشهادة والتخصص حتى لو كان الشخص دكتوراً في علم النفس، ولا يأتي بقراءة الكتب حتى لو كان مكتبة متنقلة، ولا بأن نسمي أنفسنا مثقفين فهذه الأمور كلها وسائل، لكن الأصل هو الانتباه والوعي الدائم والمستمر لسلوكياتنا قبل أن ننتبه لسلوك الاخرين ونسعى لتغييرها، فالأولى أن نهذّب أنفسنا أولاً. حيث انجرف مع التيار في هذا الحدث، المختص والمثقف وغيرهما، وللأسف كان بينهم ممن لم يسلكوا السلوك الراقي في التعامل مع الموضوع. 2 - التناقض كان صارخاً في ردة فعل أصحاب شعارات حقوق المرأة والتنوير و... الخ. فهم من جهة يعترضون على علماء الدين بأن تعاملكم لا انساني حيث تخرجون المرأة من الملة لو أنها لم تلتزم بحكم من أحكام الدين، مثل الحجاب، أو انكم تنتقصون من شأن المرأة بأنها كذا وكذا. في حين أن المرأة في نظرهم يجب أن تكون سعيدة وحرة وتستحق الحياة الوردية، لكن بشرط... ألا تكون زوجة ثانية، فلو أصبحت زوجة ثانية تخرج من الطبقة الجنسية وتصير كائناً من المريخ او اصلاً شبحاً لا مرئياً، فهم حين يهجمون على الرجل بأنه يتزوج بأخرى يتحدثون بطريقة وكأن التي تزوج منها كائن غير موجود على الأرض، ولا يعلمون ما هو جنسها. وفي أحسن الحالات يصورونها بأنها تزوجت برجل متزوج بسبب ضغط وظلم رجل آخر، والذي هو والدها او اخوها. قد يكون هذا الامر صحيحاً في الدول الفقيرة، ولكن ما اشاهده لدى من يراجعوني في مركز الاستشارة او الرسائل التي تصلني من مختلف الدول العربية من زوجات تزوجن برجل متزوج، هو أنهن تزوجن بكامل رغبتهن رغم اعتراضات الأهل والوالدين. فلو أعلن أنني أقدم دورة «كيف تجعلين زوجك يطلق زوجته الثانية»، لربما صفقوا لي ولقَّبوني بسفيرة الصحة النفسية للمرأة وغيرها من الألقاب الرنانة، ولم يتساءلوا أليست الزوجة الثانية، امرأة؟ ماذا عن صحتها النفسية؟ 3 - احدى الملاحظات المهمة التي لفتت انتباهي، هي أن الناس تريد من الزوجة الأولى ألاّ تتغلب على الصدمة وتبقى متألمة ومقهورة، ويا حبذا لو تموت كمداً وغماً، فهذا أفضل وأفضل في رأيهن، وذلك كله حتى يشعر زوجها بتأنيب الضمير ويكون عبرة للآخرين كي لا يتزوجوا. في الحقيقة هم يريدونها ضحية لسعادة حياتهم الزوجية، ولا يهمهم سلامة هذه المرأة المتعرضة للصدمة ولا سلامتها النفسية. 4 - الملاحظة الأخيرة والمهمة جداً، هي الذاتية في اصدار الاحكام حول القضايا العامة بدلاً عن الموضوعية. فقد رأيت الكثير من النساء ممن يعترضن وبشدة على موضوع تعدد الزوجات حتى يكاد يصل ببعضهن إلى التشكيك بمسلّمات، لكن خلال فترة قصيرة أحياناً لا تتعدى الأشهر يتغير الوضع لديها وتقع في حب رجل متزوج فتتغير آراؤها 180 درجة وتتحدث عن تعدد الزوجات بأنه حكم انساني ولصالح المرأة أكثر من الرجل وأن النساء جميعهن يجب أن يرتقين بتفكيرهن ويتخلصن من أنانيتهن في النظرة الحصرية تجاه أزواجهن. وثم بعد فترة قصيرة إذا افترقا لأي سبب ولم تتزوج منه او لم يتزوجها تتغير مرة أخرى الى أن حكم تعدد الزوجات لا يصلح للمجتمع وهو كذا وكذا. وهذه الذاتية في اصدار الحكم لا تختص الفتيات الشابات فقط بل رأيته من المثقفات وصاحبات القلم والناضجات في العمر كيف تتغير مواقفهن بتغير مصالحهن من الحكم! في الحقيقة هذا الامر يشير إلى عدم النمو المعرفي، حيث لا نستطيع إخراج أنفسنا من الحدث حين نريد ان نحكم عليه بل تكون احكامنا تابعة ونابعة من رغباتنا واحتياجاتنا اللحظية وبما أن الاحتياجات متغيرة تتغير معها مواقفنا. وكم نظلم الاخرين في احكامنا فقط لأننا لسنا في الموقف الذي هم فيه. في النهاية القيل والقال لذيذ، لكنه يجعلنا لا نرتقي في تفكيرنا ومشاعرنا وسلوكياتنا. mosawi.75@gmail.com

مشاركة :