أكراد العراق يريدون تحقيق حلم الاستقلال قبل بناء اقتصاد قوي

  • 10/3/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أثار استفتاء إقليم كردستان الكثير من الجدل، ولقي معارضة شديدة من قبل أنقرة وطهران وبغداد، وأبعد من ذلك فقد أغضب الولايات المتحدة، الحليف القوي لأكراد العراق وسورية. - منذ حصولهم على الحكم الذاتي مطلع التسعينات في ظل منطقة حظر الطيران التي فرضتها الولايات المتحدة، قام الأكراد العراقيون ببناء مؤسسات بما في ذلك الوزارات والخدمة المدنية والجيش، ما يسمح لهم بالعمل بفاعلية كدولة. - تعتمد حكومة إقليم كردستان على مبيعات النفط لما يصل إلى 90% من إيراداتها، والتي تنفق بدورها على أجور موظفي الحكومة الذين يشكلون القوة العاملة في الإقليم. سياسة مضطربة هناك مشكلة أخرى، وفقاً للخبير بلال وهاب، تتمثل في السياسة العراقية المضطربة، إذ كان قادة الإقليم ينتقلون من أزمة إلى أخرى منذ عقود، وكانوا يحاولون فقط البقاء، ونادراً ما يخططون على المدى الطويل، وقد أدى ذلك إلى عدم وجود رؤية لاستقلال كردستان، هل سيكون الإقليم رأسمالياً أم اشتراكياً أم شيئاً بين هذا وذاك؟ وبدلاً من ذلك يتم التركيز على المظالم ضد بغداد. ويوضح وهاب: «إذا سألتني ما هي العقبة الرئيسة التي تجعل حكومة إقليم كردستان غير قابلة للحياة؟ أقول إن الأمر لا يتعلق بالجانب المادي، فهناك النفط والمنتجعات الجميلة وما إلى ذلك؛ الأمر يتعلق بآلية الحكم». ويشير مؤيدو الاستفتاء إلى أن الإقليم سيتعامل بطريقة أسهل مع مثل هذه المشكلات بعد فك الارتباط مع بغداد. إن زيادة السيطرة على صادرات النفط - حكومة إقليم كردستان تبيع حالياً شحنات بسعر مخفض بسبب مطالبات بغداد - فضلاً عن أن القدرة على إصدار ديون سيادية والتفاوض مباشرة مع الوكالات الدولية، سيكون في مصلحة الحكومة المحلية. ومنذ انهيار النفط في 2014، حظيت الإصلاحات التي قادها نائب رئيس الوزراء (في الإقليم)، قباد طالباني، مثل تطبيق نظام البصمة على موظفي الحكومة للقضاء على ظاهرة الوظائف الوهمية وازدواجية الراتب؛ بتأييد واسع. ومع ذلك، ومن دون الاكتفاء الذاتي من الناحية الاقتصادية، فإن كردستان المستقل سيكون دائماً على أرض غير ثابتة. وفي سوق الجملة في مدينة أربيل، يعرض تاجر محلي آخر يدعى كاهال، سلعه المتمثلة في الثوم القادم من الصين، والخوخ الوارد من تركيا، والكيوي من إيران، ويقول: «لا أحد يعرف ماذا سيحدث غداً». وعلى الطريق السريع خارج أربيل، عاصمة كردستان العراق، تم تخصيص سوق لبيع الخضار والفاكهة بالجملة، ومنذ أسابيع تزينت السوق بلافتات تحث الأكراد على التصويت بـ«نعم» في الاستفتاء. ويقول تجار في السوق المزدحمة، إن الإقليم أقدم على مقامرة من خلال التصويت على الاستقلال، رغم معارضة الجميع. وعندما سئل أحد التجار الشباب عما سيحدث إذا أغلقت تركيا وإيران حدودهما للضغط على حكومة إقليم كردستان - كما هددتا بالفعل ــ هز رأسه وقال: «إن السوق ستصبح من الماضي». يعد الاستقلال حلم الأكراد العراقيين الذين عانوا سوء المعاملة في عهد صدام