مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي ...إلى أين؟ (2 من 2) - ثقافة

  • 10/1/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

... يتراوح متوسط أسعار التذاكر في مركز الشيخ جابرالأحمد الثقافي بين 50 و150 دينارا كويتيا (نحن نتحدث عن المتوسط، بعض الفعاليات تصل البطاقة الدنيا فيها الى 25 دينارا وأخرى الى 200 او 250 دينارا ما يعادل 800 دولار). أي ما يعادل تذكرة طيران ذهاب واياب الى باريس. هذه هي التذاكر الأغلى عالمياً والتي لا يجاريها فيها حتى مسارح برودواي أو أوبرا فيينا. فقط للاشارة، دون مقارنة، بأن أغلى تذكرة في اوبرا مسقط كانت لعرض (بحيرة البجع) بـ71 ريال أي ما يعادل 54 دينارا كويتيا، ونصف السعر لفئة الطلاب. يعود السؤال أيضاً وأيضاً ليطرح نفسه وأرجو من القائمين على المكان أن تكون لديهم الاجابة: لمن ولماذا تم تشييد هذا المركز؟ من هي الفئة القادرة من المجتمع الكويتي أو المقيمين فيه على دفع هذه الأسعار؟ وان عرفنا هذه الفئة، فهل اهتماماتها وخصائصها وعلاقتها بالمجتمع الكويتي وحراكه يمكن التعويل عليها للمشاركة في نهضة ثقافية اجتماعية وتعليمية ؟ هل هي مهتمة بذلك أساساً وهل هي الشريحة التي ستشارك في الفعاليات الثقافية الحقيقية والحراك الذي- نفترض- أن المركز يسعى اليه؟ مازلت على اصراري ورفضي لأي بعد تجاري وربحي من وراء هذا المركز، فلا أظن بأن الجهة الداعمة له تسعى لذلك، ولا رؤيته المُعلن عنها على موقعه الالكتروني تؤيد ذلك، و نعود لنكررهذه في النهاية ليست غاية ما يسمى بمركز ثقافي وطني غير ربحي. نحن حتماً مع فكرة بألا يكون نشاط المركز الثقافي مجانيا، فالاحساس بأني أتوجه لهذا المكان وأدفع مبلغا مالياً لحضور النشاط هو تقليد ثقافي مهم، ويجعل الشخص يحس أكثر بأهمية المكان و النشاط المقدم. وأنا لا أطالب بأن يكون الدخول رمزيا أيضاً لأننا، ولنكن واقعيين، نعرف بأن المركز الثقافي لايمكن أن يكون حديقة عامة. ولكن في المقابل يجب أن تكون الأسعار مقبولة وأن تأخذ في الاعتبار شرائح طلاب الجامعات، واليافعين. لطالما، عبر التاريخ، كان الفعل الثقافي مرتبطا بالطبقة المتوسطة الدخل وبطلاب الجامعات والشباب. وحتى اليوم- مع أن الكثير يتحدث عن غيابها- الطبقة المتوسطة مازالت موجودة في الكويت والخليج والعالم أجمع، وهي الأكثر قرباً واحساساً بأهمية تطوير بنية تحتية وطنية، لأنها بكل بساطة مازال لديها تقاليد اجتماعية وانسانية ووطنية واضحة، ومازال لديها الطاقة على تحقيق التوازن بين البعد المادي والبعد الروحاني. الفخر سيكون كبيراً بأن يأتي شباب كويتيون بعد دروسهم في الجامعة او أثناء بحثهم عن عمل أو في خضم تخطيطهم لمستقبلهم في بلدهم الكويت، أن يأتي هؤلاء ليحضروا نشاطا فنياً وثقافياً يهمّهم وقادرين على دفع نفقات دخوله أكثر بكثير من أن يأتي شباب يلبسون الغوتشي ويحملون موبايلاتهم الخمسة. هؤلاء ماسيهمهم في المكان هو حضور حفلة (لمطربهم المفضل)، وسيقومون بحضورها سواء أكانت في مسرح في البحرين أو دبي أو لندن. أما أولئك فسيأتون لأن الموسيقار شربل روحانا أو الرسام جبر علوان، او أسطورة الجاز