دائماً ما اقترنت الأمومة في أذهان النساء خاصة والمجتمع عامة بالألم والتضحية إلى أن اعتادوه حتى في الغناء للأم، فغنوا لألمها "الست دي أمي شقيانة طول عمرها"! لم يسأل أحد: لِم الشقاء مقترن بالنساء طوال فترة أمومتها؟! ولم يسألوا: كيف أثر هذا على نفسيتها؟ وكيف أنهكت روحها؟ ولِم يربطون بين هذا الشقاء وجملة الأمهات الشهيرة عند بلوغهن من الكبر عِتيًاً "يا خسارة عمري اللي ضاع فيكم"، أو أي من الأقوال المتعارف عليها بهذا المضمون أن عمرها ضاع وشبابها فنِي..؟ لم يخطر ببالهم أن يسألوا: كيف تتجنب الأمهات حديثات الأمومة هذه الرحلة المؤلمة. الحقيقة أن النساء أنفسهن جعلوا تقييمهن كأمهات مقترناً بمدى التعب والألم.. فإن زاد الألم وكثرت التضحيات تحصلي على وسام الأمومة بجدارة.. إن كنت أمّاً لطفل واحد فلستِ كأم الطفلين أو الثلاثة، فتلك تضحي أكثر وتتألم أكثر.. إن كان لديك من يساعدك فأنت لستِ أمّاً بالدرجة الكافية.. إن كنت تعتمدين على غيرك في أمور النظافة والترتيب وغيرها من مهام المنزل وتتفرغين للأطفال فقط، فأنت مرفَّهة منعَّمة لا تدرين عن الأمومة شيئاً. لتكوني أمّاً كاملةً مكمّلة بنسبة 100%، يجب أن تقومي بتربية الأبناء والطهي والتنظيف، حتى إيجاد "فردة الشرابات الضايعة"! وبذلك تفوزين في اللعبة وتصبحين الوحش "بذات نفسه". في مجتمعنا، لم يعلمونا شيئاً عن احتياجات الأم خاصةً أو المربي عامة؛ بل أظن أنهم لا يعلمون أصلاً أن هناك احتياجاً للأم، ولو أن الأمهات علمن باحتياجاتهن ووفرْنها لأنفسهن ولم يتحججن بكثرة المعوقات- لهدئ ألمهن وارتاحت روحهن قليلاً، وشعرن بالتوازن في حياتهن، ولأصبحن مثل أمهات إعلانات الحفاضات، أولئك المبتسمات دائماً مع أصعب مهمة على الإطلاق. وإليكم نبذة عن تلك الاحتياجات أو "التانكات" كما سُمّيت في كتاب "سندريلا سيكريت"، فإذا ما امتلأت هذه "التانكات" بتوازن (بلا أي زيادة لواحد على الآخر) توازنت الأم، وإن مال "تانك" عن الآخر اختلَّ توازن حياتها. 1- الاحتياج الروحي فالصلاة في هدوء وخشوع احتياج عندك بلا أي نداءات أو صراخ أو أي من هذا القبيل. التقرب لله ومناجاته والتحدث إليه بما في قلبك، والبحث عن لحظات من الطمأنينة بقرب الله، احتياج عندك. أن تجلسي عدة دقائق يومية في سلام نفسي مع الله هو أسهل وسيلة تجعلك تكملين بخطوات مطمئنة مستقرة في طريق إعمار الكون بالذرية الصالحة.. وفِّري لنفسك هذا الوقت؛ فأنت في أمسّ الحاجة له. 2- الاحتياج العقلي نعم، لعقلك احتياج؛ هو العلم والتطوير.. أن تتوقفي عن تغذية عقلك بحجة ألا وقت لديك وأن الأطفال يأخذون جُلَّ وقتك- هو إهدار لحق عقلك عليك. تعلّمي.. تعلمي أي شيء وكل شيء؛ هوايات لم تألفيها من قبلُ أو هوايات كنت تمارسينها في وقت ما، أو حتى عن تربية أطفالك أو في مجال عملك.. المهم أن تشبعي عقلك بأي عملية تضمن استنباطاً للمعلومات. بعضهن يُشبعنه بالعمل أو الدراسات العليا أو الكورسات، وننكر نحن حقها هذا ونقول إنها تركت أطفالها من أجل نفسها. 