هل نحن مستهدفون حقاً كـ"سُنَّة"

  • 9/29/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كادت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا العام الماضي، ونظراً لأنني عايشتها لحظة بلحظة، أن تجعلني مؤمناً تماماً بنظرية المؤامرة العالمية على "الإسلام السُنّي" وعلى الأحزاب والحركات الإسلامية "السُنّية"، فالغرب الذي صمت تماماً على تحركات الانقلابيين وعلى جرائمهم البشعة بحق مدنيين أبرياء لم ينطق إلا عندما بدأ الانقلاب يتقهقر وبدأت الأجهزة الأمنية باعتقال الضالعين بالانقلاب وجرّهم إلى الزنازين داعياً "الشرعية" إلى احترام حقوق الانقلابيين القانونية.. لم يحركهم ليلتها سفك دماء الناس العزّل بالشوارع وتحريك الدبابات والطائرات لقمعهم وقصف برلمانهم.. ما جرح مشاعرهم المرهفة فقط الكدمات التي ظهرت على وجوه بعض قادة الانقلاب. أما لماذا كادت.. ولم تتمكن من تحويل هواجسي حول مؤامرة استهداف السُنّة إلى يقين فذلك مرده لعدة أسباب: أولاً: لأنني بت أميل اليوم إلى أن الغرب عالم يحركه المصالح بالدرجة الأولى، وأنه لا يدرك حقاً تلك الفروق المذهبية بيننا، ولا يعنيه كثيراً ذلك التباين الطائفي والمذهبي والعرقي داخل العالم الإسلامي، ومن النادر أن تجد مسؤولاً غربياً يدرك بشكل واضح تلك الفروق العقائدية بين المذاهب الكبرى داخل الدائرة الإسلامية، فما بالك بالفرق بين الإصلاحيين الشوافع والحوثيين الزيديين في اليمن! أذكر مرة أن حدثني أحد الأصدقاء المقيمين بالولايات المتحدة أنه وخلال نقاشه مع سياسي أمريكي أن ذلك السياسي "أبدى استغراباً شديداً حين علم أن العرب ليسوا كلهم مسلمين، وأن هناك عرباً يهوداً! وبدا غير مصدق حين أخبره صديقي أن المسلمين غير العرب هم من يشكل النسبة الأكبر من مسلمي العالم". وأرى أن هذا الغرب وكما أنه لا يعنيه واقع الحريات العامة وحقوق الإنسان في بلادنا رغم ادعاءاته المصطنعة بذلك -ولعل موقفه وردود أفعاله على الانقلاب العسكري الدموي في مصر خير شاهد- فإنه أيضاً لا يتهم كذلك إلى كون النظام سنياً أم شيعياً، أو أنه يرفع شعارات علمانية أو إسلامية ما دام ذلك النظام يحافظ على مصالح الغرب وعلى فتح أسواقه أمام بضائعهم، وأنه لا يتعامل معهم بمنطق المنافس أو الند، فهم يحبون نموذج التابع والحليف الذليل، ولذلك هم يفضلون نموذج "السيسي" على نموذج "أردوغان". وهذا السلوك الغربي بالمناسبة لا يقتصر فقط تجاه عالمنا العربي والإسلامي؛ إذ سبق للغرب مثلاً أن فضَّل التعامل في تشيلي - وهي إحدى دول أميركا اللاتينية - مع نظام عسكري يقوده ديكتاتور يميني على التعامل مع نظام ديمقراطي مدني يرأسه يساري، ولذلك أيّد ودعم وتواطأ مع الانقلاب العسكري الدموي الذي قاده الجنرال بينوشيه عام 1973 على رئيس البلاد المنتخب سلفادور الليندي، وسكت لسنوات طويلة على سجله الأسود وجرائمه المروعة بحق معارضيه. ثانياً: لأنني موقن اليوم أن غالبية المآسي التي تراكمت فوق "السُنّة" في السنوات الأخيرة نابعة بشكل جوهري من فشل ذاتي لأنظمة الدول السُنّية بالدرجة الأولى، وبسبب غياب كيان سُني جامع للسنة وليس فقط بسبب مؤامرات الآخرين. ولا أعتقد أنه يوجد على وجه الأرض نظام سياسي يتحرك وفق أجندة سُنّية خالصة، فحتى تركيا ورغم أنها صاحبة الموقف الأكثر أخلاقية تجاه الجرائم المرتكبة بحق السُنّة، سواء في العراق أو سوريا أو ميانمار، فإن المحرك الأساسي لها بالدرجة الأولى هو مصالح الشعب التركي، في حين أن المحرك الحقيقي لغالبية الأنظمة العربية السُنّية هو مصالح حكامها ومكاسب الطبقة الملتفة حولهم. خذ مثلاً قضية إبادة مسلمي الروهينغا في ميانمار تلك الأقلية التي وصفتها الأمم المتحدة وليس منظمة التعاون الإسلامي بأنها الفئة الأكثر اضطهاداً على وجه الأرض. دعنا نتفق بدايةً على أن موقف الغرب مخزٍ، وأنه يتجاهل الضغط على حكام ميانمار، وهو ذاته الذي أشغل العالم بالانتهاكات التي تعرضت لها الأقلية اليزيدية والمندانية والمسيحية على يد تنظيم الدولة، وأتبع انتقاداته بتدخل عسكري واسع. لكن هل موقف العالم الإسلامي والدول السنية تحديداً مشرّف؟ فحتى الدول الإسلامية المجاورة لميانمار مثل بنغلاديش وإندونيسيا وماليزيا وبروناي التي يعيش فيها مئات الملايين من المسلمين السُنّة لم تقم بأي جهد حقيقي للضغط على الحكومة البورمية، وبعضها مثل بنغلاديش يتعامل مع اللاجئين الفارين إليها بأرواحهم وأعراضهم كعبء إنساني، بل وصل الأمر بحكومة دكا إلى إغلاق حدودها في وجه بعضهم، وكان كل همها هو إعادتهم بأي ثمن، ناهيك عن ضعف حضور المنظمات الإغاثية الإسلامية في مخيمات النازحين قرب الحدود بين بنغلاديش وميانمار، رغم الحاجة الماسة لعشرات الآلاف منهم إلى أبسط مقومات الحياة، وعلى ما أعتقد فإنه وباستثناء الزيارة التي قامت بها عقيلة الرئيس التركي السيدة أمينة أردوغان مع ابنها ووزير خارجية بلادها، فإنه لم يقُم أي مسؤول أو سياسي أو داعية "سُنّي" بزيارة أولئك المساكين. فهل ما يجري لمسلمي الروهينغا هو حقاً محض مؤامرة خارجية؟ ثالثاً: أعتقد أن سياسة الكيل بمكيالين التي يمارسها الغرب تجاه الأحزاب السياسية والجماعات المسلحة السنية والشيعية نابعة بشكل أساسي من وجود دولة راعية للشيعة في العالم، وهي إيران بوصفها دولة قادرة على الدفاع - وبلغة براغماتية بحتة - عن كل الكيانات والأحزاب والميليشيات المرتبطة بها أمام الغرب وقادرة على الوصول إلى تفاهمات مع الغرب، بل وشراكات معه - كما حصل ويحصل في العراق وسوريا رغم كل الجرائم المروعة التي تورطت بها أذرع إيران هناك، في مشهد مغاير تماماً لما يحصل مع الحركات والجماعات السنية التي لا تعاني فقط من غياب دول قوية ومتماسكة تدافع عنهم، بل إلى خذلان وتآمر الدول والأنظمة السُنية عليهم.. انظر إلى الفرق مثلاً بتعامل الدول العربية السنية مع الأحزاب الإسلامية، ومع تعامل إيران مع حزب الله أو حزب الدعوة، بل دقق النظر إلى كيفية تعامل السعودية أو مصر مع أهم حركة مقاومة سنِّية أي حركة حماس، وإلى تعامل إيران مع ذات الحركة! ثم تلوم الغرب الذي يضع أمن إسرائيل في سلم أولوياته في حال اعتبر المقاومة إرهاباً؟ في سوريا مثلاً وهي المثال الصارخ الأبرز على حجم الخذلان الواقع على العرب السنة اليوم، دعنا نتفق مرة أخرى على أن موقف الغرب والمجتمع الدولي كان مخزياً إلى أبعد الحدود.. ودعنا نتفق على أن جزءاً كبيراً من المجازر وعمليات القتل الوحشية التي ارتكبت بحقهم أنها ارتكبت بمنطق طائفي، وأن تدخل إيران بحرسها الثوري وبميلشياتها الطائفية وتدخل حزب الله تم أيضاً بمنطق طائفي وتحت ظل شعارات الدفاع عن العتبات المقدسة وحماية زينب من السبي رغم كل الحديث المبتذل من طرفهم عن المقاومة والممانعة، لكن هل ما حصل ويحصل في سوريا هو مجرد تآمر إيراني وخذلان دولي؟ أم أن الدول السنِّية تتحمل أيضاً مسؤولية كبيرة بالحال الذي وصلت إليه ملايين السُنّة في سوريا اليوم؟ فجميع تلك الدول -ربما باستثناء دولتين لا أكثر- كانت تتمنى بقاء الأسد وكانت تتمنى وأد الثورة في مهدها، وكانت تتمنى هزيمة الثوار والجيش الحر، وكانت تتمنى اتساع رقعة المآسي وحجم المعاناة في سوريا حتى تستغل ذلك في تلقين شعوبها درساً قاسياً.. إما أن ترضوا بنا وباستبدادنا وفسادنا، وإما أن يحصل لكم ما حصل مع الشعب السوري، وكم كانت تلك الأنظمة فرحة بظهور تنظيم الدولة على الأرض السورية؛ لأنه وفر لها شماعة جديدة يمكن من خلالها مواصلة حكم شعوبها بالحديد والنار تحت حجة محاربة الإرهاب. هل قامت دول سُنّية ولو لمرة واحدة بتزويد الثوار لا سيما بين عامَي (2011 و2013) بسلاح نوعي؟ هل فكرت هذه الدول بتدخل عسكري ما لحماية "السُنة" من سحقهم وقتلهم وانتهاك أعراضهم وكرامتهم؟ هل قامت دولة سنية واحدة بعُشرِ ما قامت به إيران لتثبيت نظام الأسد؟ أم أن همّها كان محصوراً ومنذ البداية بهزيمة روح الثورة داخل شعوبهم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :