مبادرة عراقية لمكافحة الكراهية لا غالب ولا مغلوب فيهاالتصعيد السياسي الذي تغذيه ماكينة الكراهية الإعلامية الممزقة للنسيج الاجتماعي بدأ يكوّن اصطفافات اجتماعية تتخذ من الكراهية شعارا لها. ومع تصاعد الجدل والاتهامات المتبادلة، كان لا بد من الدعوة إلى لقاء يضم الشخصيات العراقية التي تريد مد جسور الثقة وتركز على إرساء مبادئ التسامح والحوار والسلام.العرب [نُشر في 2017/09/28، العدد: 10765، ص(13)]ملتقى يرمم النسيج الاجتماعي في العراق أربيل - بمبادرة من منظمات مجلس الاعتدال، وصوتنا، والنجدة الشعبية، والبحوث والتنمية، وشبكة تحالف الأقليات العراقية، عقد في 21 سبتمبر 2017 الملتقى الأول في أربيل تحت عنوان “نحو مقاربة جديدة خارج إطار (الغالب والمغلوب): ضد الكراهية الاجتماعية والسياسية”، وبمشاركة مجموعة من المثقفين وأساتذة الجامعات وناشطي السلام والتعايش المشترك ومنظمات المجتمع المدني والحقوقيين والإعلاميين وممثلي الأقليات من مختلف مكونات الشعب العراقي. المبادرة لم يكن موضوعها الاستفتاء للشعب الكردستاني، وإنما التركيز والعمل على كسر الاصطفاف القسري “إما معي أو ضدي” وتكوين مسار اجتماعي يرفض خطاب الكراهية والفتن إزاء أي مكوّن عراقي، مع بناء جسور الثقة الاجتماعية الضرورية للتواصل الإيجابي. مجموعة من الشخصيات العراقية تسعى إلى تنبيه المجتمع العراقي لخطورة الانجرار وراء التصريحات والخطابات الاستفزازية والرنانة والرد عليها. كما تعمل على جعل الحوار الاجتماعي ما بين الشرائح متعددة المسارات لا يتلوث بالكراهية، ولا ينجر للانزلاق نحو صراع عربي كردي. الأهداف المنشودة من هذا الملتقى كثيرة ومتنوعة بتنوع المشاكل التي تهدد المجتمع العراقي، فهي تسعى إلى منع وتجريم التحشيد الذي يحرض على الكراهية ويبني رأيا عاما يؤلب فئة ضد أخرى، وتجمع الأصوات المعتدلة والرافضة للكراهية باتجاه تفعيل خطاب اجتماعي وسياسي وديني معتدل، وكما قال أحد المشاركين في الملتقى، وهو وليم وردا، مسؤول العلاقات العامة في منظمة حمورابي لحقوق الإنسان “علينا أن نوظف أكبر قدر من الحكمة والفطنة والاستيعاب الصحيح لما يجري الآن، وإلاّ فإن حادثا عسكريا بسيطا قد يكون خط شروع لحرب ضروس تأتي على ما تبقى من آمال شعوبنا”.ضرورة تثبيت وتطبيق مبدأ الدين لله والوطن للجميع بطريقة عملية ملموسة من قبل القائمين على الدولة والعملية السياسية التوصيات التي خرج بها ملتقى أربيل، وبحضور 42 شخصية من 11 محافظة عراقية، قدمت ورقات بحث ومبادرات ومداخلات ومناقشات اتسمت بالشفافية والصراحة والشجاعة والمسؤولية، تمثلت في العمل على ضرورة سن وتشريع قوانين رادعة لمواجهة الكراهية والعنف والتطرف مع إلزام المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية بتعزيز التنوع العراقي وحمايته دون إقصاء لأي مكون عراقي. ومن التوصيات التي حرص عليها المشاركون: تفعيل قانون البث العام لسنة 2009 الخاص بمنع الكراهية في وسائل الإعلام، وتفعيل دور المدعي العام للقيام بالمساءلة ورفع الدعاوى ضد مروجي الكراهية والتطرف والإساءة للآخر المختلف، ودون أن يهمل المشاركون التوصية بضرورة دعم دور مؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ برامج خاصة لمواجهة الكراهية والتطرف وخاصة في المناطق التي لا يوجد فيها حراك للمجتمع المدني أي تلك البعيدة عن المدن الرئيسية وتشهد استهداف الأغلبية وليس فقط الأقليات. وأوصى المشاركون في ملتقى “نحو مقاربة جديدة خارج إطار (الغالب والمغلوب): ضد الكراهية الاجتماعية والسياسية” بوضع خطة وطنية شاملة لمراجعة وتعديل المناهج التربوية وخاصة للمدارس الدينية، مع تنفيذ برامج مدنية وطوعية خاصة برفع الوعي لدى الناس للمساءلة ورفع الدعاوى ضد الذين يروجون للكراهية والعنف والتطرف وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، ويكون هذا موازيا مع تشريع قوانين مدنية