أبعاد سياسة الاستيطان الإسرائيلية في فلسطين

  • 10/1/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

الاستيطان هو أحد أهم المقومات الفكرية والإيديولوجية التي قامت عليها الحركة الصهيونية منذ نشأتها في نهاية القرن التاسع عشر، إذ اعتمدته كسياسة ذات أولوية في نهجها وسلوكها الداخلي والخارجي وعلاقاتها الدولية لتحقيق أهدافها المتمثلة في إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين التاريخية من خلال تهجير اليهود إلى فلسطين، والاستيلاء على أراضيها وإقامة المستوطنات اليهودية عليها، لاسيما أن الاستيطان في أحد مقاصده يعني اتخاذ وطن ما من خلال القضاء على وطن الغير، ودخول العنصر الأجنبي الجديد بهدف الاستيلاء على جزء من الأرض أو كلها، كما هو في فلسطين بالنسبة إلى الفلسطينيين. وهكذا فقد شهدت الأراضي الفلسطينية منذ احتلالها من قبل إسرائيل عام 1948 عملية استيطانية ممنهجة بهدف فرض وقائع مادية ملموسة تؤكد السيادة الإسرائيلية على فلسطين، لاسيما مدينة القدس واتخاذها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني لاحقاً. لقد اتبعت الحكومات الإسرائيلية أساليب وطرقاً متعددة بهدف تهويد القدس بعد عام 1967، ولم تكن سياسة الاستيطان الوسيلة الوحيدة التي لجأت إليها لتحقيق هذا الهدف، فإلى جانب ذلك عملت على زرع الأحياء الإسرائيلية في القدس الكبرى وزيادة عدد المستوطنين اليهود فيها، فضلاً عن التضييق على البناء العربي من خلال تقليص عدد المواطنين الفلسطينيين في المدينة، من خلال توجه السلطات الإسرائيلية، ومنذ احتلالها القدس، إلى عدم وضع خرائط هيكلية للقدس الشرقية بهدف منع تنظيم البناء فيها، الأمر الذي يضطر المواطنين الفلسطينيين إلى البناء من دون ترخيص بسبب التزايد السكاني، وهو ما تستغله إسرائيل في مرحلة لاحقة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، لاسيما في القدس المحتلة. ومن خلال السياسات الإسرائيلية المتبعة لتعزيز سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، يمكن الوصول إلى بعض الأبعاد الرئيسية التي تقف وراء هذه السياسة: 1- الأبعاد التاريخية: تعتقد الحركة الصهيونية أن الشعب اليهودي لا يوجد في وطنه، بل هو مشتت في الخارج، ما جعله يعاني التفرقة العنصرية والإحساس العميق بالاغتراب عن الذات اليهودية الحقيقية، ومن ثم فإنه لا يمكن حلّ المسألة اليهودية ببعديها الاجتماعي والنفسي إلا من خلال تشجيع الاستيطان في فلسطين. كما ترى الحركة الصهيونية أن جذور القومية اليهودية تعود إلى الدين اليهودي ذاته، وأن التاريخ اليهودي هو تاريخ «شعب مختار» منفي مرتبط بأرضه ينتظر دائماً لحظة الخلاص والنجاة. من هنا نجد أن سعي الحركة الصهيونية إلى إقامة الدولة اليهودية في فلسطين يستند إلى مبررات تاريخية مزيفة ومشوهة للحقائق الموضوعية، وأخرى بتأويلات وتفسيرات توراتية دينية ملفقة، في حين أن حقيقتها الجوهرية تحمل أبعاداً سياسية توسعية استعمارية، لا سيما أن إسرائيل نفسها هي نتاج مشروع استعماري استيطاني عالمي. وهو ما عملت عليه إسرائيل بعد احتلالها فلسطين من خلال هدم القرى والسعي إلى إزالة الشخصية الفلسطينية العربية، وإقامة المستوطنات مكانها للقضاء على عروبة فلسطين. 