حسين، وهكذا فقد استقبل الاستفتاء بابتهاج مفهوم في أربيل، معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم الذي يتزعمه مسعود بارزاني. وكانت النتائج الأولية تشير إلى أن نسبة الإقبال كانت مرتفعة، كما صوت أكثر من 90% لمصلحة الانفصال. وقد تصاعد الخطاب بشكل حاد منذ ذلك الحين، إذ حثت بغداد الدول على تعليق الرحلات الجوية الى الإقليم، وطالبت أربيل بتسليم السيطرة على مطاراتها والمعابر الحدودية أو مواجهة الحصار. وقد هددت تركيا، التي تخشى إثارة النزعة الانفصالية بين سكانها الأكراد، باتخاذ إجراءات مماثلة. ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستفتاء بـ«الخيانة»، وقال إن الإقليم «لن يجد الغذاء أو الملابس» في حال تطبيق العقوبات ضده. وبينما اعتبر برزاني أن الوقت قد حان للضغط من أجل الانفصال عن العراق، في وقت يتم فيه طرد «داعش» من معقله الأخير في شمال البلاد، فإن اقتصاد كردستان يشير إلى العكس تماماً. ومع الاعتماد شبه الكامل على الواردات للسلع الأساسية، وعلى أنابيب النفط التي تعبر تركيا، هناك تساؤل عن مدى تأثير القادة الأكراد في مفاوضات ما بعد الاستفتاء، فضلاً عن مدى قابلية اقتصاد كردستان للحياة في المستقبل. في الواقع، يعتمد الإقليم بشكل كبير على عائدات النفط، ومنذ حصوله على الحكم الذاتي مطلع التسعينات في ظل منطقة حظر الطيران التي فرضتها الولايات المتحدة، قام الأكراد العراقيون ببناء مؤسسات بما في ذلك الوزارات والخدمة المدنية والجيش، ما يسمح لهم بالعمل بفاعلية كدولة، غير أن الإقليم كان أقل نجاحاً في تطوير آليات للاعتماد على الذات اقتصادياً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عائدات النفط الثابتة، ما عطل الحافز على التنويع في قطاعات أخرى مثل الزراعة والصناعة التحويلية والمصرفية؛ فضلاً عن تطوير قدرة الحكومة المحلية على تحصيل الضرائب، وبدلاً من ذلك تعتمد حكومة إقليم كردستان على مبيعات النفط لما يصل إلى 90% من إيراداتها، والتي تنفق بدورها على أجور موظفي الحكومة الذين يشكلون القوة العاملة في الإقليم، وكما هي حال الاقتصادات الريعية الأخرى، يعتمد نشاط القطاع الخاص في الإقليم، مثل الإنشاء، بشكل كبير على الإنفاق العام. استقرار اجتماعي نظراً لاعتماد الإقليم على تركيا في ضخ نحو 600 ألف برميل يومياً من صادرات النفط إلى ميناء جيهان، فإن أنقرة لديها نفوذ هائل ليس فقط على اقتصاد الإقليم، ولكن على أنظمة توزيع الموارد التي تسهم في الاستقرار الاجتماعي، مثل قدرة الحكومة على دفع الرواتب. النفط هو المصدر الرئيس للإيرادات في الإقليم، وكلها تنتهي في خزائن الحكومة المحلية، لذلك فإن اقتصاد إقليم كردستان يعتمد على خط أنابيب واحد يبيع النفط إلى الأسواق الدولية، ويمر حصرياً عبر تركيا، وفي ذلك يقول المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بلال وهاب: «إذا أوقف خط الأنابيب هذا فإن الاقتصاد الكردي سيختنق». وقال محللون إن المشكلة الرئيسة الأخرى هي اعتماد الإقليم الكبير على الواردات التي تمثل بين 80 و90% من