ديان رييفز، أو مسرح الشمس الفرنسي يأتون الى مركز كويتي يعرضون انتاجهم الفني العالمي هنا في أرض الكويت. هو التواصل الثقافي بين الكويت والعالم، وضمنه، و داخله هو التواصل والتلاقي الفكري والحضاري بين شباب الكويت وشباب العالم. هذا بالمقابل ما لن يحدث بشكل مؤكد من خلال انغلاق مركز الشيخ جابر الأحمد على برنامج قادم في 2017-2018 يحمل حفلات كويتية فقط أو بنسبة 80 في المئة. الابتعاد عن شبح روتانا ومطربيها تجاه الانغلاق على ماهو كويتي يعكس أيضاً مشكلة في فهم دور هذا المركز وعلاقة الفعل الثقافي بالبعد الانساني وبالتحريض الذاتي من خلال التفكير بالمختلف حضاريا. لابد بأن القلق من امتداد أزمات المنطقة الى دول وامارات الخليج، هو سبب غير مباشر في التركيز الحديث على البعد الاجتماعي، الثقافي والتعليمي في هذه البلدان. وهو قلق مشروع ولن ندخل في تفاصيله، ولكنه أيضا قلق محفّز بأن قام بانتاج هذه المراكز الثقافية والتعليمية والبدء بالتفكير بالنسيج الاجتماعي والبنية الخليجية التحتية. هي محاولة جيدة لابعاد شبح التطرّف الاسلامي عن المنطقة ولانتشال جيل خليجي يعاني من مشاكل ادمان وعنف تعتبر الأعلى عالميا مقارنة بنسبة السكان. نعم بالفعل المخاطر كبيرة ومتشعبة وحقيقية فيما يخص هذه المنطقة، ولكن هل محاولات حلّها- على الأقل- اجتماعيا وثقافيا وتعليميا هي حقيقية بالمقابل؟ كل هذه الأموال الطائلة التي يتم دفعها على البناء والتخطيط هل تقوم فعلا على رؤية وتنفيذ حقيقي لحراك ثقافي يمكنه أن يكون الأضخم عالميا وعربيا أم أنها مجرد واجهة معمارية واعلانية ؟ لاندري كم من الوقت الذهب الأسود» النفط»...سيبقى او ستبقى أهميته في دول الخليج، مع محاولات الطاقة البديلة التي تغزو العالم. نحن اليوم أمام الجيل الثالث لظهور النفط. هذا يستحق وقفة مهمة مع ما تم وما سيتم تحقيقه وبناؤه. وقفة جادة ووطنية بعيدة عن المصالح الشخصية والمعارف وأبناء العشيرة. نحن أمام دول وعواصم حضرية تقوم بالمشاريع الثقافية الأضخم عالميا. لم نفكر يوما بأن يكون (اللوفر) و(غوغنهام) خارج باريس ولندن وهاهما الآن في دولة الامارات. هذا خرق وكسر لمركزية الفن والثقافة التي تمتعت بهما بعض العواصم لقرون. هذا جيد وذو صيت عالمي كبير. ولكن يجب التوقف والتفكير بأن هذه ليست الغاية ولايمكنها أن تكون الغاية. النهضة الاجتماعية والثقافية والتعليمية لشعوب الخليج وربما لشعوب كل المنطقة هي الغاية، نهضة يمكنها أن تكون الأولى في تاريخ هذه الشعوب. انها فرصة تاريخية بحق. أن تقوم مسارح ومعارض لندن وباريس وهونغ كونغ يوما باستضافة رسامين وعروض مسرحية واوبرالية وموسيقية آتية من دول هذه المنطقة ومنسوجة بأيدي شباب هذه المنطقة هو الغاية. أن تقوم دور نشر أجنبية بترجمة اعمال كتاب خليجيين لكل اللغات هو الغاية. هذا ما افترض فهمه عندما اقرأ (دعم، ابداع وتعليم) في رؤية مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وعلى عكس ما يتخيل البعض، الرؤية هي ليست الهدف الذي سأصل اليه، بل هي قاعدة الانطلاق ومعيار قياس ما أقوم به الان. * كاتب كندي haydarmohamed@hotmail.com

مشاركة :