شدد سفير المملكة العربية السعودية لدى روسيا الاتحادية الدكتور عبدالرحمن بن إبراهيم الرسي، على أن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا ستكون تاريخية بكل المعايير؛ كونها الأولى في مسار العلاقة الممتدة لعقود، كما أنها تأتي تتويجا لمرحلة متميزة ومهمة حاليا ضمن مراحل العلاقة الطويلة، وذلك في ظل ما شهدته من تطورات غير مسبوقة خلال العامين الماضيين، مؤكدا ثقته بأن هذه الزيارة ستؤسس إطارا لتنمية وتعميق مسار التعاون، وستفتح آفاقا واسعة. ■ في البداية سعادة السفير حدثنا عن التعاون بين الرياض وموسكو وتاريخ العلاقة التي تعود إلى 91 عاما مع روسيا أول دولة تعلن اعترافها الرسمي بالمملكة؟هذا صحيح، فمسيرة العلاقات السعودية الروسية انطلقت في العام 1926، عندما بادر الاتحاد السوفيتي برسالة أعلن فيها اعترافه رسميا بالمملكة، ورد حينها الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود- رحمه الله-، برسالة أعرب فيها عن استعداد المملكة التام لإقامة علاقات معها، كما هو متبع مع الدول الصديقة، بعد تبادل الرسائل الرسمية حيث تعددت الزيارات المتبادلة، كان أهمها زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز- رحمه الله- عام 1932 عندما كان وزيرا للخارجية، وفتحت تلك الزيارة صفحة في تنامي العلاقات الثنائية، لكنها توقفت في عام 1938 عندما أعلن الاتحاد السوفيتي إغلاق بعثته الدبلوماسية في جدة. ■ أهمية استمرار العلاقة؟بالتأكيد فإن انقطاع العلاقة لعقود كان مضرا لكلا الشعبين، وكان له الأثر البالغ على مجمل جوانب التواصل لغياب اللغة المشتركة وغيرها من أسس العلاقات بين الشعوب، وإعادة هذه العلاقة تعني إعادة البناء من جديد، وحدث ذلك في 17 سبتمبر 1990 بصدور بيان مشترك يُعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وروسيا، على أسس ومبادئ ثابتة، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة في تاريخها. وهذه المحطة المهمة تُبرز عمق هذه العلاقة وأننا أمام صداقة قديمة، لكن التعاون لا يأتي فقط من خلال المشتركات التاريخية، وإنما يكمن في إنماء المصالح الاقتصادية المشتركة، وهو ما تجسد في الحراك الذي شهدته العلاقات خلال السنتين الماضيتين، وخاصة زيارات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا ومباحثاته مع الرئيس الروسي، التي أحدثت نقلة نوعية في مسيرة العلاقات الثنائية، بما أثمرته من تفاهمات وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتوسيع التعاون في جميع المجالات، ونبني على ما أرسته هذه الزيارات من أسس ثابتة لتطوير هذه العلاقة ووضعها على مسار تعاون جديد. ■ كيف ستؤثر الزيارة على مستقبل علاقات البلدين؟ زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- يحفظه الله- إلى روسيا، ستكون زيارة تاريخية بكل المعايير، كونها الأولى في تاريخ العلاقة الممتدة لعقود، وتأتي تتويجا لمرحلة متميزة ومهمة حاليا ضمن مراحل تاريخها الطويل، في ظل ما شهدته من تطورات غير مسبوقة خلال العامين الماضيين، وأنا أثق أن هذه الزيارة ستؤسس إطارا لتنمية وتعميق مسار التعاون، وستفتح آفاقا واسعة، تنقل هذه العلاقة إلى مجالات أرحب وأشمل لتطويرها في جميع المجالات، كما تمتاز هذه الزيارة بأهمية خاصة؛ لكونها تأتي في ظل توجهات وتوجيهات متبادلة من قادة البلدين لبناء علاقات إستراتيجية، تنطلق من تطوير وإقامة شراكات اقتصادية فعلية، يكون لها عائد مباشر ومجد للطرفين، وسنلمس نتائج هذه الزيارة وانعكاساتها الكبيرة على العلاقات الثنائية، خصوصا في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية وغيرها. ■ هناك زيارات متبادلة عديدة خلال الأعوام الماضية.. كيف تقرأون الشراكة العميقة وأثرها على المنطقة؟بالتأكيد تُبرز الزيارات المتبادلة جدية مشتركة في تعزيز التقارب وتوثيق العلاقات في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية وغيرها، وهي أيضا تأتي في سياق استكشاف مجالات جديدة للتعاون، وتنفيذ ما تم إبرامه من اتفاقيات ثنائية خلال زيارات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا. وسيتعزز العمل في هذا الاتجاه بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- يحفظه الله- إلى روسيا، وما ستثمر عنه الزيارة من توقيع العديد من الاتفاقيات في مختلف مجالات التعاون، وبطبيعة الحال المصالح المشتركة يجب أن يُدعمها تعميق التشاور السياسي وتنسيق المواقف، فما نشهده من نهضة في تاريخ العلاقات الثنائية، يأتي في وقت يموج فيه العالم بالعديد من التحديات والأزمات، تُحتم على دول مؤثرة كالمملكة وروسيا تعميق التشاور والتفاهم السياسي، ودون شك سيُحدد لقاء القمة بين قادة البلدين أولويات وترتيبات، تصب في مصلحة إيجاد حلول للأزمات التي تشهدها دول المنطقة. ■ ما هي المجالات المتوقع الاستثمار فيها مستقبلا؟نحن نولي أهمية لجميع المسارات ونبحث جميع المجالات التي يمكن التعاون والاستثمار فيها، بالتأكيد بعد اعتماد «رؤية المملكة 2030»، برزت فرص كثيرة ومجالات جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري مع جميع الدول، بما في ذلك روسيا، ونحن ندعو دائما أثناء لقاءاتنا مع المسؤولين الروس قطاع الأعمال في روسيا إلى المشاركة بفعالية في الدخول في الفرص الاقتصادية والاستثمارية، التي توفرها هذه الرؤية لتعزيز شراكتنا. وبالمناسبة نحن نلمس اهتماما كبيرا من جانب قطاع الأعمال الروسي في التعرف على الفرص التي توفرها هذه الرؤية، وستتواصل مساعينا في استكشاف المجالات التي يمكن التعاون والاستثمار بها، ولن تكون هناك أفضلية لهذا القطاع أو ذاك فيما يخص الاستثمار، وإنما رؤية شاملة لجميع المجالات، بما يخدم مسيرة التنمية والمصالح المتبادلة. ■ هل أجندة إنشاء مجلس تنسيقي رفيع المستوى بين البلدين سيكون مطروحا؟أعتقد أن الآليات القائمة للتنسيق والتشاور الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات تفي بالغرض في هذه المرحلة، حيث إن لدينا بالإضافة إلى آليات التشاور القائمة في الإطار الثنائي، هناك هياكل متعددة الأطراف يجري التشاور في إطارها، منها الحوار الاستراتيجي روسيا- مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنتدى التعاون العربي الروسي بين جامعة الدول العربية وروسيا، ومشاورات أشمل ضمن إطار العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية ومن بينها مجموعة العشرين، التي تُشكل مطبخ القرارات الاقتصادية الاستراتيجية العالمية، حيت تتمتع المملكة وروسيا بعضوية هذا التجمع الاقتصادي الأكبر عالميا. ■ ما أبرز ما هو مطروح في أجندة لقاء خادم الحرمين الشريفين بالرئيس الروسي؟سيكون البرنامج حافلا بالملفات المطروحة للنقاش، وبلا شك ستشغل علاقات التعاون الثنائي وآفاق تعزيزها في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية والإنسانية وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك الحيز الأكبر من جلسة المباحثات خلال لقاء القمة بين قادة البلدين، كما سيتطرق البحث بالتأكيد إلى العديد من الملفات الإقليمية والدولية، مع التركيز بشكل خاص على الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وآفاق تسوية الأزمات القائمة في المنطقة العربية. ■ يسعى البلدان لتعزيز الروابط بينهما.. كم سيبلغ حجم التبادل التجاري المتوقع وفرص رفعه؟بلغ حجم المبادلات التجارية في العام الماضي 491.6 مليون دولار أمريكي، وذلك في مقابل 926 مليون دولار في العام 2015، وهو رقم متواضع لم يصل إلى المستوى المأمول، بما يتناسب مع الإمكانيات الكبيرة المتوفرة لدى البلدين، وفيما يخص هذا العام، فقد بلغ حجم المبادلات التجارية 208 ملايين دولار أمريكي وذلك في النصف الأول من العام 2017، مسجلة زيادة قدرها 77% في واردات المملكة من روسيا، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، بالإضافة لزيادة قدرها 10% في صادرات المملكة إلى روسيا مقارنة مع نفس الفترة من العام 2016. ونتوقع أن يفوق حجم هذه المبادلات بكثير الرقم المُسجل في العام الماضي. ■ كيف ترون جهود المملكة في خدمة المسلمين القادمين لأداء المناسك من روسيا.. وكم بلغ عدد الحجاج والمعتمرين الروس خلال العام الحالي؟