البضائع، في حين ينتج الإقليم كميات معتبرة من الأسمنت والحديد والقمح، لكنه لا ينتج إلا القليل من المواد الأخرى، وخلال التسوق وسط مدينة أربيل، يمكن للزبائن أن يختاروا بين السلع المستوردة مثل الرمان المصري، والتفاح القادم من إيران، والخوخ والبيض من تركيا، فضلاً عن الملابس والسلع المنزلية من الصين، والسجائر من كوريا الجنوبية. ولأن كردستان غير ساحلية، فإن إغلاق حدودها مع إيران وتركيا والمجال الجوي عبر العراق، يمكن أن يؤدي بسرعة إلى زيادات حادة في الأسعار، أو نقص في السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود، وسيكون الحصار المنسق من جانب جيران الإقليم مدمراً. ويبدو أن برزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني يراهنان على أن جيران الإقليم لن يكونوا مستعدين أو غير قادرين على فرض عقوبات دائمة أو حصار، ويشير المؤيدون إلى أن البلدان المجاورة، ولاسيما تركيا، استفادت كثيراً من التجارة مع الإقليم، وستفقد الكثير جراء هذه الخطوة. وفي هذا السياق، يقول المستشار بوزارة التجارة في حكومة كردستان، فتحي المُدرس: «الكثير من الشاحنات تمر عبر الحدود، إذاً فالشعب التركي والشركات التركية والحكومة التركية تستفيد كثيراً من هذا النشاط التجاري»، متابعاً: «حتى لو أغلقت الحكومة التركية الحدود فإنها لا تستطيع أن تفعل ذلك لفترة طويلة». إغلاق الصنبور بالإضافة إلى ذلك، فإن الاتفاق الأخير بين حكومة إقليم كردستان وشركة الطاقة الروسية «روزنيفت» على إنشاء خط أنابيب الغاز الطبيعي، الذي تبلغ كلفته مليار دولار عبر تركيا، فضلاً عن اتفاق آخر لتطوير خمسة حقول للنفط والغاز في الإقليم، قد يثبطان أيضاً أنقرة عن وقف صادرات الطاقة الكردية. مقامرة بارزاني قد تكون رابحة في نهاية المطاف، لكنها لاتزال مجرد مقامرة. وأشار أحد الاقتصاديين الأكراد، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب حساسية انتقاد الاستفتاء، إلى أن تركيا تحد ثماني دول وتتمتع باقتصاد كبير ومتنوع، وفي حين أن أنقرة ستعاني من حصار كردستان العراق، فإنه من المرجح أن تمضي قدماً إذا شعرت بأن الحصار يخدم مصالحها القومية، مثل تثبيط الحركات الانفصالية بين سكانها الأكراد. وقال الخبير الاقتصادي: «في بعض الأحيان تضحّي تركيا بمصالحها التجارية لتطبيق ضغوط سياسية»، متابعاً: «يبدو أن أردوغان أشار إلى هذا الاحتمال مع بدء التصويت يوم الاثنين»، قائلاً: «لدينا الصنبور، ولحظة إغلاق الحنفية سينتهي كل شيء». لكن كردستان قد لا يضطر إلى الاعتماد فقط على النفط، فأراضيه الزراعية الخصبة وموقعه الجغرافي يمكن أن يجعلا منه مركزاً للتجارة الإقليمية، ومع مزيد من التركيز والاهتمام الدولي فإن من شأن ذلك أن يخفف من أي حصار من جانب البلدان المجاورة في المستقبل. ورداً على سؤال عن سبب فشل الإقليم في استغلال هذه المزايا حتى الآن، يشير معظم المحللين إلى الفساد، فبناء الولاء الحزبي يقوض التنمية في المنطقة، مع قطاعات تعاني الإهمال مثل الزراعة، في حين ازدهرت تلك التي تسهل الرشى، مثل قطاع البناء.

مشاركة :