3- احتياج التواصل الاجتماعي زيارة الأم لأهلها أو أصحابها توفر لها الشعور بـ"العِزوة".. و ما حاجتها لهذا الشعور؟! تحتاجه لتشعر بأن لها سنداً ومجتمعاً خاصاً بها؛ يعيش ما تعيشه ويكابد ما تكابده ويمر بما تمر به. فهل كنتنَّ تعلمن أن خروجكن مع أصدقائكن هو حق من حقوقكن واحتياج عندكن (ما كل هذه النونات!)، وفي مجتمعنا ينكرون هذا الحق ويقولون "سايبة عيالها وسارحة مع صحابها"! ولكن، فلْتعلمن أن هذا التواصل يجب أن يكون خارج نطاق الواتساب والفيسبوك؛ أي خارج النطاق الافتراضي، يجب أن تتواصلوا في أرض الواقع ولو لمرة شهرياً، فهذا أقدر أن يشبع احتياج "العزوة" عندكن. 4-الاحتياج المادي الملموس هو الاحتياج لأشياء ملموسة مادية، مثل الثياب أو أدوات التجميل أو العطور أو الأكل في أطباق خاصة بهن وعدم السماح للأيدي الصغيرة بالعبث بها.. أكل الأطعمة التي يفضلنها لا التي يفضلها أطفالهن.. أن تمارس الرياضة أو تأخذ وقتاً للكلام في التليفون قليلاً أو قراءة كتاب باسترخاء؛ أو شرب القهوة في هدوء؛ أو حتى الاستمتاع بالاستحمام دون التعجل؛ لأن هناك أطفالاً يصرخون على الباب.. كثير من الأمهات ينكرن هذا الاحتياج عندهن. تجد أغلبهن لا يشترين ثياباً جديدة أو أي شيء يحببنه خاص بهن، فيقلن: أطفالنا أولى به، مع أنهن من الممكن أن يشترين لكل طفل شيئاً واحداً بدلاً من عدة أشياء تؤدي الغرض نفسه وشراء شيء لهن أيضاً، مثل ملابس العيد، فتجدهن يشترين لكل طفل العديد منها ولا يشترين لأنفسهن أي شيء.. لماذا؟! ولا يأكلن في أطباق خاصة بهن؛ بل يأكلن بقايا طعام أطفالهن (خسارة بدل ما نرميه)! مع أنه من الممكن أن نعبِّئه بطريقة لطيفة ونعطيه لمحتاج يأكله بفرح بدلاً من أن يأكلنه على مضض. وقياساً على ذلك، كل احتياج مادي ملموس للأم، فلا رياضة تمارسها؛ لأن أطفالها أولى بالوقت ولا تطبخ لنفسها ما تشتهيه؛ لأن أطفالها لا يأكلونه. 5- الاحتياج العاطفي فهي تحتاج للدعم من الزوج وكلمات التقدير والحب والود وقضاء الوقت معه والخروج معه بمفردهما دون صخب الأطفال خارج منطقة الألعاب الخاصة بهم، وكثيرات كثيرات كثيرات لا يعترفن بهذا الاحتياج إطلاقاً. ومن لا زوج لها؟! أو من فقدت الأمل في زوجها؟! بسيطة، املأن باقي (التانكات)، فتُشبعن عاطفتكن في أطفالكن وأهلكن وعملكن وحتى هواياتكن وستتوازن حياتكنّ بإذن الله. هذه احتياجاتكن وفِّرْنها لأنفسكن وستسعدن إن شاء الله، ولْتعلمن أن لأنفسكن عليكن حقاً ولأطفالكن عليكن حقاً فأعطين كل ذي حق حقه. أعطين أنفسكن حقها وعلِّمن أطفالكن أن يعطوكنَّ حقكن (الكثير من النون مرة أخرى)! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :