هل يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟

  • 10/3/2017
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

تحتاج المؤسسات المتعددة الأطراف إلى الترقية وإعادة الهيكلة، في ظل عملية فعّالة لاتخاذ القرار وآليات تنفيذ لإدارة تحديات التنمية العالمية مثل فجوات البنية الأساسية، والهجرة، وتغير المناخ، وعدم الاستقرار المالي. استرعى الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا في الأمم المتحدة قدرا كبيرا من الاهتمام بسبب لغته الغريبة العدائية، بما في ذلك التهديد بتفكيك الاتفاق النووي مع إيران وتدمير كوريا الشمالية تماما، ومن وراء تصريحاته نستطيع أن نتبين رسالة واضحة: فالحكم يظل للدولة ذات السيادة، في حين تطغى المصالح الوطنية على الأهداف المشتركة، ولا يبشر هذا بالخير عندما يتعلق الأمر بأهداف التنمية المستدامة. تبنت الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة قبل عام واحد من انتخاب ترامب، ويتطلب تحقيقها التعاون بين مختلف الدول حول أهداف عالمية حاسمة ترتبط بتغير المناخ، والفقر، والصحة العامة، وغير هذا الكثير، ولكن هل يُصبِح تحقيق أهداف التنمية المستدامة محض أمانٍ في عصر يتسم بازدراء التعاون الدولي، ناهيك عن إنكار تغير المناخ المترسخ في فِكر إدارة ترامب؟ كان من المحتم دوما أن تواجه أهداف التنمية المستدامة رياحا معاكسة قوية، نظرا للتطورات التكنولوجية المعطلة للنظم القائمة، والتنافس الجيوسياسي، وفجوة التفاوت الاجتماعي المتزايدة الاتساع، ولكن الأصوات الشعبوية التي تنادي بانتهاج سياسات قومية، بما في ذلك فرض تدابير الحماية التجارية، كانت سببا في اشتداد عنف هذه الرياح المعاكسة إلى حد كبير. الأمر ببساطة أن المواطنين يفقدون الثقة بقدرة العقيدة الإنمائية العالمية القائمة على الحكم الرشيد (بما في ذلك الانضباط النقدي والمالي) والأسواق الحرة على تحقيق الفوائد التي تعدهم بها. في ظل القيود المالية العصيبة التي تواجه كل البلدان المتقدمة، وضَعف الأسواق الناشئة بفِعل انخفاض أسعار السلع الأساسية، أصبح تحمل تكاليف المنافع العامة العالمية أقل جاذبية من أي وقت مضى، كما تتسبب تخفيضات الموازنات- جنبا إلى جنب مع القضايا المتعلقة بمساءلة ومحاسبة المسؤولين والتحديات التكنولوجية الجديدة- في الإضرار بأولئك المكلفين بتحقيق الحكم الرشيد، وتبدو الأسواق على نحو متزايد وكأنها وقعت أسيرة المصالح الخاصة. تمتد جذور النتائج الاقتصادية عادة إلى أصول سياسية، وقد زعم روبيرتو أونجر من كلية الحقوق في جامعة هارفارد أن التغلب على تحديات التنمية القائمة على المعرفة يتطلب "الطلائعية الشاملة". ويقول إن إضفاء الطابع الديمقراطي على اقتصاد السوق لا يتسنى إلا من خلال "تعميق متماثل للسياسات الديمقراطية"، وهو ما يعني ضمنا "إعادة البناء المؤسسي للسوق ذاتها". ومع ذلك، يبدو من غير المرجح أن ينتج النظام السياسي في الولايات المتحدة إعادة البناء من هذا القبيل، ويزعم الأستاذ مايكل بورتر والأستاذة كاثرين جيل من كلية الحقوق في جامعة هارفارد أن نظام الحزبين في الولايات المتحدة "أصبح الحاجز الرئيس الذي يحول دون حل كل التحديات الكبرى" التي تواجه البلاد. ويضيف بورتر وجيل أن الزعماء السياسيين "يتنافسون على الأيديولوجية والوعود غير الواقعية، وليس على العمل والنتائج، ويقسمون الناخبين ويخدمون مصالح خاصة"، وكل هذا في حين يواجهون قدرا ضئيلا من المساءلة. ويؤكد هذا الرأي كتاب قادم من تأليف شاليندرا شارما، الأستاذ في جامعة سان فرانسيسكو، فمن خلال المقارنة بين التفاوت الاقتصادي في الصين، والهند، والولايات المتحدة، يزعم شارما أن كلا من الحكم الديمقراطي والحكم الاستبدادي فشلا في تعزيز التنمية العادلة. هناك أربع مجموعات محتملة من النتائج المؤثرة على