منذ أن منّ الله على المملكة بشرف رعاية الحرمين الشريفين، وهي تستشعر قيمة هذا التشريف العظيم، وتعتز بخدمة الحرمين، وتسعى دائما أن ترتقي بخدماتها للحجاج والمعتمرين، والمملكة سخرت جميع طاقاتها البشرية والمادية لذلك، ومن يقصد المملكة سيلحظ كل عام تجديدا وتميزا في الخدمات المقدمة، وهناك حرص خاص من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- يحفظه الله- على الوقوف بنفسه والإشراف على نوعية الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن وتطويرها. وأؤكد أيضا أن المملكة لم تدخر جهدا إلا بذلته في سبيل تذليل الصعاب أمام حجاج بيت الله الحرام، وتوفير كل سبل الراحة والأمن والأمان لهم على قدم المساواة، وهذه الجهود لا تقتصر على رعاية الحجاج والمعتمرين داخل المملكة، وإنما تبدأ من سفارات وقنصليات المملكة في الخارج، التي تسعى دائما وفق توجيهات خادم الحرمين الشريفين إلى تقديم الأفضل، وتسهيل وتسريع إجراءات جميع الراغبين في أداء مناسك الحج والعمرة. فيما يخص عدد الحجاج الروس، تجدرالإشارة هنا إلى أن المملكة رفعت حصة حجاج روسيا للعام 1438هـ إلى 20500 حاج، كما أنها خصصت ولأول مرة في حدود 1025 فرصة حج للمقيمين في روسيا من الجاليات المسلمة، وذلك ضمن قرار خادم الحرمين الشريفين برفع الطاقة الاستيعابية للحجاج في موسم حج عام 2017، أضف إلى ذلك الآلاف من المعتمرين الروس. ■ ما مدى تعاون البلدين بمكافحة الإرهاب في المنطقة والعالم والعلاقة الاستراتيجية في هذا الصدد؟نحن نبحث مع الشركاء الروس جميع القضايا، ونولي أهمية لجميع مسارات التعاون، وخاصة تلك التي تُمثل أولوية، منها مكافحة الإرهاب، وفيما يخص هذا الملف تحديدا، هناك خطوات عملية لتفعيل التنسيق، من أجل إنجاح هذا العمل، فالإرهاب خطر يُهدد الجميع، وأعتقد أن تبادل وجهات النظر في هذا السياق مهم، وفرصة للاستفادة من خبرات بعضنا البعض. وبالمناسبة المملكة لديها تجربة رائدة في هذا المجال، حيث كافحت هذه الآفة بأسلوب شامل، ليس فقط بالقضاء على الإرهابيين ومنظماتهم عسكريا، وإنما معالجة أفكارهم ومعتقداتهم. والمملكة دائما على استعداد لمشاطرة هذه الخبرة مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك مع الجانب الروسي، وفي هذا السياق، أود أن أشير إلى الاتفاقات التي تم التوصل إليها أثناء مباحثات معالي وزير الخارجية الأستاذ عادل بن أحمد الجبير مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في موسكو بتاريخ 26/4/2017، بشأن عقد مشاورات دورية بين الجانبين حول هذا الموضوع. ■ كلمة أخيرة من سعادتكم تختم بها حوارنا؟في الختام، أود أن أشكركم على فرصة اللقاء والتحدث حول مجموعة واسعة من القضايا ذات الصلة بتطوير وتعزيز علاقات الشراكة بين المملكة وروسيا. ونحن في سفارة خادم الحرمين الشريفين بموسكو متفائلون بالعمل الجاري على جميع المسارات بالتوازي. وأنا أثق أننا سنرى في القريب العاجل قفزة نوعية في العلاقات إلى مجالات أرحب وأوسع، واغتنم الفرصة لأجدد التهاني لقيادة المملكة الرشيدة وحكومة وشعب المملكة؛ بمناسبة الذكرى السابعة والثمانين لليوم الوطني، التي احتفلنا بها قبل أيام، داعيا المولى عز وجل أن يحفظ ولاة الأمر، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار والتقدم والازدهار. تتويج مرحلة زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- يحفظه الله- إلى روسيا، ستكون زيارة تاريخية بكل المعايير؛ كونها الأولى في تاريخ العلاقة الممتدة لعقود، وتأتي تتويجا لمرحلة متميزة ومهمة حاليا ضمن مراحل تاريخها الطويل، في ظل ما شهدته من تطورات غير مسبوقة خلال العامين الماضيين. ■ حاصل على ماجستير دراسات الشرق الأدنى من جامعة نيويورك 2013 ■ بكالوريوس علوم سياسية - جامعة الملك سعود 1995 ■ التحق بوزارة الخارجية في 1987، ثم البعثة الدائمة للمملكة لدى الأمم المتحدة نيويورك (1989 - 1997) ■ مدير إدارة حقوق الإنسان ومدير عام إدارة المنظمات غير الحكومية بوزارة الخارجية. 1997 - 2001 ■ عضو في مجلس هيئة حقوق الإنسان في المملكة 2008 - 2010 - ■ سفير مفوض فوق العادة للمملكة العربية السعودية في رومانيا 2010 - 2015. ■ سفيرمفوض فوق العادة للمملكة في مولدوفا 2011 - 2015. ■ سفير خادم الحرمين الشريفين لدى روسيا منذ 2015. ■ سفير خادم الحرمين الشريفين لدى روسيا البيضاء منذ 2015.
مشاركة :