اختزلت في معارك - د.محمد ناهض القويز

  • 8/22/2013
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

للأسف عندما تحاول رسم صورة لحقبة من حقب تاريخنا وتعود إلى كتب التراث تجدها تتحدث عن معارك وحروب وفتوحات ونصر وهزائم لتلك الحقبة من دون رسم ملامحها.. نعم قد تجد بعض شعر يمدح ملكاً أو يتغزل بحسناء أو يهجو خصماً، أو يفتخر بقبيلة، ولكن لن تجد وصفا للحياة ولا الأنشطة إلا ما قل. وقد نقل المحققون المعاصرون كالجاسر وابن خميس والجنيدل وآخرون ما تفرق في تلك الكتب وأضافوا إليه جهدهم الكبير في تحديد المواقع التي تقلب في أرجائها كل رموز التراث العربي في جزيرة العرب. وحتى عندما يعجبك مكان وتحاول أن تقرأ ما كتبه عنه العرب وما تغنى به الشعراء، ستجد وصفا للموقع يتبعه بعد ذلك وصف أيامه (المعارك) والأشعار التي نُظمت في ذلك يتساوى في ذلك الروضة والجبل والسهل. وبالذات في جزيرة العرب. فلو كنت ممن استطاع أن يزور جبل "جبلة" في وسط نجد لبهرك جمالها وشموخها في صحراء مستوية من حولها. تحفها الأشجار وتهبط منها الشعاب والأودية وتحيط بها المراعي من كل جانب. أما في موسم الأمطار فتصبح عروسا تتزين بالأزهار وتمتلئ آبارها و"ثمائلها" بالمياه العذبة. تعود للبحث عن شيء في الكتب عنها فتجد "أيام جبلة" أربعة قبل الإسلام وأربعة بعده. ثم تقرأ أشعارا ركيكة تتباهى بالقتل والنهب وتتناسى جمال المكان. بينما يقبع على مسافة بسيطة منها من الناحية الجنوبية الشرقية سوق أضاخ الذي يعتبر السوق الثاني لمهرجان الشعر الجاهلي بعد عكاظ. وتختلف أضاخ عن عكاظ أنها مستعمرة بشرية فيها شتى الأنشطة من الزراعة والتجارة إلى صناعة الفخار والزجاج إلى النحت والصناعات اليدوية. قد تكون شواهد ذلك التاريخ مطمورة تحت ترابها أكثر مما هي مدونة في كتب التراث برغم التحقيق الرائع الذي قام به الأديب والباحث الدكتور محمد العبودي. ومثل ذلك يقال عن نجران الجميلة التي لانعرف عنها إلا حادثة الأخدود التي خلدها القرآن الكريم وكتب تنقل صورا بتعليقات بسيطة. وكذلك يقال عن المناطق الجميلة المتناثرة في كل أنحاء الجزيرة العربية كجبال الديسة في تبوك، أو تلك التي اشتهرت بكونها مستعمرة بشرية على مر التاريخ مما تزخر به كتب التاريخ أو الكتب السماوية. وللأسف فلم تحظ مكة ولا المدينة بوصف للحياة الاجتماعية فيها تجعلنا نتصور ذلك المجتمع كما كان بدلاً من أن تصوره جماعات بشكل يخدم أغراضها. وبرغم اجتهادات خليل عبدالكريم في جمع الشذرات منها في كتابه مجتمع يثرب إلا أن تحامله الواضح على مجتمع الصحابة وعدم تأدبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسدان ما جمعه. المؤكد أن مجتمع مكة والمدينة لم يكن ملائكيا ولا مجتمعا دينيا بل كان يعج بكل ما تعج به المدن من مليح وقبيح. ولكن محاولة المتأخرين في رسم مجتمع المدينة على أنه مجتمع يوتوبي إسلامي رباني خال من المنكرات جعلت إمكانية تكراره مستحيلة لأنه لم يكن كذلك. وهذا التصوير الخاطئ شجع على نشوء الفكر التكفيري بلا شك. لا أريد أن أسوق شواهد تثبت صحة قولي حتى لا أقع فيما وقع فيه خليل عبدالكريم وإن كانت الشواهد كثيرة ولكنني أتمنى من المؤرخين والأدباء أن يغوصوا في كتب التراث ليخرجوا لنا صورة تقريبية لمجتمع المدينة أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم..

مشاركة :