2- الأبعاد السكانية: تتمثل الإستراتيجية الإسرائيلية في هذا الجانب بأن إعادة توزيع السكان هو هدف إستراتيجي داخلي له أهمية فائقة لنجاح سياسة الاستيطان في فلسطين، من هنا سعت إسرائيل إلى تحقيق الهدف الصهيوني بتهجير اليهود من كل مناطق العالم إلى فلسطين، كون قادة الحركة الصهيونية أدركوا أهمية العامل السكاني في إقامة الكيان الاستيطاني، إذ عملت إسرائيل باستمرار على زيادة الهجرة لتكون الغلبة في عدد السكان في فلسطين لمصلحة اليهود، وهذا لا يتطلب تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين فحسب، بل أيضاً طرد السكان العرب من أراضيهم وإرغامهم على الهجرة أو إبادتهم بحجة التعاون مع المقاومة الفلسطينية. 3- الأبعاد الاقتصادية: وتتمثل بأهمية تحقيق الاستقرار المادي والمعنوي لليهود كونه من العوامل المهمة بالنسبة إلى المهاجر للحفاظ عليه، وكي لا يفكّر ثانية بالهجرة المعاكسة، حتى تولد أجيال في فلسطين لا تعرف وطناً غيره، إذ تهدف إسرائيل عن طريق ضم الأراضي ومصادرتها وإقامة المستوطنات عليها إلى تقوية قاعدتها الاقتصادية لتتمكن في المستقبل من الاعتماد على نفسها وعدم الخضوع للضغوط الخارجية. 4- الأبعاد السياسية: إن إسرائيل لا تُعد دولة لليهود فحسب، بل هي قاعدة استعمارية متقدمة لإضعاف الأمة العربية وتمزيقها والحيلولة دون تحقيق الوحدة والتقارب بين شعوبها بهدف تحقيق المصالح الأمبريالية الحيوية في هذه المنطقة، فالعمل على تقوية مركز إسرائيل ودورها الإقليمي في المنطقة هو عامل مهم لتحقيق هذه الأهداف من خلال خلق جسم غريب في قلب المنطقة العربية ليكون فاصلاً بين آسيا وإفريقيا، وهو ما يضمن استمرار حال الانقسام بين الدول العربية. 5- الأبعاد الأمنية: إن مسألة الحدود والأمن هي أمر غير قابل للنقاش بالنسبة إلى الحكومات الإسرائيلية، وإن التوسع والضم هما السياسة التي يجب أن ترتكز عليها إسرائيل لإنجاز هذين الهدفين، وهو ما يندرج في إطار نظرية الحدود الآمنة والحدود القابلة للدفاع. وما عزز ذلك أن حدود إسرائيل تتمدد باستمرار مع مدى ما تصل إليه قوة جيشها، فإسرائيل هي أول دولة في العالم يجري إعلان قيامها من دون أن يصاحب ذلك الإعلان بيان يحدد الخطوط على الأرض وموقعها على الطبيعة، ما يعني أن الحدود الإستراتيجية الآمنة لإسرائيل أمر حيوي انطلاقاً من أن أمن إسرائيل لا يمكن صيانته بانسحاب كامل من الأراضي التي احتلتها في حزيران(يونيو) 1967، كما أن إسرائيل يمكن أن تتنازل عن أراضٍ، لكن لا يمكن أن تتنازل عن حدود إستراتيجية آمنة قابلة للدفاع. وهكذا يتضح أن السياسة الاستيطانية الإسرائيلية كانت منذ البداية عملية مخططة ومبرمجة من خلال السيطرة على الأراضي الخصبة وذات الموقع الإستراتيجي المهم في فلسطين والتي تتوافر فيها المزايا الاقتصادية والعسكرية والجغرافية، بهدف تحقيق الاستقرار والأمن ما يشجع على هجرة مهاجرين جدد وبناء مستوطنات جديدة.

مشاركة :