بلدان العالم: (1) الحكم الرشيد والسياسات الاقتصادية الجيدة. (2) السياسات الجيدة والاقتصاديات الرديئة. (3) السياسات الرديئة والاقتصاديات الجيدة. (4) السياسات الرديئة والاقتصاديات الرديئة. وإذا تساوت كل العوامل الأخرى، فإن الاحتمالات تصبح واحدا إلى أربعة فقط للوصول إلى موقف يضمن الفوز للجميع في ظل الحكم الرشيد والأداء الاقتصادي القوي، وتتضاءل الفرصة بفِعل أسباب معطلة أخرى، من الكوارث الطبيعية إلى التدخل الخارجي. هناك من يعتقدون أن التكنولوجيا ستساعد في التغلب على مثل هذه الأسباب المعطلة، من خلال تحفيز القدر الكافي من النمو لتوليد الموارد اللازمة للتخفيف من آثارها، ولكن في حين تُعَد التكنولوجيا صديقة للمستهلك، فإنها لا تخلو من تكاليف خاصة. فالتكنولوجيا تقتل فرص العمل في الأمد القريب وتتطلب إعادة تدريب قوة العمل على المهارات، وعلاوة على ذلك، لا تخلو التكنولوجيا التي تتطلب قدرا كبيرا من المعرفة من تأثير شبكي، حيث يستأثر الفائز بكل شيء، والذي بموجبه تستولي المراكز على سبل الوصول إلى المعرفة والقدرة، فتضطر المجموعات والفئات والقطاعات والمناطق الأقل امتيازا إلى كفاح عسير لكي يتسنى لها أن تتمكن من المنافسة. وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ينتشر السخط الناجم عن هذا الآن بسرعة أكبر من أي وقت مضى، مما يؤدي إلى انتهاج سياسات مدمرة، وقد يدعو هذا إلى التدخل الجيوسياسي، الذي يتدهور بسرعة إلى سيناريو الخسارة للجميع، كما يتضح بالفعل في البلدان التي تعاني نقص المياه والصراعات، حيث الحكومات هشة أو فاشلة. وقد يُفضي الجمع بين السياسات الرديئة والاقتصاديات الرديئة في دولة ما إلى إنتاج العدوى بسهولة، مع تسبب الهجرة المتزايدة في امتداد الضغوط السياسية وعدم الاستقرار إلى بلدان أخرى. وفقا لتقديرات مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، بلغ عدد اللاجئين العام المنصرم 65 مليون لاجئ، مقارنة بنحو 1.6 مليون فقط في عام 1960، ونظرا لاستمرار الصراع الجيوسياسي، ناهيك عن التأثير السريع النمو المترتب على تغير المناخ، فمن غير المتوقع أن تنحدر مستويات الهجرة في أي وقت قريب. ترمي أهداف التنمية المستدامة إلى تخفيف هذه الضغوط، من خلال حماية البيئة وتحسين حياة الناس داخل بلدانهم الأصلية، ولكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب سياسات أكثر مسؤولية وإجماعا اجتماعيا أقوى كثيرا، ويتطلب هذا بدوره تحولا جوهريا في العقلية، من التركيز على المنافسة إلى التأكيد على التعاون. وكما لا نملك آلية ضريبية عالمية لضمان توفير المنافع العامة العالمية، فإننا لا نملك أيضا سياسات نقدية أو منظومة رفاهية عالمية للحفاظ على استقرار الأسعار والسلام الاجتماعي، ولهذا السبب تحتاج المؤسسات المتعددة الأطراف إلى الترقية وإعادة الهيكلة، في ظل عملية فعّالة لاتخاذ القرار وآليات تنفيذ لإدارة تحديات التنمية العالمية مثل فجوات البنية الأساسية، والهجرة، وتغير المناخ، وعدم الاستقرار المالي. ومن شأن هذا النظام أن يقطع شوطا طويلا نحو دعم التقدم باتجاه تحقيق أهداف التنمية المستدامة. يزعم أونجر أن كل الديمقراطيات اليوم "ديمقراطيات معيبة وفاترة الطاقة"، حيث يعني "غياب الصدمات"- في هيئة خراب اقتصادي أو نزاع عسكري- "عدم التحول"، وهو محق، ففي هذه البيئة، التي تنعكس في احتضان ترامب لنموذج سيادي عتيق للدولة القومية، ربما يكون تحقيق أهداف التنمية المستدامة مستحيلا. * أندرو شنغ زميل متميز لدى معهد آسيا العالمي في جامعة هونغ كونغ، وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لشؤون التمويل المستدام. وشياو غنغ رئيس مؤسسة هونغ كونغ للتمويل الدولي، وأستاذ في جامعة هونغ كونغ. «بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

مشاركة :