لا يمكن تخيل وضع مرضٍ للسوق هذه الأيام أفضل من هذا الوضع، إذ تحسنت أسعار النفط بشكل كبير في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، وقاربت أسعار نفط برنت من 60 دولاراً في الأسبوع الماضي، ولكن المخاطر بهبوطها إلى مستويات تحت 55 دولاراً ما زالت قائمة. وارتفعت أسعار النفط في تسوية تعاملات يوم الجمعة بعد موجة صعود بفعل عدم الاستقرار الجيوسياسي في إقليم كردستان العراق الذي ساعد برنت على تحقيق أقوى أداء في الربع الثالث منذ عام 2004. وارتفع خام القياس العالمي مزيج برنت في إقفال يوم الجمعة بنحو 0.2 في المائة، إلى 57.54 دولار للبرميل محققاً مكاسب فصلية في الربع الثالث بنحو 20 في المائة. وعلى أساس أسبوعي ارتفع 1.2 في المائة. أما غرب تكساس في نيويورك فقد وصل إلى قرابة 52 دولاراً.ومن المستبعد أن تنخفض أسعار النفط تحت 50 دولارا، ولكن من المرجح لها أن تظل تتداول بين 50 و55 دولارا حتى آخر العام الجاري. وفيما يلي أبرز المخاطر التي تواجه أسعار النفط، والتي قد تعود بها إلى حزمة 50 إلى 55 دولارا، والتي تدور حول مخاطر متعلقة بوفرة في الإمدادات، حيث لا توجد أي مخاطر من ناحية الطلب هذا العام.أولا، عودة إنتاج «أوبك» إلى الارتفاع مجدداً: أظهر مسح أجرته «رويترز» الجمعة الماضي أن إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ارتفع في سبتمبر (أيلول) بمقدار 50 ألف برميل يوميا، مع زيادة صادرات العراق، وارتفاع الإنتاج في ليبيا المعفاة من اتفاق خفض الإمدادات. وخلص المسح إلى أن مستوى التزام «أوبك» بالتعهدات التي قطعتها على نفسها بشأن خفض الإمدادات انخفض إلى 86 في المائة في سبتمبر، مقارنة مع 89 في المائة في أغسطس (آب). وواصلت السعودية، أكبر مصدر للخام في العالم، تحمل الجزء الأكبر من تخفيضات «أوبك» من خلال ضخ إمدادات دون المستوى المستهدف لها. وتظهر زيادة إمدادات العراق أن التوتر السياسي بشأن استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق لم يؤثر على صادرات البلاد من الخام. وكانت المخاوف بشأن المخاطر على تلك الإمدادات ساعدت في دعم النفط الذي بلغ هذا الأسبوع نحو 60 دولارا للبرميل، وهو أعلى مستوى في أكثر من عامين.ثانيا، زيادة إنتاج ليبيا ونيجيرياً: يشهد إنتاج ليبيا ونيجيريا تذبذباً كبيراً بسبب الوضع الأمني الصعب الذي تعيشه الدولتان، والذي أدى لعمليات تخريب لكثير من المنشآت النفطية. وفي الشهر الماضي خلص مسح «رويترز» إلى غياب مزيد من الزيادات الكبيرة في الإنتاج في نيجيريا أو ليبيا المعفاتين من خفض الإنتاج. وتعتزم الدولتان تثبيت إنتاجهما، ولكن ليس قبل أن يصلا إلى مستويات عالية قريبة من المستويات التي كانا ينتجان بها قبل تدهور الحالة الأمنية فيهما. وتنوي ليبيا الوصول إلى نحو 1.3 مليون برميل يومياً من مستواها الحالي البالغ 950 ألف برميل تقريباً، فيما تنوي نيجيريا رفع الإنتاج إلى 1.8 مليون برميل يومياً. وساعدت الزيادة في إنتاج ليبيا ونيجيريا في شهر يوليو (تموز) الماضي على ارتفاع إنتاج أوبك إلى أعلى مستوى في 2017، مما يضاف إلى مهمة «أوبك» المتمثلة في محاولة تقليص الفائض في المعروض من الخام.لكن الإنتاج ما زال متقلبا وظل في سبتمبر في المتوسط دون مستويات تتجاوز المليون برميل يوميا، جرى تسجيلها في وقت سابق من هذا العام. وانخفض إنتاج نيجيريا 30 ألف برميل يوميا. وأعلن مشروع رويال داتش شل في نيجيريا حالة القوة القاهرة على صادرات خام بوني الخفيف في سبتمبر، بسبب إغلاق خط أنابيب للتصدير.ثالثا، ارتفاع إنتاج أميركا مع نمو الحفارات: زادت شركات الطاقة الأميركية عدد حفارات النفط العاملة خلال الأسبوع الماضي للمرة الأولى في سبعة أسابيع بعد توقف تعافي أنشطة الحفر الذي استمر 14 شهراً في أغسطس الماضي، حيث تتجه أسعار النفط إلى تسجيل أفضل أداء في الربع الثالث منذ عشر سنوات. بيد أن عدد حفارات النفط الأميركية انخفض للشهر الثاني على التوالي، وسجل أكبر هبوط شهري وفصلي منذ الربع الثاني من عام 2016. وقالت بيكر هيوز لخدمات الطاقة يوم الجمعة، إن الشركات زادت عدد منصات الحفر النفطية بواقع ست حفارات في الأسبوع المنتهي في 29 سبتمبر، ليصل العدد الإجمالي إلى 750 منصة. وعدد الحفارات، الذي يعد مؤشرا مبكرا على الإنتاج في المستقبل، ما زال أكبر من 425 حفارا كانت عاملة قبل عام، حيث وضعت شركات الطاقة خطط إنفاق طموحة لعام 2017. وفي سبتمبر، انخفض عدد الحفارات بواقع تسع منصات بعد أن انخفض بواقع سبع منصات في أغسطس. وهذا ثاني خفض شهري على التوالي منذ مايو (أيار) 2016 الذي استأنف نشاط الحفر تعافيه خلاله بفضل ارتفاع أسعار الخام. كما انخفض عدد الحفارات بواقع ست منصات في الربع الثالث في أول تراجع خلال فترة ثلاثة أشهر منذ الربع الثاني من 2016.رابعا، تصاعد المخزونات النفطية بعد إعصار هارفي: تبقى السوق النفطية رغم تحسنها باتجاه التوازن تعاني من وفرة في المخزونات النفطية، حيث تقف هذه في الدول الصناعية حتى شهر يوليو عند 170 مليون برميل فوق متوسط السنوات الخمس حاليا، حسب تقديرات منظمة أوبك، وبالتالي يعني ما زال هناك اختلال في ميزان العرض والطلب. وبسبب إعصار هارفي زادت مخزونات النفط الأميركي خلال الأسابيع الثلاثة ما قبل الأسبوع المنتهي في 22 سبتمبر. وستظهر بلا شك تقديرات منظمة أوبك في الشهر القادم ارتفاعاً ولو طفيف في مخزونات الدول الصناعية، بسبب ارتفاعها في الولايات المتحدة، مما يعني ضغوطا تنازلية على الأسعار.
مشاركة :