تتلاءم والتطورات الحضارية المتماشية مع تطور التكنولوجيا باعتبارها وسائل خطيرة وفاعلة في نشر الكراهية والتطرف والعنصرية. وكان تشكيل هيئة عراقية مدنية (هيئة مكافحة الكراهية والتطرف) لمراقبة خطاب الكراهية والتحريض والتطرف تكون لها سلطة معنوية تمكنها من وضع المخالفين في القائمة السوداء من جملة التوصيات التي حرص عليها الملتقى، هذا بالإضافة إلى التوصية بضرورة دعم إنتاج محتوى فني وإعلامي وصحافة مواطن تحث على التآخي والتعايش وقبول المختلف وتبث الأمل والإيجابية وتنشر الأفكار التسامحية. ولم يغفـل المشـاركون في تـوصياتهم الحـث على تشجيع وتمكين مؤسسات المجتمـع المدني من تنفيذ مبادرات حوار مستمرة بين جميع المكونات العراقية لغرض تثبيت وتطبيق مبدأ الدين لله والوطن للجميع بطريقة عملية ملموسة من قبل القائمين على الدولة والعملية السياسية، والأحزاب والهيئات الدينية مع ضرورة تعديل القوانين والتشريعات العراقية النافذة التي تميز بين العراقيين اعتمادا على النصوص الفقهية الدينية واعتماد المواطنة كمعيار أساسي في كافة التشريعات العراقية. ودعا الملتقى رئيس مجلس الوزراء وأعضاء مجلس النواب ولجنة الثقافة والإعلام في المجلس لإحداث تغيير جذري في نهج ومحتوى شبكة الإعلام العراقي بطريقة تحولها إلى مؤسسة خدمية عامة تمثل وتعبر عن تنوع المجتمع العراقي، كما لم يغفل الملتقى عن دعوة الأمم المتحدة بوصفها جهة استشارية للحكومة العراقية والعملية السياسية إلى القيام بدورها في رعاية برامج جديدة وفاعلة تنبع من واقع الحراك العراقي المتعلق بمكافحة التطرف وباقي مظاهر العنف وذلك في سبيل استعادة التعايش بين العراقيين مع حث المفوضية العليا للانتخابات على عدم تسجيل الكيانات السياسية التي تقوم بنشر خطاب الكراهية في برامجها السياسية أو تلك التي تأسست وفق معايير دينية في برامجها وأهدافها.أوصى المشاركون بوضع خطة وطنية شاملة لمراجعة وتعديل المناهج التربوية وخاصة للمدارس الدينية ومن التوصيات العديدة والهامة التي خرج بها المشاركون: * إنشاء شبكات تواصل اجتماعي لإنتاج برامج نشر السلام لمواجهة الكراهية والتطرف، هذا بالإضافة إلى تشكيل مبادرة وطنية دائمة ومستمرة ودورية تقـوم بزيارة المراجع الدينية لحثها على اتخاذ مـواقف حـازمة ضـد الذين يروجـون لخطاب الكـراهية، وتقوم أيضا بزيـارة الأحـزاب السياسية لنفس الهدف وتشجيعها على اتباع قيم الاعتدال وتفعيل أدوات السلام في المؤسسات الحزبية. * توجيه رسالة للأحزاب السياسية لمطالبتها باتباع لغة العقل والحوار في مواجهة المشاكل التي تحدث في ما بين مختلف الأطراف والمكونات. * وضع نهج وطني لوضع سياسات خاصة بتفعيل الإدارة الذاتية لمختلف المكونات والمناطق لتعزيز الانتماءات والحفاظ على الهويات، وتنفيذ قانون 21 لكي يفعل مبدأ اللامركزية في الحكم وحصر السلاح بيد الدولة. * دعوة وزارتي التربية والتعليم العالي إلى تأليف وتدريس مناهج الاعتدال وقيم المواطنة وقبول الآخر وتأهيل الكوادر التدريسية لمواجهة الكراهية والتطرف. * التعاون مع منظمات وشخصيات المجتمع المدني وذوي الاختصاص للمساهمة في إعداد تلك المناهج وبرامج التدريب التي تركز على دور الشباب والنساء وأهالي الضحايا والمتضررين من الكراهية في بناء ثقافة التسامح ومد جسور التواصل بين المكونات العراقية. * العمل على إعداد معايير وطنية ومقاييس علمية للمفردات محل الخلاف مثل التعصب والتمييز والكراهية والاعتدال والتسامح وغيرها، لتكون مرجعا يتفق عليه الناشطون والسياسيون والحقوقيون في إصدار أحكامهم. * العمل على إنتاج مناعة مجتمعية تقابل عمليات التعبئة وبث الكراهية والتمييز والتفرقة الاجتماعية، عبر التشبيك العابر للمكونات وشبكات العلاقات الاجتماعية والمدنية المتضامنة بما في ذلك النخب الثقافية والمهنية عبر نقابات المهندسين والأطباء والمحامين وغيرها من النقابات المهنية.
مشاركة :