لم تنجح المناشدات التي أطلقها قياديو حزب الاستقلال المغربي، والتي حثوا فيها أعضاءه على إنجاح مؤتمره العام الـ17 في إقناع أنصار المرشحين لمنصب الأمانة العامة من الاشتباك وإفساد الحدث، بعدما كانوا يتطلعون لأن يكون المؤتمر «عرسا استقلاليا» حتى لا يشمت فيهم الأعداء.فمباشرة بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، التي عقدت مساء أول من أمس، بالمجمع الرياضي مولاي عبد الله، تحول المكان المخصص لإقامة حفل العشاء إلى ساحة معركة تراشق فيها أنصار المرشحين نزار بركة وحميد بالصحون والكراسي، ما تسبب في إصابات لبعضهم، وذلك في مشهد مثير اضطر معه الناطق الرسمي باسم الحزب إلى الاعتذار أمس عما حدث، وعده «أمراً مخجلاً لا يشرف الاستقلاليين». وانطلقت المناوشات بين الجانبين بعدما بدأ أنصار بركة يرددون بقوة شعار «الشعب يريد نزار بركة»، إلى أن ظهر داخل القاعة وهو يحيي أنصاره فتحولت الشعارات ضده وهتف خصومه مرددين «ارحل ارحل»، فاشتبك الطرفان وعمت الفوضى المكان، وتطايرت الصحون في الهواء وانقلبت الطاولات والكراسي، التي كانت مخصصة للعشاء في مشهد وثقته أشرطة فيديو وجرى تناقلها على نطاق واسع.وكتب أمس عادل بن حمزة، الناطق الرسمي باسم الحزب، تدوينة على حسابه في «فيسبوك» اعتذر فيها عن «المشاهد الصادمة»، وعد ما حدث في المؤتمر «أمرا مخجلا ومرفوضا ولا يشرف الاستقلاليات والاستقلاليين، أيا كانت أسبابه ومبرراته»، مشيراً إلى أن الحزب يمر بظرفية دقيقة لا يمكن اختزالها في الطموحات الشخصية، سواء فيما يتعلق بالأمانة العامة، أو باللجنة التنفيذية، وحث المؤتمرين على الوعي بمسؤولية الحزب ودوره السياسي في المستقبل لأن «حياة الأحزاب معرضة للانتكاسات والأمراض والتعب، بل والموت أيضا» على حد قوله.ولم تمنع الاشتباكات من مواصلة المؤتمر أعماله بعد ذلك، حيث واصل المؤتمرون مناقشة التقرير الأدبي الذي ألقاه حتى الثانية صباحا، وجرت المصادقة عليه.من جانبه قلل نور الدين مضيان، رئيس المؤتمر، من أهمية ما حدث وعده «حادثة سير بسيطة»، وقال إن «حزب الاستقلال أقوى بكثير من حادثة سير بسيطة»، موضحاً أن المؤتمر واصل أشغاله في أجواء مطبوعة بالنقاش الصريح والمسؤول حول التقرير الأدبي، وحول قضايا أخرى مرتبطة بالأوضاع السياسية والاجتماعية، وموقف الحزب منها. وخلال الجلسة الافتتاحية أثار، الذي تضاءلت فرصة بقائه على رأس الحزب لولاية ثانية، في تقريره موضوع استقلالية القرار الحزبي واستهداف حزبه من قبل وزارة الداخلية، وقال إن حزبه «تعرض خلال الانتخابات الجماعية (البلدية) لعام 2015 إلى حرب شرسة، وذلك عبر التأثير على المرشحين ودفعهم للتخلي عن الحزب في آخر لحظة، مضيفا أن الحزب تعرض أيضاً إلى «محاولة المس باستقراره في نهاية 2015 ونحن في عز المواجهة مع الحزب الأغلبي (الأصالة والمعاصرة المعارض) الذي اختطف المجالس، وهيمن على قرابة نصف الجهات»، مذكرا بالاتهامات التي وجهها إليه وزير الداخلية السابق بابتزاز الدولة.ولم يتطرق إلى دوافع انسحاب حزبه من حكومة ابن كيران، مبررا ذلك بحضور عبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيس الحكومة السابق، الجلسة الافتتاحية، وإلى «العلاقة الطيبة التي تجمع بين الحزبين، اللذين يتقاسمان نفس المرجعية»، بيد أنه تحدث بتفصيل عن تلك المرحلة في تقريره الأدبي المطول، وقال إنه قرر الانسحاب من الحكومة «بسبب القطاعات الحكومية التي تحمل مسؤوليتها الحزب، وطريقة تسمية الوزراء»، مشيراً إلى أن الاستقلاليين لم يكونوا راضين على طبيعة مشاركتهم في الحكومة، وكان منطقيا أن تسعى القيادة الجديدة إلى تصحيح تلك الوضعية، ووصف قرار الانسحاب بـ«السليم والشجاع».يذكر أن ابن كيران ظل يطالب طوال ولايته الحكومية بالكشف عن الأسباب التي دفعته إلى الانسحاب من الحكومة، لا سيما وأن هناك من كان يرى أن الهدف من ذلك كان هو إسقاط حكومته، وأن اختير ليلعب هذا الدور. إلا أن زعيم «الاستقلال» قدم رواية مخالفة، وقال إن قيادة حزبه سعت طيلة شهور لتصحيح وضع حزبهم داخل حكومة ابن كيران، لكنهم لم ينجحوا «لأسباب قد يكشفها التاريخ فيما بعد»، مستغربا كيف أن مطالب حزب الاستقلال آلت إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي عوضه في الحكومة، وتساءل حول ما إذا كان هناك «طرف ثالث لم يرغب في استمرار حزب الاستقلال في الحكومة».ولفت حضور ابن كيران الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «الاستقلال» الأنظار، وقال في تصريحات مقتضبة إن حضوره جاء «استجابة لدعوة كريمة من حميد، ولم يكن أمامي من بد إلا أن استجيب لدعوته ودعوة حزب الاستقلال». وناشد أعضاء الحزب بالتمسك بوحدته والحفاظ على استقلالية القرار، وأن ينتصروا للديمقراطية الداخلية.
مشاركة :