«المجتمع والنقد الفني».. معالجات أسلوبية مبتكرة ومضامين جريئة

  • 9/30/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

فاطمة عطفة (أبوظبي) جمال العمل الفني يتمثل في تجدده الدائم، فكلما طال وقوف المشاهد أمام اللوحة، وتأمل تفاصيلها بهدوء وإمعان، يكتشف أشياء جديدة ومختلفة عن انطباعه السابق، حتى كأنه يراها لأول مرة. وحين يألف جيل الكبار نمط حياتهم وأعمالهم حتى تصبح عادة مريحة لهم، نجد أن الشباب يحاولون دائما تجاوز تلك العادة النمطية ويخرجون من رتابتها المتكررة، ليبدعوا أشياءً جديدة، ويأتوا بأعمال فنية مختلفة ترضي طموحاتهم، وتعبر عن تطلعاتهم. هذا هو منطق الحياة، إنه يتمثل دائماً في الابتكار والتجديد، ولذلك يتقدم المجتمع، وتتطور الفنون من جيل إلى جيل. وحين نتأمل في مجموعة أعمال 15 فناناً من أعمال الدفعة الـ4 من خريجي «منحة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين»، نكتشف أن عنوان «المجتمع والنقد الفني» يعبر بصدق وانسجام عن مضمونه الإبداعي الجديد. فالشباب عماد المستقبل، وهذا المستقبل يبدأ من الوقت الحاضر، ومن الاستعداد لامتلاك الأدوات العلمية والفنية لإنجازه بالصبر والتأني والمثابرة. وهذا ما توفره مؤسسة سلامة بنت حمدان من رعاية وتأهيل للفنانين الواعدين.. «الاتحاد» تجولت بين أعمال هؤلاء الشباب المبدعين، وخرجت بهذه الانطباعات. تقول الفنانة عائشة حاضر المهيري التي استلهمت عملها من حطام السفينة (الدوبة) التي كانت راسية مقابل المنازل على شاطئ جزيرة الضبيعة في أبوظبي، وبقي هذا المنظر ماثلاً في ذاكرتها من أيام الطفولة: «كنت أذهب إلى هناك، وآخذ بقايا من حطام السفينة. كما ترين في اللوحة، بقيت هذه الأشياء هنا، ومن وحيها صممت هذا العمل التشكيلي، وأنا أعتبره نصباً تذكارياً للسفينة وحطامها على الشاطئ». هذه التجربة الفنية المرتبطة بذاكرة الطفولة، استغرق العمل فيها عدة أشهر، حيث كانت تلتقط بعضاً من أجزاء السفينة، قطع حبال، وجزء من سلم، وكرسي وبعض كسرات الزجاج، ثم تنسقها بشكل فني، وتوضح قائلة: «عندما كنت أزور الشاطئ في البداية، كنت أشاهد أن بعض الأجزاء ما زالت سليمة من تلك السفينة المحطمة، وكان فيها بقايا الأثاث من سجادة وطاولة ونوافذ، كنت آخذ قطعاً من هذه الأشياء وأحتفظ بها عندي إلى الآن، ومن وحي ذلك الحطام صممت عملي الفني هذا»، معتبرة أنها لوحة تذكارية فنية سوف تزول بعد وقت قصير، لكن صورها سوف تبقى لتعبر عن ذلك الحطام، خاصة بعد أن انهارت أجزاء السفينة بالكامل، وغرقت في الأعماق. أما شيخة فهد الكتبي التي تشارك في ثلاث لوحات بعنوان «السادسة»، فتجسد في أعمالها المكان، حيث التقطت صورها من سويحان، وعلى الرغم من أن هناك ملامح تشابه بالمكان وشكل البناء الذي صورته الفنانة ورسمت عليه بعض الإشارات، إلا أنها تؤكد أن هذه العلامات والخطوط تظهر الاختلاف والتجديد، لأن كل خط مختلف عن غيره ولا يمكن أن يتكرر. وترى الفنانة أن الحياة تتجدد في كل لحظة، وكل إشارة تأخذ من الشخص قوة معينة تختلف عن غيره، وحتى الخطوط كرموز فنية لا يمكن أن تتشابه صورتها، وتعتبرها علامات لا يمكن أن تتكرر، وهذه العلامات تضيف دلالات جديدة للمكان، كما أن الأماكن التي نمشي فيها تشغل العقل الباطن عند الشخص، ويعمل لاستيعاب الأفكار الجديدة التي تظهر بالفن الحديث. وقدمت سارة الأحبابي 7 لوحات، تميزت بأنها بالقياس والتقنية نفسها، حيث اختارت المرآة على خلفية رمادية، وكل لوحة تحمل كلمة أو جملة اجتماعية تقال أو تتردد على سمع الفتاة من أهلها ومن المجتمع. وهي تقول: «إنها أخذت الفن أسلوباً لتلفت النظر إلى هذه العبارات التي لا تزال - للأسف - تتردد على ألسنة الناس في المجتمع، ومن هذه الكلمات المخطوطة باللغة المحكية لوحة كتب عليها: «منقود»، أي تنبيه للفتاة بأن لا تترك لأحد أن ينتقدها، لوحة ثانية كتبت عليها عبارة «شو بيقولون عنچ الناس»، وأخرى «عيب»، وعمل آخر «عقب ما تعرسين»، و«لا تخلي حد يمسك عليچ أي غلطة»، «الحرمة نفس الورقة البيضاء» وأخيراً: «أنت بنت». وأوضحت سارة قائلة: «أردت أن ألفت كيف أن المجتمع ما زال يتعامل مع البنات كما كان، وأن هناك رقابة اجتماعية غير رقابة الأهل، تعمل على تأجيل الحرية إلى أن تصبح الفتاة في بيت الزوجية، وأي شيء تريد أن تقوم به يقال لها «لبعد ما تعرسين»، بينما لا يقال للشاب مثل هذا». وهكذا أرادت الفنانة سارة أن تقدم أعمالها المعروضة بهدف توصيل رسالة قوية بأن الفتاة ما زالت تتلقى الملاحظات من الأهل حرصاً من نظرة المجتمع. يشار إلى أن معرض 421 يستمر حتى 14 يناير 2018، وهو يعتبر مجتمعاً إبداعياً يشجع المواهب الشابة على استكشاف قدراتهم الإبداعية، عبر إطلاقه للعديد من المبادرات التعليمية. ويشهد الموسم المقبل، إطلاق النسخة الجديدة من برنامج «أربعاء الفنون» الذي يتضمن جلسات حوارية وورش عمل، ترتبط بأفكار معرض «المجتمع والنقد الفني».

مشاركة :